الشقاقی زلزل أمن الکیان حتى بعد الشهادة
وکالة القدس للانباء (قدسنا) ـ السادس والعشرون من أکتوبر للعام 1995 وبالتحدید فی جزیرة مالطا أطلق أحد عناصر الموساد (الإسرائیلی) خمس رصاصات من سلاحه الشخصی صوب المفکر والقائد "فتحی الشقاقی"، قبل أن یلوذ بالفرار بدراجته الناریة خائفة من جثمان الشهید قبل أن یستقل مرکبا کان ینظره فی المیناء لیهرب به مباشرة إلى دولة الکیان.
ظن قادة دولة الاحتلال أنهم باغتیال المفکر "أبا إبراهیم" سیوقفون تدفق فکره الجهادی وسیشلون قدرة حرکة الجهاد الإسلامی على ضرب عمق الکیان، وسوق قادتهم فعلتهم الجبانة على أنها أعظم انتصار، ولم یدروا بأن أصحاب الفکر لا یمکن إلجامهم ببضع رصاصات أو عزل خلف القضبان أو حتى نفى خارج حدود الأوطان.
ولد الشهید فتحی إبراهیم الشقاقی فی مخیم رفح للاجئین فی الرابع من ینایر للعام 1951، لأسرة فقیرة معروفة بالالتزام الدینی، وبحکم عمل والده فی شبه جزیرة سیناء تولت والدته مهمة العنایة به وبأشقائه الأربعة وتزرع فیهم بذرة حب الأوطان وتقص علیهم أحادیث الهجرة والنکبة، قبل أن ترحل إلى الرفیق الأعلى قبل أن یتجاوز الشهید الخامسة عشر ربیعا، لیحمل أبو إبراهیم المسؤولیة مبکرا کونه الأخ الأکبر.
ودرس الشهید فی جامعة بیرزیت وتخرج من دائرة الریاضیات لیعمل بعدها فی المدرسة النظامیة فی القدس، قبل أن ینتقل إلى مصر لیعید دراسته فی مجال الطب بجامعة الزقازیق ویعود بعدها سرا إلى فلسطین مستغلا حادثة اغتیال السادات لیعمل فی مستشفى فیکتوریا الحکومی فی القدس ویطلق شرارة أعماله العسکریة والتی ابتدئها بعملیة باب المغاربة.
الحیاة السیاسیة تأثر الشهید أبو إبراهیم بالفکر الناصری فی بدایة نشاطه السیاسی قبل أن یغیر من توجهاته بعد هزیمة 67، لینخرط فی بعدها فی صفوف جماعة الإخوان المسلمین فی العام 1968، وتعرض للاعتقال مرتین أثناء تواجده فی مصر على خلفیة تألیفه لکتاب " الخمینی.الحل الإسلامی والبدیل " وفی المرة الثانیة بسبب نشاطه السیاسی فی العام 1979.
وفی العام 1981 تسلل الشهید المعلم عائدا إلى وطنه بعد أن أصبح مطلوبا لأجهزة الأمن المصریة، وبالفعل تمکن من دخول أراضی قطاع غزة لیشکل مع مجموعة من رفاقه حرکة الجهاد الإسلامی فی أواخر السبعینات لإیمانه بضرورة العمل العسکری وعدم الاکتفاء بالجانب الروحانی من أجل تحریر فلسطین.
ولم یلبث أبو إبراهیم إلا أن أصبح مطاردا لقوات الاحتلال التی اعتقلته مرتین الأولى فی العام 1983 لمدة 11 شهرا دون أن تنتزع منه أی اعتراف بفضل صحوته الأمنیة، وعاد اعتقاله مجددا فی العام 1986 وحکمت علیه بالسجن الفعلی لمدة 4 سنوات و5 سنوات أخرى مع وقف التنفیذ، وقبل أن تنتهی مدة سجنه قامت قوات الاحتلال بنفیه إلى لبنان فی العام 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الأولى.
ذکراه فینا ما حیینا یقول عبد العزیز شقیق الشهید فتحی الشقاقی:" شکل حادث وفاة الوالدة مفصلا کبیرا فی حیاة الشهید أبو إبراهیم، فقد کان الشهید شدید التعلق بها وکان لها الفضل الکبیر فی رسم شخصیة الدکتور وتحفیزه الدائم للتفوق فی الدراسة "، موضحا أن فتحی حرص على سد الفراغ الذی ترکته الوالدة بعد رحیلها وعمل جاهدا لتعویض أخوته عن دورها وخلق أجواء مشابهة لتلک التی کانت فی حیاتها.
وأکد الشقاقی أن روح الشهید وفکره ما زالت حاضرة وبقوة فی نفوس کل من عایشوه ومن ساروا على خطاه وحملوا البندقیة متبنین طرح الشهید بضرورة العمل العسکری بجانب الإیمانی من أجل تحریر الدیار، مضیفا:" العلاقة الطیبة والقویة التی جمعتنی بالدکتور تجعلنی لا أصدق مرور 18 عاما على رحیله، لا زلت أذکر تفاصیل جلساته الحواریة التی تمتد لساعات متأخرة من اللیل ولا أزال أنفذ توصیاته بالإکثار من القراءة.
فتحی بالنسبة لی مجرد مسافر انتظر عودته ".
القدس والأسرى وأوضح عبد العزیز أن الشهید المعلم کان شدید الارتباط بقضیة القدس وکانت المدینة المقدسة تتربع على عرش قلبه ویحفظ کل طرقاتها بحکم سکنه وعمله فی المدینة لفترة طویلة وبالتحدید فی حی سلوان بالقرب من باب المغاربة، مردفا:" کان الشهید یحب التجول فی شوارع القدس ویحرص على أداء الصلاة فی المسجد الأقصى، وکتب العدید من القصائد فی مدیح المدینة المقدسة وفلسطین ".
وأضاف:" کنت أزور الدکتور فی الأسر فی کافة الزیارات التی یسمح بها الاحتلال للشهید خلال سنوات اعتقاله، ولم أراه یوما منکسر الخاطر أو محبط العزیمة بل کان یحرص أشد الحرص على الظهور بشموخ أمام السجان "، متابعا:" کان الشهید دائم المدیح عن صمود الأسرى رغم التعذیب، وکانت تنتابه لحظات غضب عندما یشاهد أثار التعذیب على جسد زملائه فی الأسر، وأکثر مرة تأثر بها حینما شاهد رفیقه نافذ عزام وأقدامه منفخة من شدة التعذیب ".
خبر الاغتیال وقال الشقاقی:" کان الدکتور یهیئنا دوما لاستقبال خبر استشهاده، الأمر الذی خفف الصدمة على نفوس محبیه وأشقائه "، مبینا أنه کان دائما یلهج إلى ربه بالدعاء بأن یرزقه الشهادة فی سبیله ویکثر من تردید عبارة " لقد عشت أکثر مما ینبغی ".
ولم یتوقف رعب اسم الشقاقی لدى أجهزة الاستخبارات الصهیونیة والعربیة على حد سواء حتى بعد استشهاده؛ حیث امتنعت الدول العربیة عن استقبال جثمان الشهید أو السماح حتى بمرور الجثمان من أراضیها، الأمر الذی تسبب بتأخیر الدفن لمدة أسبوع کامل حیث دفن فی الأول من نوفمبر بعد سبعة أیام من اغتیاله فی مدینة دمشق السوریة.
أبو إبراهیم ترجل ونال ما تمناه، ولکن من هندس اغتیاله الجبان مستغلا تواضع الدکتور وبساطته الشدیدة حیث کان یرفض اصطحاب الحرس ویسیر بین الناس ویرکب أبسط وسائل النقل لم ینعم بالأمان، لتفجر حرکة الجهاد الإسلامی براکینها غضبا على رحیل مؤسسها وأمینها العام والعقل المدبر للعدید من العملیات الفدائیة والتی کان أبرزها عملیة بیت لید التی أسفرت عن مقتل 22 صهیونیا، وکانت حصیلة الردود الأولیة على اغتیال الدکتور ما یزید عن 120 صهیونی بین قتیل وجریح.
ولا زال فکر الشقافی فی نفوس أبناء فلسطین.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS