qodsna.ir qodsna.ir

"کامب دیفید": هل حان وقت التغییر؟

"کامب دیفید": هل حان وقت التغییر؟

سمیة علی

لم یکن للزمن أی تأثیر على "کامب دیفید". ثلاثة عقود تقریباً مرّت على ولادة الإتفاقیة، التی وُقّعت فی 17 أیلول/سبتمبر عام 1978 بین مصر و "اسرائیل" فی الولایات المتحدة الأمیرکیة، ولا زالت على حالها بکل تفاصیلها. لکن أحداث 25 کانون الثانی/ینایر التی کانت بمثابة انعطاف کبیر فی الحیاة السیاسیة المصریة، کونها أدّت للإطاحة بنظام الرئیس حسنی مبارک وأفرزت سلطة جدیدة فی البلاد، وضعت الإتفاقیة التی کانت فاتحة عهد التطبیع العربی مع العدو الإسرائیلی، قید نقاش جدی. من جهة ثانیة، وعلى الرغم من رهان البعض عقب انتهاء حقبة مبارک على تغیرات فی العلاقة بین مصر و "اسرائیل" سیما لجهة تعدیل الإتفاقیة بین البلدین، إلا أن هذا التغییر دونه عقبات کثیرة تبدأ بارتباطه بالعلاقة بین مصر وواشنطن انتهاءً بإعادة وضع العلاقة بین مصر و"اسرائیل" فی دائرة النزاع، فی حال رفض کیان العدو لأی تعدیل قد یطرأ على الإتفاقیة. منذ استلام الأخوان المسلمین الحکم فی مصر، تحدیداً عقب فوز محمد مرسی بمنصب الرئاسة، بدأ الحدیث عن ماهیة سلوک الأخوان تجاه العلاقة مع "اسرائیل"، خصوصاً لجهة معبر رفح وقطاع غزة حیث النفوذ القوی لحرکة حماس، التی تعلن بحسب المادة الثانیة فی بیانها الأول أنها جناح من أجنحة الأخوان المسلمین فی فلسطین.
لکن موقف السلطة المصریة الجدیدة تجاه العلاقة مع "اسرائیل" وبشکل عام موقع مصر من الصراع العربی الإسرائیلی، اتسم بالضبابیة باعتبار أن بلورة موقف واضح من هذا الموضوع یحتاج إلى فترة زمنیة لیست بالقصیرة نظراً لحساسیة الموضوع، بحسب بعض الخبراء. لکن ما حدث فی السادس من آب/أغسطس من العام الحالی، شکّل نقطة تحوّل مفصلیة فی ما یخص الوضع الأمنی فی شبه جزیرة سیناء، حیث قُتل ستة عشر جندیا وضابطا فی الجیش المصری جنوبی معبر رفح على ید جماعات تکفیریة. وقتها، بدأت السلطات فی الأوساط المصریة اتخاذ اجراءات متعددة لإعادة الأمن إلى تلک المنطقة ومنع حدوث عملیات مماثلة مجدداً. وقد ترافقت هذه الإجراءات مع مواقف تدعو إلى تعدیل "کامب دیفید"، التی تحدّ بموجب بنودها من التواجد العسکری المصری فی تلک المنطقة مما یسمح بتنشیط وجود خلایا إرهابیة.
لکن نوعاً من التناقض فی الموقف المصری برز مؤخراً من خلال تصریح لمستشار الرئیس المصری یرى فیه أن تعدیل کامب دیفید "مسألة وقت"، لیلیه بعدها موقف للناطق باسم الرئاسة یاسر علی یؤکد فیه أنه "لا یوجد حالیاً ما یستدعی تعدیل الإتفاقیة". هذا التناقض الذی قابله رفض اسرائیلی لأی تعدیل قد یطرأ على کامب دیفید یطرح أسئلة عن مصیر هذه الإتفاقیة، وما قد یجری فی حال ابقاء مضمونها على حاله، أو تعدیله. تعدیل کامب دیفید مستبعد حالیاً.. لکن ما یمکن أن یحدث هو اتفاق ضمنی بین الجانبین لتجنب خطر الجماعات الإرهابیة. عبد الخالق فاروق مدیر مرکز النیل للدراسات السیاسیة والإستراتیجیة یشرح التناقض الذی برز مؤخراً فی ما یخص الموقف المصری تجاه اتفاقیة کامب دیفید، قائلاً إن " تصریح مستشار رئیس الجمهوریة المصری، محمد عصمت سیف الدولة، یعکس رؤیته المستقلة قبل تعیینه مستشاراً لرئیس الجمهوریة، أما هیکلیة النظام الحاکم الذی تقوده جماعة الأخوان المسلمین فموقفها یتمثل بعدم الإقتراب من اتفاقیة کامب دیفید فی إطار محاولة التوافق مع السیاسة الأمیرکیة فی المنطقة بصفة عامة، وعدم التعارض مع الرؤیة الأمیرکیة تجاه أمن اسرائیل واستمرار ما یسمى مسار التسویة الذی بدأ بکامب دیفید، وهذا ما عبّر عنه المتحدث باسم الرئاسة یاسر علی".
وبالنسبة لإمکانیة تعدیل الإتفاقیة، یرى فاروق أنه "على المدى المتوسط سیکون هناک تعدیل ربما فی الشق الأمنی تحدیداً المتعلق بحجم تواجد القوات المسلحة المصریة ونوعیات الأسلحة وحدود الحرکة فی هذا المسرح العسکری الحساس أی سیناء". ویتابع فاروق "أظنّ أن "اسرائیل" قابلة الآن للموافقة على اتفاق غیر مکتوب مع الإدارة المصریة وعلى رأسها محمد مرسی والمؤسسة العسکریة یقضی بقبول هذه العملیات العسکریة والتواجد العسکری، لأن الخطر الذی تواجهه مصر من قبل بعض الجماعات الإرهابیة هو نفس الخطر الذی تواجهه "اسرائیل". ویوضح فاروق أن "هناک قبولاً اسرائیلی ضمنی بالتواجد العسکری المصری لأنه تواجد لا یؤثر کثیراً على میزان القوى بین الطرفین، فمیزان القوى یحتاج إلى سنوات وإلى سیاسات استراتیجیة جدیدة لإعادة بناء القوات المسلحة ومسرح العملیات، إذا ما کان هناک نظرة لـ"اسرائیل" باعتبارها تهدیدا. لقد أوجدت کامب دیفید معطیات على الأرض، فی ما یتعلق بنمط تسلیح القوات المسلحة وعقیدتها العسکریة ومصدر التسلیح أی الولایات المتحدة الأمیرکیة". فی المقابل، یشیر فاروق إلى أنه "بالنسبة لمؤسسات صنع القرار فی "اسرائیل"، سواء دوائر أجهزة الأمن أو المؤسسة العسکریة، هناک موقف یبدو مستقراً بشأن عدم الموافقة على إجراء تعدیلات جوهریة فی الشق الأمنی من الإتفاقیة، لأن ذلک یفتح الطریق فیما بعد من حیث المبدأ لقبول فکرة إجراء تعدیلات کلما لاح فی الأفق جدید فی سیناء وفی غیرها، وبالتالی هم لا یرغبون فی أن یمنحوا الجانب المصری الحق فی طلب التعدیل والموافقة علیه".
"اسرائیل" لا تزال ترى أن "کامب دیفید" تصبّ فی مصلحتها تماماً من جهة ثانیة، یتحدث الخبیر فی الشؤون الإسرائیلیة حلمی موسى عن الموقف الإسرائیلی تجاه إعادة النظر فی اتفاقیة کامب دیفید، قائلاً إن "الإسرائیلی یرى أن کامب دیفید کانت ولا زالت تصبّ فی مصلحته، لذلک کل محاولات التعدیل سیتعاطى معها على أنها إلى حدّ ما نوعٌ من التراجع، مع ذلک، فإنّ کل من یعرف اتفاقیة کامب دیفید یعرف أن من حق أی دولة من الدولتین المطالبة بمراجعة بنودها خصوصاً عقب مرور 25 سنة على توقیعها.
لذلک أعتقد أنه یمکن لمصر أن تطالب ویمکن حتى لاسرائیل أن تتعاطى مع الأمر بطریقة لیست بالضرورة متشددة، فهی قد تسمح إلى حدّ معین بتعدیل بعض البنود العسکریة للإتفاق، بحیث یکون فی ذلک فائدة عامة". هذا ویضیف موسى "حتى الآن فی مصر هناک أقوال متضاربة، فکثیرون یخشون أن التورط الآن مع اسرائیل فی ما یخص اتفاقیة السلام یقود إلى تغییر جوهری بالسیاسة المصریة، وهذا أمر مصر غیر قادرة علیه حالیاً، لکن باعتقادی نیة إجراء بعض التعدیلات للإتفاقیة موجودة لدی أغلب قطاعات السلطة فی مصر. لذا لا أستبعد حدوث مطالبة جدیة لتعدیل الإتفاق ولکن ذلک مرتبط بمدى أهلیة مصر لإحداث الإستقرار داخلیاً وبالتالی إعادة بلورة السیاسة الخارجیة".
المصدر: موقع المنار

 


| رمز الموضوع: 143415