الأسباب غیر المعلنة لإلغاء زیارة أولمرت إلى روسیا
الأسباب غیر المعلنة لإلغاء زیارة أولمرت إلى روسیا
أعلنت إسرائیل رسمیاً إلغاء رحلة رئیس الوزراء الإسرائیلی أولمرت إلى العاصمة موسکو التی کان مقرراً لها یوم 14 أیلول الحالی.
* التفسیرات غیر المعلنة لإلغاء زیارة أولمرت:
تقول التسریبات الإسرائیلیة بأن أولمرت ألغى زیارته لموسکو بسبب توصیة یوم 7 أیلول التی قدمها البولیس الإسرائیلی لجهة اتهام أولمرت باستلام الرشاوى.
وبرغم إصرار الإسرائیلیین على هذه النظریة التفسیریة، فإن أبرز الانتقادات الموجهة لها تتمثل فی الاعتراض القائل بأنه لو کانت توصیة البولیس الإسرائیلی هی السبب لإلغاء زیارة أولمرت لموسکو فلماذا لم یتم إرسال أی مسؤول إسرائیلی آخر إلى روسیا، کوزیرة الخارجیة لیفنی أو وزیر الدفاع باراک أو غیرهم من کبار المسؤولین الإسرائیلیین کالرئیس شیمون بیریز طالما أن تقالید الدبلوماسیة الإسرائیلیة ظلت تنطوی على ذلک وهناک الکثیر من الأمثلة والشواهد التی تؤکد على أن إسرائیل فی کثیر من الأحیان ظلت تستبدل مسؤولاً بمسؤول فی تعاملاتها مع الأطراف الدولیة الأخرى وبالنسبة للدول الکبرى فقد ظلت إسرائیل أکثر حرصاً فی تنفیذ جدول أعمال المبادلات الدبلوماسیة.
وعلى هذه الخلفیة تقول نظریة التفسیر غیر المعلن بأن أولمرت قد ألغى زیارته لموسکو بسبب تداعیات ملف أزمة الحرب الروسیة – الجورجیة إضافةً إلى خوف تل أبیب من حدوث المزید من الخسائر الفادحة فی سیاستها الخارجیة وتحرکاتها الدولیة والإقلیمیة.
* تداعیات الأزمة الجورجیة على دبلوماسیة تل أبیب:
بعد انهیار الاتحاد السوفیتی وصعود قوة الولایات المتحدة ونفوذها على النظام الدولی أصبحت تل أبیب تقوم بدور البروکسی الأمریکی فی مناطق الاتحاد السوفیتی السابق ضمن عدد من المحاور أبرزها:
• محور خط تل أبیب – موسکو: ویقوم على محاولة أخذ روسیا لجانب تل أبیب فی الصراع العربی – الإسرائیلی أو على الأقل تحییدها إضافةً إلى محاولة تعزیز مکانة ووزن الیهود الروس وتنظیمهم ضمن لوبی إسرائیلی یمارس النفوذ والسیطرة على موسکو، وعلى السیاسة الخارجیة الروسیة والشرق أوسطیة، تماماً على غرار نفوذ وسیطرة اللوبی الإسرائیلی على سیاسة واشنطن الشرق أوسطیة.
• محور خط تل أبیب – الجمهوریات السوفیتیة السابقة: ویقوم على محاولة بناء التحالف الاستراتیجی بالشراکة والتنسیق مع واشنطن ومع هذه الجمهوریات، وذلک لجهة إنجاز حلقة جیو – سیاسیة تطوق بشکل محکم روسیا بما یؤدی إلى منع وعرقلة أی نهوض جدید لروسیا وتحولها إلى دولة عظمى.
التحرکات الدبلوماسیة الإسرائیلیة المزدوجة، بین محور تل أبیب – موسکو ومحور تل أبیب – الجمهوریات السوفیتیة السابقة، هی تحرکات قطعت شوطاً کبیراً وکانت أبرز مؤشراتها تشیر إلى الآتی:
• فی منطقة القوقاز: استطاعت تل أبیب کسب جورجیا وأذربیجان إلى جانبها ولکنها لم تنجح بعد فی کسب أرمینیا.
• فی منطقة البحر الأسود: استطاعت تل أبیب کسب أوکرانیا ومولدافیا إلى جانبها، إضافةً إلى بناء الروابط مع بلدان شرق أوربا وخصوصاً رومانیا وبلغاریا.
• فی منطقة البلطیق: استطاعت تل أبیب أن تکسب إلى جانبها لاتفیا وأستونیا ولیتوانیا بسبب الوجود الیهودی المکثف فی هذه المناطق، إضافةً إلى الدعم الأمریکی والأوروبی المتزاید واستعجال ضمها إلى الناتو والاتحاد الأوروبی.
• فی منطقة آسیا الوسطى: لم تستطع إسرائیل کسب أی دولة فی آسیا الوسطى وما أحرزته دبلوماسیة تل أبیب کان ضئیلاً ومحدوداً ولم یتعدى فی أحسن الأحوال مجرد تبادل العلاقات العادیة والزیارات الشکلیة، وبرغم جهود أمریکا فی أوزبکستان وکیرغیزستان فإن إسرائیل لم تستطع بناء الروابط إضافةً إلى أن أمریکا نفسها أصبحت بسبب حرب أفغانستان والعراق تواجه تراجعاً کبیراً فی علاقاتها مع أوزبکستان وکیرغیزستان خاصةً وأن حکومات بلدان آسیا الوسطى الخمسة أصبحت تدرک بشکل متزاید حقیقة التحرکات الأمریکیة الساعیة إلى نقل عدوى الثورات الملونة إلى المنطقة بما یؤدی إلى إسقاط حکوماتها وتنصیب رؤساء على غرار الرئیس الجورجی ساخاشفیلی والرئیس الأوکرانی الحالی.
جاءت أزمة الحرب الروسیة – الجورجیة لتکشف عن مدى تورط دبلوماسیة إسرائیل وتغلغلها العمیق الهادف إلى:
• تقویض استقرار روسیا والجمهوریات التی استقلت عن الاتحاد السوفیتی السابق.
• تغییر الأنظمة الوطنیة فی کل المنطقة بما فی ذلک روسیا وإشعال الثورات الملونة بما یؤدی لتنصیب أنظمة موالیة لواشنطن تسیطر علیها من الداخل الجماعات الیهودیة الموجودة فی هذه البلدان.
• نهب موارد هذه المنطقة عن طریق ربط دولها بالصفقات والشراکات الاقتصادیة والتجاریة المتوازنة.
• السیطرة على نفط آسیا الوسطى ومنطقة بحر قزوین.
حتى الآن، ما تزال تداعیات التطورات السالبة للأزمة الجورجیة تدق بعنف فی أسماع إسرائیل وتقول آخر التسریبات بأن إسرائیل أخبرت رجال الأعمال الإسرائیلیین بضرورة تصفیة کل ترتیباتهم التجاریة ومعاملاتهم المالیة فی الأسواق التجاریة الجورجیة، والتقلیل بقدر الإمکان من المعاملات مع روسیا وتقول المعلومات إضافةً إلى إمکانیة الاستمرار فی المعاملات فی الأسواق الأذربیجانیة ولکن مع الحذر الشدید والتوقع لاحتمالات انقلاب الأوضاع بسبب ضغوط الصراع الأرمنی – الأذربیجانی حول السیادة على إقلیم ناغور کرباخ وإقلیم ناختشیفان.
* المواجهة الدبلوماسیة على خط دمشق – تل أبیب:
على خلفیة قمة الرئیس الأسد مع الرئیس الروسی میدفیدف، بدا واضحاً أن تل أبیب أصبحت أکثر إدراکاً لاحتمالات عودة "موسکو الروسیة" إلى الشرق الأوسط لجهة ملء الفراغ الذی خلفه انسحاب "موسکو السوفیتیة" من الشرق الأوسط.
تنافس دمشق – تل أبیب لکسب السباق إلى موسکو کان یقوم على العدید من العوامل المرتبطة بقدرات کل طرف وإدراکه لطبیعة السباق وبالتالی:
• راهنت تل أبیب على التحالف مع واشنطن واستخدام الجماعات الیهودیة وتفعیل العلاقات الأوروبیة - الروسیة.
• راهنت دمشق على التریث بانتظار أن تدرک موسکو حقیقة ملفات تل أبیب ثم الانقضاض الدبلوماسی بالتقدم رأساً إلى موسکو.
وعلى خلفیة الرهانات الدبلوماسیة جاءت الحرب الروسیة – الجورجیة التی شکلت اللحظة الحاسمة لقیام دمشق بالانقضاض والذی تمثل فی قمة الأسد – مدفیدیف.
هذا، وبتحلیل سیناریو الأداء الدبلوماسی على خط دمشق – موسکو ومقارنة الأداء الدبلوماسی على خط تل أبیب – موسکو یمکن الإشارة إلى معادلة حسابات الفرص والمخاطر على الجانب الإسرائیلی على النحو الآتی:
• فرصة توظیف موسکو لجهة تحقیق السلام فی الشرق الأوسط.
• فرصة القیام بدور الوسیط الذی یخفف التوتر على:
- خط موسکو – واشنطن.
- خط موسکو – دول الاتحاد الأوروبی.
• فرصة توظیف واستثمار العلاقات المتوازنة مع موسکو.
المخاطر التی تورطت فیها إسرائیل:
• مخاطر استخدام الیهود الروس لجهة التغلغل من أجل السیطرة على دولاب الدولة الروسیة.
• مخاطر استخدام رأس المال الیهودی من أجل السیطرة على موارد النفط والغاز الروسی.
• مخاطر تقدیم الدعم للحرکات الانفصالیة المعادیة لموسکو.
• مخاطر تنظیم إدارة شبکات جماعات المافیا الروسیة – الإسرائیلیة لجهة تحویل روسیا إلى مرکز إجرامی عالمی.
• مخاطر استخدام الجماعات الیهودیة فی الجمهوریات المستقلة عن الاتحاد السوفیتی وتحویلهم إلى خلایا استخباریة ولوبیات من أجل السیطرة على السلطة والثروة.
• مخاطر الاندماج فی أجندة السیاسة الخارجیة الأمریکیة الهادفة إلى إعاقة تطور وتقدم روسیا.
• مخاطر استخدام الضغوط على دول الاتحاد الأوروبی لجهة التأثیر سلباً على توجهات وسیاسات موسکو.
التراکم المستمر لهذه المخاطر وغیرها أدى إلى القضاء على کل الفرص التی کانت سانحة أمام الدبلوماسیة على خط موسکو – تل أبیب.
* دبلوماسیة تل أبیب فی مواجهة دبلوماسیة دمشق فی مرحلة ما بعد حرب جورجیا – روسیا:
تقول المعلومات والتسریبات الواردة من تل أبیب بأن الإسرائیلیین أصبحوا أکثر ارتباکاً وتخوفاً من احتمالات حدوث الآتی على خط دمشق – موسکو:
• أن تقوم موسکو بتزوید دمشق بالمزید من الأسلحة المتطورة والخبراء انتقاماً من قیام تل أبیب بتزوید جورجیا بالأسلحة المتطورة والخبراء.
• أن تقوم موسکو بالتدخل إلى جانب دمشق فی دبلوماسیة الصراع العربی – الإسرائیلی.
• أن تقوم موسکو ببناء تحالف استراتیجی مع دمشق بما یؤدی إلى عودة موسکو الروسیة لملء الفراغ الذی خلفه انسحاب موسکو السوفیتیة من الشرق الأوسط.
وهناک تحلیلات إسرائیلیة أکثر تشاؤماً بمستقبل العلاقات على خط تل أبیب – موسکو تقول باحتمالات:
• قیام موسکو بدعم مصر بما یؤدی إلى المزید من النتائج الکارثیة بالنسبة لإسرائیل التی سیکون أقلها:
- خروج مصر من بیت الطاعة الإسرائیلی – الأمریکی.
- تقارب خط دمشق – القاهرة.
• قیام موسکو بدعم الجماعات الفلسطینیة العلمانیة التی ظلت جامدة لفترة طویلة مثل الجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین وغیرها.
• قیام موسکو بتزوید إیران بالمزید من الأسلحة المتطورة والخبراء.
• قیام موسکو بردع دول القوقاز من مغبة التمادی فی العلاقات مع إسرائیل وهو أمر یؤدی إلى تقویض العلاقات على خط تل أبیب – باکو الأذربیجانیة ویقضی بالکامل على مشروع إمداد إسرائیل بالنفط والغاز عن طریق مشروع تمدید خط أنابیب میناء جیهان الترکی – عسقلان الإسرائیلی.
• إعطاء أنقرة المزید من المبررات لإضعاف علاقاتها نهائیاً بتل أبیب خاصة وأن أنقرة ترغب فی قیام موسکو ودول آسیا الوسطى بتمدید خطوط أنابیب نقل النقط والغاز عبر أراضیها.
وعلى خلفیة کل ما سبق فإن المخاوف الإسرائیلیة أصبحت أکثر إزاء احتمالات أن یؤدی تراجع دبلوماسیة تل أبیب عن موسکو والقوقاز وآسیا الوسطى إلى حدوث فراغ دبلوماسی إسرائیلی یغری دبلوماسیة دمشق بالتقدم وملء الفراغ، وهو أمر سیشکل کابوساً حقیقیاً أمام الإسرائیلیین لأن فقدان القوقاز وآسیا الوسطى معناه فقدان أوراسیا التی تمثل قلب العالم والتی قالت أطروحات الفکر الاستراتیجی أن من یسیطر علیها یسیطر على العالم.
التحلیل المقارن لعناصر المباراة الدبلوماسیة على خط دمشق – تل أبیب یشیر إلى الوضع الراهن الآتی:
• دبلوماسیة تل أبیب:
- عوامل القوة تتمثل فی الدعم الأمریکی ومساندة الجماعات الیهودیة وبلدان أوربا الغربیة.
- عوامل الضعف تتمثل فی الرأی العام المعادی لإسرائیل فی کل جمهوریات الاتحاد السوفیتی السابق وذلک بسبب السیاسات الإسرائیلیة العدائیة وتحالف خط واشنطن – تل أبیب.
• دبلوماسیة دمشق:
- عوامل القوة تتمثل فی صلاحیة دمشق للقیام بدور نقطة الانطلاق لمرور تدفقات التجارة القادمة من آسیا الوسطى والقوقاز إلى کافة أنحاء المنطقة العربیة إضافة إلى القیام بدور نقطة الالتقاء التی تحقق تقاطع المصالح والمواقف بین المنطقة العربیة وجمهوریات الاتحاد السوفیتی السابق، ویضاف إلى ذلک التقارب السوری – الترکی والتقارب السوری – الإیرانی وهی جمیعها على خلفیة التقارب الروسی – الإیرانی والتقارب الروسی – الترکی، یمکن أن تشکل الأساس المتین لبناء أحد أکبر التکتلات والتحالفات الدبلوماسیة فی العالم.
- عوامل الضعف: کانت تتمثل فی الدور الأمریکی الداعم لإسرائیل ولکن حالیاً انتهى تأثیر هذا العالم وأصبحت المنطقة الممتدة من سوریا مروراً بترکیا وآسیا الوسطى وانتهاءً بروسیا أکثر انفتاحاً على الحراک الدبلوماسی السوری، وهو حراک لن یقف عند حدود بوابات دمشق السبعة وإنما سیعقبه حراک یؤدی إلى انفتاح بوابات کامل المنطقة العربیة بما یوفر المزایا ویحقق المنافع لترکیا ودول القوقاز وآسیا الوسطى وروسیا ما لن تستطیع إسرائیل مطلقاً أن تقدمه مهما حصلت على الدعم الأمریکی والأوروبی.
م/ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS