لیکن شهر رمضان بدایة التغییر
بقلم کلوفیس مقصود
لمناسبة حلول شهر رمضان المبارک تتجه انظارنا الیوم الى مآسی من صوّموا قسراً فی الصومال وعدد من دول شرق افریقیا ومن لا یزالون ینتظرون فرصة امکانیة الافطار بعد صیام طوعی محتمل. أن مشاهد الامهات الحاملات أطفالهن وکأن تودیعهن المبکر صار محتوماً یجب أن یدفعنا جمیعاً الى أن ندرک أن التخمة التی طالما رافقت العدید من اثریائنا – کما اثریاء العالم کادت تجعل من الإهمال واللاإکتراث مبعث اقتناع بأن المشارکة فی العطاء هی بمثابة تکرم لا إستحقاق مما یجعل الإستقطاب الطبقی بمثابة حالة سائدة ومحتومة بدلا من کونها شططاً کامنا فی النظام الرأسمالی العالمی الذی یتبلور مرحلیاً فی الفجوة القائمة بین عالمی الشمال والجنوب. إلا أن ما تعانیه الولایات المتحدة من أزمات مالیة تکاد تدفع الى کساد إقتصادی خطیر بما یهدد الکثیر من التشریعات فی مجالات الضمان الاجتماعی والطبی وبالتالی تأثیراتها السلبیة على الاقتصاد العالمی، لذا لا مفر لشهر رمضان المبارک أن یدفع مواطنی العالم الاسلامی والأمة العربیة الى مراجعة جذریة للأنظمة القائمة بکل تجلیاتها، لأن الصوملة لیست مجرد عبء على الضمیر بل تحد للجمیع لا معالجة فوریة للحالة الراهنة فحسب، بل الاسهام الکثیف فی معالجة جذریة توفر تعجیل سیاسات التنمیة الانسانیة المستدامة وبالتالی تفعیل الکرامة الى ما تنطوی علیه من قیم ومناقب رسختها الثقافة المتطورة والمستنیرة للاسلام.
لذا فإن التحدی الأکبر أن تکون المراجعة للذات من خلال الریاضة الروحیة التی یوفرها هذا الشهر الفضیل صیرورة للمشارکة فی ثروات الامة حق المواطنین وأن ممارسة الحریة هی تعبیر عن استحقاق بدیهی وقانونی، ویستتبع هذه ان الشهر الفضیل هو فرصة للتأمل من الاحاطة بسلامة وسائل التغییر ولعل ما هو حاصل فی الانتفاضات فی معظم الاوطان العربیة یستوجب منا جمیعا محاولة النفاذ الى عناصر البوصلة التی تمکن شعوبنا وأوطاننا الى الأمن للاوطان والامان للمواطنین.
■■■
لکن أوضاع وقضایا أوطاننا العربیة والإسلامیة تتعدى بالطبع الصومال حیث التهمیش والإفقار والمجاعة المستفحلة صادمة بشکل حاد لکن تواجه تحدیات اخرى منها ما هو حاصل منذ عقود تبدو احیاناً مستعصیة على الحلول وبالتالی اصبحت معالجتها ملحة حتى وإن کانت بشکل جذری وشامل. ولعل الشأن الفلسطینی یستوجب أثناء هذا الشهر أن تخرج القیادات الفلسطینیة – أکان فی رام الله أو فی غزة من حالة إنقسام المرجعیة کی تستعید الوحدة الوطنیة نجاعتها من خلال استعجال "المصالحة" التی نشعر أن هذا العیب جعل القضیة الفلسطینیة مهمشة مما جعل المشروع الصهیونی قادراً على التمادی فی استباحته لحقوق هذا الشعب الصابر والتواق الى وحدة مرجعیته المغیبة. لذا فالقرار بالذهاب الى الامم المتحدة دون ان یکون له قیادة واحدة فیکون عطب الانقسام ذریعة لعدم جدیة الاصرار على الاعتراف بدولة فلسطین عضو کامل الصلاحیة فی الامم المتحدة. ولعل ما ورد فی خطاب مندوب لبنان فی مجلس الامن یوم الاربعاء الماضی عند بحث بند "الشرق الاوسط" کان التمهید لمشروع خطاب للقیادة الموحدة الفلسطینیة عندما تذهب الى مجلس الامن لطلب الاعتراف الکامل منه. نعم من مجلس الامن، اذ اذا تمت وحدة المرجعیة فقد یکون وقع المطالبة اکثر جدیة والمباشرة ان تدرک اسرائیل ان عدواناتها لن تبقى بمنأى عن العقاب. فی هذا الشهر الفضیل اذا لم یتم ترمیم العطب فی المرجعیة الفلسطینیة فلا مفر من "ربیع" فلسطین طال انتظاره.
■■■
قد یکون تحمیلنا مسؤولیة الریاضة الروحیة فی رمضان اکثر من العادة. وهذا صحیح لکن الصحیح ایضاً لم یعد مقبولاً مطلقاً، ان نبقى امة ثریة وشعوباً فقیرة، ولم یعد مقبولاً ان تبقى نتائج الحراک الثوری المطالب بکرامة المواطن - معلقة - ولم یعد مقبولاً ان یبقى حق الشعب الفلسطینی بدون مرجعیة مقاومة واحدة کی یمارس حقه فی تقریر مصیره غائباً... کما لم یعد مقبولاً ان تبقى القبلیة والعرقیة والطائفیة مستمرة فی تفکیک الاوطان والمجتمعات مسموحاً به... ثم لم یعد مسموحا ایضاً ان تبقى ثنائیة السنّة والشیعة حاکمة – بل العودة الى قراءة القرآن الکریم یسترجع المسلمون ان ما یجمعهم اقوى واصلب وامنع بکثیر جداً مما یفرّقهم.
من اجل استقامة مشروع نهضة ووحدة العرب فی حضورهم الحضاری، فلیکن هذا الشهر بمثابة تحریض على الانفتاح واکتشاف آفاق کانت مغیّبة واصبحت فی حیز الادراک. ورغم کل العوائق والمطبات وتکاثر الضحایا والشهداء نأمل ان یکون شهر رمضان المبارک هذا العام مبارکاً علینا جمیعاً... وحتى تبقى برکته ترافق نضالاتنا المشروعة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS