الإعلام العبریّ یُخرج البطاقة الحمراء لفلسطینیی الـ48
الإعلام العبریّ یُخرج البطاقة الحمراء لفلسطینیی الـ48: الیهودیّ ثائر ضدّ الغبن والعربیّ مخرّب الدولة العبریّة
زهیر أندراوس
الإعلام باللغة العبریّة فی دولة الاحتلال بات عنصریًا أکثر من نتنیاهو، وفاشیًا أکثر من لیبرمان، یدعم بکل قوته احتجاجات الیهود على حقهم فی المسکن ویُحرّض على العرب الذین 'یشیدون بیوتهم بدون رخص'، أمّا عن الأطباء فحدّث ولا حرج: أضربوا من أکثر من 100 یوم، ولکن الإعلام العبریّ لم یجر مقابلة واحدة مع طبیب عربیّ یُعانی مثل زمیله الیهودیّ، لأنّ العربی وفق منطق الإعلام الصهیونیّ هو لص، مغتصب، ومخرّب، وما إلى ذلک من ألقاب هدفها تألیب الرأی العام ضدّه والتأکید على أنّه الطابور الخامس
بادئ ذی بدء، أعتذر من جمیع القارئات والقرّاء، لأننّی سأتطرق لموضوعٍ یخص دولة الاحتلال. وأقترح على الجمیع الاطلاع على المادّة من منطلق اعرف عدوّک. الدولة العبریّة فی حالة توترٍ شدیدٍ للغایة، الطبقة الوسطى المسحوقة حتى الثمالة نتیجة السیاسة الاقتصادیّة التی تقودها حکومة الثنائی غیر المرح بتاتًا، نتنیاهو-لیبرمان أوصلتْ إسرائیل إلى الحضیض من الناحیّة الاقتصادیّة، الغلاء بات مستشریًا، أسعار الوقود أصبحت من أغلى الأسعار عالمیًا، أمّا عن منتجات الأکل والشرب فحدّث ولا حرَج، وکنتیجة طبیعیّة لهذه السیاسة تمّ سحق الطبقة الوسطى، وهی الطبقة التی عادةً تقود الثورات والاحتجاجات فی العالم، وهذا ما جرى ویجری فی بلاد 'اللبن والحلیب والعسل'، کمنا یحلو لهم تسمیة فلسطین التی اغتصبوها قبل 63 عامًا ونیّف.
الجبنة الیهودیّة واللبن العربیّ
فجأة وبدون سابق إنذار قررت الشرکات الکبیرة التی تُنتج الجبنة الیهودیّة-الإسرائیلیّة، المعروفة باسم (کوتج) رفع أسعارها بشکلٍ کبیرٍ، الأمر الذی أقام الدنیا ولم یُقعدها: الإسرائیلیون باشروا بحملة مقاطعة الجبنة اللذیذة والحبیبة، والإعلام العبریّ تجند بکل قوته، وعتاده وأسلحته التقلیدیّة وغیر التقلیدیة لدعم ثورة الکوتج. ولکی نضع النقاط على الحروف نشیر فی هذه العجالة إلى أنّ العرب فی مناطق الـ48 لا یأکلون اللبن الذی یُصنّعه أولاد العم، بلْ یُصنّعون اللبن والجبنة فی مصانعهم الخاصّة، وما زال العدید منهم ملتزمون بتصنیع اللبنة العربیّة فی البیوت. واستمرت ثورة الجبنة، ورئیس الوزراء کعادته فی کل شیء، بات یدعم الثورة حینًا، ویُعلن موقفًا مضادًا خلال ساعات، لیؤکد لکل من فی رأسه عینان، على أنّه لم یتغیّر، وبأنّه یخشى ردود الفعل الجماهیریّة من ناحیة، وترتعد فرائضه خوفًا من رجال الأعمال الکبار الذین احتضنهم فی سیاسته الاقتصادیّة المفتحة، على حد تعبیره. الهبّة الشعبیّة حققت النتائج المرجوّة وقهرت الشرکات الکبرى التی تُصنّع (الکوتج) وبات المدراء العامین لهذه الشرکات یتنقلون من أستودیو إلى أخر معلنین عن تخفیض سعر (الکوتج) من أجل المواطنین. وهکذا حققّ 'الشعب المقیم فی صهیون' الانتصار على الرأسمالیّة الإسرائیلیّة وموبقاتها. کما أسلفنا فإنّ عرب الـ48 کانوا خارج اللعبة الجبنیّة واللبنیّة، ولکن مع الأکل تزداد الشهیّة، یقول المثل العربیّ، الذی تمّت ترجمته حرفیّا إلى العبریّة، ولا نستبعد البتة، أنْ تزعم إسرائیل حقوقها على المثل، فکما تعلمون بات الحمص الأکلة الشعبیّة الإسرائیلیّة، وأصبحت الدولة العبریّة تُنافس فی المسابقات العالمیّة بالفلالفل والتبولة وما إلى ذلک من مأکولات خاصّة بالعرب من محیطهم إلى خلیجهم، وعن هذا نقول إنّ من سرق فلسطین، لن یتورع عن سرقة المأکولات العربیّة الأصلیّة.
الیهودیّ یبحث عن المسکن والعربیّ یُلزم بهدم بیته
نجاح ثورة (الکوتج) دفع الطبقة الوسطى المسحوقة فی الدولة العبریّة إلى خوض نضالٍ شرسٍ ولکنّه اتخذ من الفعالیّات السلمیّة تکتیکًا، ضدّ أصحاب البیوت الذین رفعوا أسعار الاستئجار بصورة غیر مسبوقة، علاوة على ذلک، کالبت هذه الطبقة من الحکومة تخصیص البنایات الجدیدة لها بأسعار معقولة. فی هذه العجالة جنّ جنون نتنیاهو، فعارض الأمر وهو والوزراء 'الاجتماعیین' ورفض الانصیاع للمطالب، زاعمًا أنّ هذا الاحتجاج سینتهی کما انتهى الاحتجاج الذی نظّمه لفترةٍ طویلةٍ مرضى السرطان، ولکنّ الریاح لم تجر، کما اعتقد ویعتقد رئیس وزراء الدولة العبریّة، فجادة روتشیلد فی تل أبیب تحوّلت بین لیلة وضحاها إلى مخیمٍ یسکن فیه أصحاب البیوت المهددین بالطرد من بیوتهم بسبب غلاء أسعار الإیجار، وانتقلت عدوى الخیام من مدینة إلى مدینة، وبدأ الإعلام العبریّ بمواکبة الأحداث وبتخصیص ساعات بث حیّ ومباشرٍ عن هذه الاحتجاجات، الأمر الذی منحها زخمًا لم یسبق أنْ حدث فی إسرائیل. بالنسبة للعرب الفلسطینیین فی دولة الیهود 'الدیمقراطیّة-الیهودیّة' فإنّ قضیة المسکن هی من أعصى المشاکل، ولکن فی الوقت الذی یُطالب الیهودیّ حکومته تخصیص بیت له بأسعار مدعومة من الحکومة، یناضل العربیّ ضدّ سیاسة الحکومة بهدم بیته وتشریده وتهجیره، ذلک أنّه وفقًا للإحصائیات العربیّة الرسمیّة فإنّ أکثر من ثلاثین ألف بیتٍ عربیّ فی مناطق الـ48 معرضة للهدم بأوامر صادرة من المحاکم الإسرائیلیّة، وهکذا لم تکن مشکلة للإعلام العبریّ العنصری والمتطرف فی تغطیّة ثورة المسکن، فالعرب خارج اللعبة، وبما أنّ الصحافة العبریّة على مختلف مشاربها، تبنت منذ زمن طویل المقولة بأنّ الکتابة 'الإیجابیّة' عن العرب الفلسطینیین تُبعد الیهود عنها، فقد دعمت هذه الصحافة المأجورة، صحافة البلاط أوْ ما تحت البلاط، هذا الاحتجاج، وجندّت المحللین الموالین للطبقة الوسطى لکی یدلوا بدلوهم، ویوم السبت الـ23 من شهر تموز (یولیو) الجاری شارک عشرات الآلاف من الإسرائیلیین الیهود فی مظاهرة جبّارة ضد سیاسة الإسکان الحکومیّة، وقامت قنوات التلفزیون الحکومیّة والتجاریّة بمواکبة الحدث لحظة بلحظة.
أین الأطبّاء العرب؟
أمّا عن الأطباء فالحدیث أطول من الطویل، فقد أعلن أطباء إسرائیل من الشمال حتى الجنوب ومن الغرب حتى الشرق إضرابًا مفتوحًا منذ أکثر من مائة یوم، وما زال مستمرًا، وهذه الشریحة تضم العدید من الأطباء العرب المسحوقین کزملائهم الیهود، الإعلام العبریّ، الذی دعم بکل قوته إضراب الأطباء وأکد مرة تلو الأخرى على أنّه لا یُعقل أنّ یتقاضى الطبیب الذی یعمل فی المستشفى ساعات طویلة فی الیوم ضمن عملیّة اختصاصه، راتبًا یصل فی أحسن الأحوال إلى ألف وخمسمائة دولار، قرر عن سبق الإصرار والترصد 'إخفاء' الأطباء والطبیبات العرب من هذا الاحتجاج، فقام بإجراء المقابلات مع 'الثوار' وسرد قصصهم بالبنط العریض، ولکن کما کان متوقعًا، فإنّ وسائل الإعلام العبریّة لم تُکلّف نفسها عناء الالتقاء بطبیب عربی مسحوق، مسحوق مرتین: مرّة لکونه طبیبًا مختصًا، والثانیة لکونه عربیًا فی دولة عنصریّة بتفوقٍ وامتیاز، وهکذا فإنّ المتتبع للإعلام العبریّ یصل إلى نتیجة بأنّ جمیع الأطباء هم من الیهود، وأنّ العرب ما زالوا حطّابین، وهذا التطرف لیس غریبًا على الإعلام العبریّ، الذی یتصرف مثل دولته، سلوکه شاذ وقائم على نفى الآخر وإقصاء غیر الیهودی عن الأجندة وعن المشهد.
عرب الـ48 طابور خامس
العرب من الداخل الفلسطینیّ فی الإعلام العبریّ یصلون إلى العناوین الرئیسیّة عندما یُنفذون جریمة قتل أوْ اغتصاب، أوْ یقومون بعملیة سطوٍ مسلحٍ على متجر یهودیّ، والطامة الکبرى لشیطنة العربیّ من قبل الإعلام، الذی یعتمد على الأجهزة الأمنیّة، تطفو على السطح عندما 'یکشف' جهاز الأمن العام (الشاباک) عن أنّ هذا العربیّ الفلسطینیّ من مناطق الـ48 تخابر مع حماس أوْ مع حزب الله، عندها یُکشّر الإعلام العبریّ عن أنیابه ویبدأ بقیادة حملة تحـریض أرعن بهدف تألیب الرأی العام الإسرائیلیّ الیهودیّ على العرب 'الخونة'، وکأن الرأی العام فی دولة الاحتلال بحاجة إلى التألیب، فهناک شبه إجماع، یغذیه الإعلام العبریّ، بأنّ الفلسطینیین فی مناطق الـ48 هم الطابور الخامس، لا أکثر ولا أقّل.
الإعلام العربیّ ضعیف
المشکلة أنّ الإعلام العربیّ فی مناطق الـ48 هو إعلام ضعیف، ضعیف جدًا، ولیس قادرًا على ردّ الصاع صاعین، وهو لا یستطیع صنع الرأی العام، أوْ وضع هذه القضیّة أوْ تلک على رأس سلّم الأولویات لفلسطینیی الداخل، أمّا المشکلة الأکبر فتکمن فی العالم العربیّ، فالسواد الأعظم من وسائل الإعلام العربیّة یتجاهل الملیون ونصف الملیون فلسطینی، الذین یعیشون فی موطنهم، فلسطین، ولیس فی دولتهم، إسرائیل، ویتعرّضون یومیًا للتمییز العنصریّ، وهذا التجاهل یمنع التواصل بین أبناء الأمّة الواحدة، ونُنهی بمناشدة العرب، جمیع العرب، بالالتفات إلینا، وشحذ الهمم وتضافر الجهود لنقل معاناتنا الیومیّة إلى الأمّة العربیّة، ذلک أنّ فئات لا یستهان بها فی فضائنا العربیّ ما زالت تعتقد أننّا جواسیس للدولة العبریّة، وهو اعتقاد قائم فی ما هو قائم على عدم المعرفة، بخفایا وخبایا الأمور، وهنا تتجلّى وظیفة الإعلام العربیّ خارج حدود فلسطین التاریخیّة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS