الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

خفایا وأسرار المواجهة السوریة مع ثلاثی فرنسا قطر وترکیا

دیبلوماسیة الاهانات الفرنسیة وابتلاع ترکیا لسانها وسقوط الرهانات

 

 

تتصاعد وتیرة الهجوم الدبلوماسی الفرنسی ضد سوریا بالتزامن مع تصعید إعلامی قطری عبر فضائیة الجزیرة. وقد بلغت حدة التصریحات الفرنسیة المتحاملة على الرئیس السوری بشار الأسد مستوى غیر لائق دبلوماسیاً، ظهرت فیه علامات الحقد والکره بعیداً عن علاقات الدول ومصالحها وفق ما قال المؤرخ الفرنسی فیلیب بریفو، صاحب کتاب مسؤولیة فرنسا فی المأساة الفلسطینیة لموقع "الانتقاد".

هذا الحقد فی التعامل یرجع إلى أسباب عدة تتعلق بمجملها بفشل الدبلوماسیة الفرنسیة فی العالم العربی، وهذا الفشل اتخذ شکلاً کارثیاً فی لیبیا حیث تتحدث الأوساط إعلامیة ودبلوماسیة فرنسیة عن النموذج اللیبی السیئ والقاتل للسیاسة الفرنسیة الخارجیة الذی سوف یقضی حتما وفی القریب العاجل على کل مصداقیة لفرنسا فی العالم العربی.

ویأتی هذا التعامل غیر الدبلوماسی أیضا مما یسمیه البعض هنا فی باریس بالحائط السوری الذی تلقت علیه فرنسا سارکوزی إهانات روسیة لا تحصى خلال الأشهر الأربعة الماضیة، إذ انتقلت التصریحات الفرنسیة من المطالبة بعقوبات على سوریا إلى إطلاق مصطلحات ضیق وتذمر من کل ما هو سوری، وتشیر إلى روسیا من دون أن تسمیها، ولم تخلُ مواقف وزیر الخارجیة الفرنسی ورئیس الجمهوریة أیضا من تعابیر "لم تعد تطاق"، "لم یعد محتملا"، "غیر مقبول"،"على البعض أن یتحمل مسؤولیاته"، وغیرها من المصطلحات التی عادة لا تستخدم فی اللغة الدبلوماسیة لدولة عظمى!.

أمر آخر وراء هذه الحملة الفرنسیة ـ القطریة على سوریا، وهو اقتراب أیلول/سبتمبر، وهو الموعد الذی حدده الرئیس الفرنسی نیکولای سارکوزی للاعتراف بدولة فلسطینیة بحدود عام 1967، وهو أطلق هذا الموعد بصیغة الوعد للثورات العربیة التی کانت باریس تسعى لرکوب موجتها بعد تجربتی تونس ومصر المریرتین.

هذا الوعد أصبح مؤکداً أنه لن یبصر النور، ولن یلتزم به الرئیس سارکوزی، ومن أجل هذا تحاول الدبلوماسیة الفرنسیة شراء الفلسطینیین والعرب عبر التسویق لمؤتمر دولی لمانحی السلطة الفلسطینیة على غرار مؤتمرات باریس 1 و2 و3 التی کان الرئیس الفرنسی السابق جاک شیراک یعقدها لدعم الحریریة السیاسیة فی لبنان مالیا.

وفی هذا الموضوع یقول الصحافی فی إذاعة فرنسا الدولیة کریستیان شینو: "إن الرئیس الفرنسی لن یکون بمقدوره الالتزام بوعده بسبب الرفض الأمیرکی ـ الإسرائیلی الذی لیس لسارکوزی ولا لفرنسا القدرة على مواجهته، خصوصا أن الحملة الانتخابیة الرئاسیة فی فرنسا ستبدأ قریبا، لذلک سوف یحاول سارکوزی تمییع القصة والالتفاف علیها.

وهناک سبب آخر یقف وراء الحملة، وهو الاستخفاف السوری الکبیر بالضغوط الدبلوماسیة والإعلامیة لکل من فرنسا وقطر، خصوصا أن السوریین سحبوا ورقة التهدید العسکری الترکی من الساحة عبر لعب حافة الهاویة مع ترکیا وإرسال فرق النخبة فی الجیش السوری إلى الحدود الترکیة، ما جعل رئیس الوزراء الترکی رجب طیب اردوغان وأرکان حکومة العدالة والتنمیة یبلعون ألسنتهم بعد التهدیدات والمواعید التی کانوا یطلقونها قبل ثلاثة أسابیع من الآن.

ومن المعروف أن أنقرة وحسب خطة وزیر خارجیة قطر هی الفزاعة التی أرید عبرها تهدید النظام السوری وتشجیع قطاعات من الجیش فی سوریا على التمرد وإعلان الانشقاق على غرار ما حدث فی لیبیا، غیر أن الحقل السوری لم ینطبق على حسابات البیدر الفرنسی ـ القطری ـ الترکی، فاضطرت أنقرة إلى سحب کلامها التهدیدی وبدأت حملة دبلوماسیة عبر طهران حلیفة دمشق الأساسیة فی المنطقة من أجل تسویة تحفظ ماء وجه أردوغان وحکومته وتبقی الدور الترکی حاضراً خصوصا فی المجال السیاسی والاقتصادی بعد تدهور العلاقات بین انقرة من جهة وکل من دمشق وبغداد من جهة أخرى، وبعد التوتر الذی أصاب العلاقات بین انقرة وطهران على خلفیة الموقف الترکی من أحداث سوریا وعودة ترکیا الأطلسیة إلى الواجهة.

إدارة سوریا للملف الکردی

منذ بدایة الاضطرابات فی درعا فی آذار/مارس الماضی، وتصاعد الحملات الغربیة والإقلیمیة على دمشق اتخذت بعض جماعات المعارضات السوریة سیاسة فی الملف الکردی السوری ترمی إلى دفع الأکراد للواجهة فی الاضطرابات والمواجهات التی خطط لها مع قوى الأمن السوری، خصوصا فی داخل العاصمة السوریة دمشق، حیث یسکن أکراد فی حی رکن الدین. وقد شهد الحی بعض الاضطرابات وأعمال العنف فی بدایة الأزمة، کما أن المدن ذات الغالبیة الکردیة شهدت فی شهر أیار/مایو تحرکات خجولة تعاملت معها السلطات السوریة بکثیر من الحرص.

غیر أن الوضع الکردی تغیر جذریا بالنسبة للمعارضة بعد الدخول الترکی الفاضح والوقح فی مجریات الأحداث السوریة، حیث أثار ذلک خوف الأکراد فی سوریا ما جعل التحرکات تشهد تراجعا کبیراً، وهذا ما أثر على خطط المعارضة فی توسیع الصدامات وجعلها أکثر دمویة وعنفا، وقد شهدت اجتماعات المعارضة السوریة وجلساتها نقاشات واسعة حول الانسحاب الکردی وکیفیة جعل الأکراد یعودون إلى الشارع. وقد شهد مؤتمر اسطنبول السبت الماضی انسحابا کبیراً لممثلی الأکراد بعد نقاش حاد مع هیثم المالح الذی هاجم رفع الأکراد للعلم الکردی فی بعض المناطق، فما کان من المشارکین الأکراد إلا أن قالوا له وانتم ترفعون العلم الترکی أیضا، وقد تعرض الوجود الکردی للتهمیش فی هذا المؤتمر فانسحب کافة الأعضاء الأکراد فی ما یعتبر نهایة المطاف الکردی فی تحرکات الشارع السوری بعد خلافات شهدها مؤتمر انطالیا فی بدایة حزیران الماضی.

فی الجانب السوری الرسمی، تعاملت السلطات السوریة بحذر شدید مع محاولات ترکیة والإخوانیة لخلق اضطرابات فی المناطق الکردیة خصوصا فی مدینة القامشلی، وکان الأمن السوری شبه غائب فی مجمل أیام الجمعة التی شهدت مظاهرات فی بلدات ومدن کردیة، فی الوقت نفسه بدأت اتصالات بین السلطات فی دمشق وأحزاب کردیة منها حزب العمال الکردستانی ـ الفرع السوری، أثمرت عن تولی الجناح العسکری لهذا الحزب الأمن فی المناطق الکردیة لمصلحة الحکومة فی دمشق فی رسالة واضحة لترکیا بأن دمشق لدیها أیضا أوراق تلعبها فی الداخل الترکی کما تلعب ترکیا اردوغان فی الداخل السوری تدخلا وتخریبا.

ترافق هذا الأمر مع تصاعد التوتر بین أکراد العراق وترکیا على خلفیة دعم الطالبانی والبارزانی بقوة لسوریا بعد التدخل الترکی، وهذا أیضا کان الحال بالنسبة للتحالف الذی یدعم حکومة المالکی فی بغداد، وقد انتج هذا الموقف تقاربا عراقیاً ـ سوریاً بدأت نتائجه الاقتصادیة تظهر عبر دعم العراق لسوریا بمئة وخمسین ألف برمیل نفط شهریا فی محاولة للتخفیف عن الاقتصاد السوری فی هذا الوقت العصیب، فیما کان المالکی یستقبل حوالى مئة وخمسین رجل أعمال سوریاً متعهداً بدعم الاقتصاد السوری وبعلاقات اقتصادیة سوریة ـ عراقیة سوف تخفف الضغط الاقتصادی عن سوریا.

وفی الداخل السوری أیضا بدأت عملیة التجنیس للأکراد عملیا على الأرض، کما أن هناک حوارات بین الأحزاب الکردیة المعارضة فی سوریا وسلطات دمشق لتوسیع الاعتراف بالهویة الکردیة مع تعهدات بمشاریع إنمائیة فی مناطق الأکراد فی المستقبل القریب.

یبقى للموضوع الکردی دوره فی ردع الاعتداء الترکی على سوریا، فالمعلومات التی تتناقلها أوساط المعارضة السوریة هذه الأیام تقول بأن الأسابیع القریبة سوف تشهد تحرکات واسعة فی الشارع الترکی، وسوف یکون للأکراد دور المحرک الأساس فیها خصوصا لناحیة الغضب الکردی من وعود أردوغان التی بان کذبها بعد سنوات من حکمه التی لم تأت سوى بعملیات عسکریة ضخمة ضد مناطقهم.

یبقى أن الموقف العسکری فی تلک المناطق الکردیة أثبت أن الجیش الترکی لم ینجح فی هزیمة الأکراد، وهذا ما سوف یکون له تأثیر مباشر على العلاقة بین الحکومة فی أنقرة وأکراد ترکیا...

دخول الجیش السوری الى المناطق الحدودیة مع ترکیا...

لا شک أن دلالات الدخول العسکری السوری إلى منطقة جسر الشغور على الحدود السوریة ـ الترکیة تتعدى الحالة السوریة الداخلیة لتشمل مجمل الوضع الاستراتیجی العسکری فی المنطقة، خصوصا أن ترکیا العضو فی حلف شمال الأطلسی، انخرطت فی المحور المعادی لسوریا عبر التحریض الداخلی للمعارضین وعبر احتضانها لمؤتمرات المعارضة السوریة على ارضها.

وفی خضم الدخول العسکری السوری للمناطق السوریة المحاذیة لترکیا، تراجعت التصریحات السیاسیة الترکیة التی اتخذت شکلاً استفزازیا فی بعض المراحل، بینما ارتفع الکلام عن فرقة فی الجیش السوری تتهمها أطیاف المعارضة بالتنقل عبر الأراضی السوریة من درعا إلى بانیاس مرورا بالرستن وصولا إلى جسر الشغور.

هذه التصریحات والاتهامات التی ساقتها المعارضة الخارجیة وخصوصا الجماعات الموالیة لأمیرکا المتواجدة فی واشنطن وباریس، هدفت إلى خلق موجة من الإشاعات والأخبار عن انقسامات فی الجیش السوری وانشقاقات لم تحصل فضلا عن هدف آخر وهو الإیحاء بأن النظام فی دمشق لا یثق إلا بهذه الفرقة من دون غیرها من الجیش ما یسهل فی نظر هؤلاء اللعب على الوتر الطائفی لإحداث انقسامات فی الجیش تؤمن منطقة على الحدود الترکیة مشابهة لبنغازی اللیبیة.

کل هذه الأهداف أسقطها تدخل الجیش السوری فی منطقة جسر الشغور، وهناک مناطق دخلتها قوات النخبة من الفرقة الخامسة عشرة من الجیش السوری لم تطأها أقدام جندی سوری منذ سبعة عشر عاما عند الاتفاق السوری ـ الترکی على قضیة اوجلان زعیم حزب العمال الکردستانی فی ترکیا.

من ناحیة فرق وألویة الجیش السوری ننقل هنا عن معارضین سوریین على إطلاع لا بأس به على أوضاع الجیش وقطاعاته وفرقه وتوزیعه على کامل أطیاف الفسیفساء السوریة، أن القوة التی دخلت الى منطقة جسر الشغور والى الحدود السوریة الترکیة لم تکن أبدا الفرقة الرابعة التی یشار إلیها فی کل تدخل للجیش السوری، حیث إن هذه الفرقة لیس لدیها القدرة الدیمغرافیة والعسکریة لتغطیة کافة مناطق سوریا ولمعالجة کل الإشکالات والاضطرابات المسلحة التی شاهدناها ونشاهدها فی مناطق سوریة مختلفة وحدودیة بالخصوص.

وتقول هذه المصادر السوریة المعارضة ان القوات السوریة التی دخلت مناطق الحدود الترکیة تتبع للفرقة الخامسة عشرة، وقد جاءت قوات هذه الفرقة من مدینة الرستن التی أمنتها قبل تمددها إلى الحدود الترکیة، وتضیف هذه المصادر بکل ثقة ومعرفة بالوضع أن غالبیة ضباط وجنود هذه الفرقة هم من المسلمین السنة ولیس هناک أیة مصداقیة لکل الإشارات والتلمیحات التی قالت بغیر ذلک.

ویقول بعض المعارضین السوریین "إن البحث عن انشقاق هنا أو بیان هناک لجندی أو ضابط احتیاط، لن یفید المعارضة ولن یسقط النظام الذی أثبتت الأحداث أن الجیش وقوى الأمن السوریة ملتزمة به وبأوامره، ولا یمکن بأیة حال من الأحوال الالتفات للحالة اللیبیة أو الیمنیة فی الانشقاقات لأن هذه البلدان لم یکن فیها جیش منظم یلتزم الأوامر على غرار الجیش السوری".

من هنا جاء الدخول العسکری السوری إلى المناطق الحدودیة مع الترکیة لیحقق هدفین استراتیجیین بالنسبة لسوریا:

أ ـ سحب ورقة التهدید العسکری الترکی من الواجهة الإعلامیة والنفسیة ما أثر على تحرکات المراهنین على ترکیا من المعارضة وشجع الموالین للحکومة فی دمشق وأعطاها ثقة بنفسها.

ب ـ انتهاء التعویل والآمال على انشقاقات فی الجیش السوری وذهاب الحملات الإعلامیة والنفسیة والسیاسیة فی هذا الموضوع الى غیر رجعة، وکلنا یذکر إعلان الجزیرة عن بدء تأسیس ما سمته لواء الأحرار الذی انتهى عند هذا الإعلان ولم نعد نسمع به أبدا...

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143373







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)