الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل فی مواجهة الحریة العربیة

عادل لطیفی 

 

 

 

بنیة إسرائیلیة متأقلمة مع الأنظمة

من هاجس الأنظمة إلى هاجس الشعوب

 

من کان یصدق أن تتخوف إسرائیل من سقوط أنظمة کانت قد اتخذتها عدوها التاریخی إلى حدود الأشهر الأخیرة؟ إن کان الأمر واضحا فی الحالة المصریة، فکیف نفهم خشیتها من زوال النظام البعثی "الأسدی" فی سوریا ونظام "الثورة" القذافیة فی لیبیا وهما اللذان مثلا لزمن لیس بالقصیر شق الممانعة العربیة المعادی للدولة العبریة؟ من کان ینتظر موقفا أمیرکیا من حدود 1967 ولو منقوصا؟

 

فتح معبر رفح یعد أول تجسید لجاذبیة الحراک الشعبی العربی الذی وضع إسرائیل ومعها أنظمة مثل إیران والسعودیة وسوریا والأردن ولیبیا فی خندق واحد لتواجه الشعوب والحریة على الضفة الأخرى.

 

بنیة إسرائیلیة متأقلمة مع الأنظمة

أعتقد أن لب المأزق الإسرائیلی یتمثل فی أن هذه الدولة تشکلت للتعامل مع أنظمة ودول أکثر منه للتعامل مع الشعوب والکیانات غیر الرسمیة. هذا ما یفسر التوجس الإسرائیلی الحالی الذی یجب أن یفهم فی سیاق تاریخ تشکل إسرائیل کمشروع وککیان سیاسی وکوطن لمجموعة سکانیة تدعی تمیزها.

 

فمن حیث بنیته یمکن القول إن هذا الکیان رسخ نفسه على أساس التعامل مع أنظمة ودول قائمة فی حین أهمل جانب التعامل مع المعطى الشعبی والمجتمعی على أرض الواقع، وکان مدفوعا فی ذلک بأیدیولوجیة الصهیونیة العنصریة وبإستراتیجیة عملها.

 

فقد حرص زعماء الصهیونیة العالمیة کما هو معلوم منذ نهایة القرن التاسع عشر على الاتصال بالدول الاستعماریة آنذاک وعلى رأسها بریطانیا وفرنسا وحتى الباب العالی ممثلا فی السلطان عبد الحمید الثانی.

 

تواصلت هذه الاتصالات مع جمعیة الاتحاد والترقی خلال الحرب العالمیة الأولى وحتى مع زعماء القومیة العربیة المتحالفین مع الشریف حسین. لکن بالطبع دون الحصول على مبتغاهم فی کل مرة.

 

بعد سنة 1948، تواصل الرهان الإسرائیلی کما نعلم على التعامل مع الدول الکبرى من خلال مغازلة الولایات المتحدة وهی القوة الأبرز التی حسمت مصیر الحرب العالمیة الثانیة.

 

أما على الصعید العربی، وبما أن رد الفعل المباشر على قیام دولة إسرائیل تمثل فی تحرک الدول العربیة المشرقیة العسکری المحتشم والفاشل، فقد بدأت القیادة الإسرائیلیة تکیف نفسها لمواجهة العرب کأنظمة أولا.

 

فی هذا الإطار وضعت إسرائیل إستراتیجیة ترتکز بدرجة أولى على الضغط العسکری والدبلوماسی والإعلامی على الدول العربیة. وهی سیاسة أعطت أکلها خاصة فی إطار الحرب الباردة وما کانت تلعبه إسرائیل کقاعدة متقدمة للمعسکر الغربی.

 

مقابل ذلک لم یکن لإسرائیل تاریخیا أی إستراتیجیة لمواجهة خصمهم العربی على اعتباره عمقا شعبیا وجماهیریا. وقد بدا ذلک واضحا منذ البدایة من خلال اتباع سیاسة أکثر عنفا.

 

فإن اقتصر الأمر على الضغط فی حالة النظام العربی الرسمی وحتى الحرب أحیانا، فإن السیاسة الإسرائیلیة لمواجهة المعطى الجماهیری کانت أشد قسوة.

هذا ما یفسر أن تاریخ إسرائیل فی هذا الصنف من المواجهات هو فی کلمة تاریخ مجازر وجرائم دیر یاسین وصبرا وشاتیلا وانتفاضة الحجارة والحرب الأخیرة على لبنان وحرب غزة وغیرها أقوى دلیل على ذلک.

نتائج هذا التمشی الإسرائیلی المرکز على التعامل مع الأنظمة والمتأقلم مع تناقضات المشرفین على القرار السیاسی، وما یقابله من تهمیش البعد الشعبی، أعطى نتائج متعارضة تفسر إلى حد کبیر الاضطراب الإسرائیلی الحالی.

 

ویمکننا أن نلخص ذلک بالقول بأن تاریخ مواجهة إسرائیل مع الأنظمة هو تاریخ النجاحات، أما تاریخ تعاملها مع المعطى غیر الرسمی والشعبی فهو تاریخ العنف والفشل. فقد کسبت إسرائیل کل مواجهاتها العسکریة مع العرب، بما فیها حرب 1973 بما أنها لم تؤثر کثیرا فی هذا الکیان. تحصلت إسرائیل کذلک على الصلح وعلى الأراضی وعلى التطبیع وعلى التبادل التجاری.

 

فی المقابل عرفت الفشل تلو الآخر، ولو بشکل نسبی أحیانا، جراء مواجهتها للمعطى الشعبی. فالمجازر المرتکبة فی حق القرى والبلدات الفلسطینیة لم تقتلع الإنسان الفلسطینی من أرضه بالرغم من وجود الملایین من اللاجئین.

 

تجسد الفشل کذلک من خلال الحیرة الإسرائیلیة لإیجاد سیاسة خاصة بعرب 1948. فشل إسرائیل کان صارخا عند مواجهة أطفال الحجارة وانتفاضتهم التی أعطت العالم صورة سوداء عن إسرائیل.

 

تکرر الفشل من خلال العجز التام على إدارة شؤون غزة وخروجها مجبرة منها. نفس الوضع آلت إلیه مواجهة إسرائیل لمقاومی حزب الله والذی کشف الستار عن جیش مرتبک ومعنویات جنود منهارة فی مواجهة عناصر شعبیة تؤمن بقضیتها وتحارب باسم نفسها ولیس باسم نظام.

 

لقد استفادت إسرائیل أیما استفادة من نظریات أنثروبولوجیا العالم العربی والتی اعتبرت میزة العالم العربی الأولى هی وجود دولة قویة ومجتمع ضعیف. وبناء علیه کیفت سیاستها العربیة مع هذا التشخیص الأکادیمی.

 

من هاجس الأنظمة إلى هاجس الشعوب

من هنا نفهم کل التردد الإسرائیلی الحالی وتلک الحسرة على خسارة أنظمة عدوة کانت فی المتناول وکان من السهل الانتصار علیها لکن مع المحافظة على وجودها طالما استمرت قطیعتها مع شعوبها سواء باسم الثورة أو باسم الواقعیة السیاسیة المهادنة.

لقد کان تواصل الاستبداد العربی ضمانا لتأکید وتفعیل التفوق الإسرائیلی. هکذا کان توجه الإسرائیلیین متناغما مع ترکیبة الکیان ومع مشروعه التأسیسی کما رأینا. لکن فی المقابل العربی الرسمی کانت هناک عدید العناصر التی هیئت الأرضیة لهذا التفوق. والحدیث عن الجانب الرسمی غایته هنا التمییز بین الأنظمة والمستوى العربی الشعبی الذی بقی خارج دائرة نفوذ السیاسة الإسرائیلیة وربما مثل عقدتها الرئیسة.

 

خلال الحقبة الماضیة (أقول الماضیة هنا استباقا لمصیر الحراک الثوری العربی الحالی وربما تفاؤلا به) استفادت إسرائیل أیما استفادة من غیاب الحریات وکذلک من افتقاد الأنظمة العربیة، سواء المواجهة لها أو المتعاونة معها أو تلک المختفیة وراء الحیاد الواقعی، لشرعیة تبرر وجودها على رأس السلطة.

 

غیاب الشرعیة هذا یقابله على الجانب الإسرائیلی تداول دیمقراطی ساهم فی تلمیع صورته وفی التغطیة على طبیعته الاستعماریة. لهذا تتوجس هذه الدولة من إمکانیة التأسیس لحریة عربیة شعبیة قد تنتهی إلى ممارسة دیمقراطیة تلغی ذلک التمایز المصطنع بین شعب یهودی حدیث ومنفتح ومجموعات عربیة اعتبرت غیر مؤهلة لتولی مصیرها بنفسها.

 

مثل غیاب الحریات وغیاب المشارکة السیاسیة فی العالم العربی عنصر ضعف للطرف العربی الرسمی نفسه فی مواجهة إسرائیل.

 

إذ لم یکن للأنظمة العربیة أی امتداد شعبی ومجتمعی تستند إلیه ما عدا ما تیسر من حلقات عشائریة أو طائفیة أو جهویة موجهة بالأساس لترسیخ الانفراد بالحکم.

 

هذا ما سهل بالطبع مراقبتها والتحکم فی مصیرها من طرف القوى العظمى المساندة لإسرائیل. لقد کان مصیر نظام صدام حسین ونظام القذافی دلیلا على فشل تلک الإستراتیجیة المعتمدة على شعار الثورة على الخارج مع توظیف رمزیة فلسطین ولکن بهدفه تدجین المجتمع المحلی.

 

الجدید الذی قد ترسخه الثورات العربیة المتتابعة، والتی نأمل أن تسیر فی اتجاه عصر الحریة الحقیقیة، أنها قلبت موازین القوى لصالح الشارع والشعب على حساب القصر وساکنیه.

 

لنا الیوم مشهد مغایر تماما. هناک مجتمع قوی یقف فی وجه دولة ضعیفة وأضعف منها تلک الرموز التی تحکمت فیها مدة عشریات وعشریات. هربٌ الرئیس بن علی وتلمس مبارک الصفح من شعبه هی أبرز علامات انقلاب میزان القوى هذا.

ربما لن یذهب مد الثورة العربیة حد الإطاحة بکل الأنظمة القائمة، لکن من المؤکد أنه نجح فی مستویین. یتمثل الأول فی نقل الخوف إلى میدان السلطة والساهرین علیها. "لا خوف بعد الیوم"، هذا الشعار الذی رفعه الشعب فی وجه حکامه، جسد تلک النقلة النوعیة لمسار الخوف، أی من خوف المجتمع من السلطة إلى خوف السلطة من المجتمع.

 

هذه بدایة الدخول العربی الفعلی للحداثة، أی دخول مجتمعی یقطع مع وصایة الدولة وما کانت تلعبه من دور الوسیط الانتقائی منذ بدایة القرن التاسع عشر.

 

أما المستوى الثانی فیتعلق بإمکانیة مراقبة المجتمع لطریقة تسییر دوالیب الدولة سیاسیا وإداریا ومالیا. فحتى الأنظمة التی ستصمد، لسبب أو لآخر، سوف لن تتمتع بنفس ذلک الحیز غیر المتناهی من الانفراد بتسییر جهاز الدولة إلى حد امتلاکه وتوریثه.

 

تحس الأنظمة الیوم أن الشارع یراقبها ومن شأن هذا أن یکون له تأثیر مباشر على سیاستها الخارجیة. ربما سیحد ذلک من الفساد المالی والإداری الذی مثل ورقة ضغط بید القوى الدولیة على رؤساء مثل بن علی ومبارک وآخرین.

 

لکن الأهم أن الحراک الحالی سیجعل من کل الأنظمة تراعی موقف شارعها من الخیارات على مستوى السیاسة الخارجیة خاصة فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة نظرا لحضورها النوعی فی الوجدان العربی.

 

لقد کان طرد أول وزیر خارجیة تونسی بعد الثورة، أحمد ونیس، من طرف موظفی وزارة الخارجیة فی تونس غیر دلیل على التمشی الجدید. فبعد أن مدح وزیرة الخارجیة الفرنسیة السابقة میشال آلیو ماری رأى أعوان وإطارات الوزارة أنه لم یحترم روح الثورة وشهداءها کما أنه لم یعبر عن إرادة الشعب ووطنیته فأجبروه تبعا لذلک على الاستقالة.

 

فتح معبر رفح بشکل دائم ومراجعة العدید من الاتفاقیات المصریة مع الجانب الإسرائیلی، توحی کذلک بوجود لاعب جدید ورهان جدید فی السیاسة الخارجیة العربیة.

 

إنه الشعب. هذا الشعب الحرکی فی مصر وفی الأراضی الفلسطینیة وفی الفضاء العربی عموما هو الذی وفر الضغط اللازم والشروط الموضوعیة لإتمام المصالحة الفلسطینیة.

 

إسرائیل فی ورطة إذن بسبب حتمیة مواجهة هذا الواقع غیر المتوقع. واقع الحریة والکرامة العربیة الذی أوصل الشعب إلى مسرح السیاسة الداخلیة والخارجیة کلاعب جدید.

لکن حجم الورطة الإسرائیلیة لا یتوقف عند هذا الحد. فبزوغ فجر إرادة عربیة جدیدة یتم فی فترة ولى فیها زمن الحرب الباردة التی جعلت من إسرائیل قاعدة متقدمة للمعسکر الغربی.

 

زوال الحرب الباردة غیر خارطة الرهانات فی العالم. حیث انتقلت المنافسة، ولو بشکل محدود حالیا، من البعد الجیوستراتیجی السیاسی والعسکری إلى البعد الاقتصادی.

 

وتأکد هذا التغیر مع بروز القوة الصینیة والهندیة، کما تأکد هذا الرهان الاقتصادی مع الأزمة المالیة الأخیرة. فی هذا السیاق الجدید سوف تعامل إسرائیل، حتى من طرف الدول الداعمة لها، من خلال وزنها البشری بالأساس. والفارق مع الشعوب العربیة على هذا المستوى واضح.

 

من جهة أخرى ومع تزاید عجز الإنفاق العام فی الغرب بسبب الأزمة، لم یعد بمقدور الحکومات الغربیة أن تواصل دعمها الاقتصادی المعتاد لإسرائیل إلا بقدر ما یحققه هذا الدعم من مردودیة.

 

هذه إذن ملامح الوضع الجدید الذی لا تمتلک إسرائیل لمجابهته أی وسیلة إلى حد الآن. فالساسة الإسرائیلیون واعون بأن فشل التطبیع مع مصر والأردن کان مرده نفور المستوى الشعبی والنخبوی العربی منه. فما العمل الیوم إن أضحى الشعب ونخبه فی صدارة القرار؟

 

ن/25


| رمز الموضوع: 143346







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)