الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

حماس ومواجهة من نوع آخر

إبراهیم حمامی 

 

 شکلت آلیة اتخاذ القرار داخل حرکة حماس لغزاً حقیقیاً لم تستطع أجهزة المخابرات العالمیة أن تفک رموزه بعد، وهو ما حافظ على درجة کبیرة جداً من الانضباط والتماسک على المستوى القیادی، والتزام ملحوظ یخفی خلافات داخلیة هی طبیعیة ولا شک بوجودها، تماماً کما هو حال إخوة البیت الواحد، فالخلافات لیست ضعفاً أو عیباً، بل هی إن بقیت فی إطارها الصحیح ظاهرة صحیة تساعد فی بلورة القرار الصحیح.لکن ومع توقیع اتفاق المصالحة وما سبقه من مشاورات ولقاءات، بدأت تطفو للسطح معالم خلافات على المستوى القیادی، بدأت بتصریحات وتسریبات، ووصلت الیوم لحد الانتقاد العلنی والمباشر لشخصیات وأسماء بعینها.

محطات مفصلیة

• بعد جریمة اغتیال الشیخ الراحل أحمد یاسین واختیار الدکتور عبد العزیز الرنتیسی رحمهما الله مسؤولاً أول للحرکة ومن ثم اغتیاله بعد أسابیع، اختباراً حقیقیاً للحرکة من الناحیة القیادیة، وکانت مناشدة رئیس المکتب السیاسی لحرکة حماس خالد مشعل ومن على شاشات التلفاز لقیادة الحرکة فی الداخل بإخفاء أسماء القیادة، أول إشارة على خلل فی عملیة التواصل بین الداخل والخارج.

• ومع اختیار محمود عباس رئیساً للسلطة فی بدایة العام 2005 والدخول فی حوارات القاهرة، برزت بعض التباینات فی مواقف قیادات حرکة حماس فیما یخص الهدنة والالتزام بها مع الاحتلال الذی لم یکن طرفاً فیها أساساً، إلا أن تلک التباینات لم تصل حد ما یمکن تسمیته خلافات.

• لم یکن قرار المشارکة فی الانتخابات التشریعیة عام 2006 سهلاً، وقد أخذ من وقت وجهد القیادات الکثیر للوصول إلیه، وسط معارضة من البعض، لیتم اتخاذ القرار ما بین الداخل والخارج والأسرى وبأغلبیة ضئیلة، لکن الالتزام بالقرار رغم المعارضة الواضحة لبعض الأطراف أظهر وأثبت قوة الانضباط داخل أروقة الحرکة، وأن القرار النهائی الجماعی ملزم للمعارض قبل المؤید.

• جاءت وثیقة الأسرى والتی تطورت لتصبح وثیقة الوفاق الوطنی فی العام 2006 اختباراً سیاسیاً جدیداً لحرکة حماس، حیث سجلت مواقف سیاسیة جدیدة کان أبرزها تفویض منظمة التحریر الفلسطینیة بالتفاوض، والموافقة على ترکیز –بدلاً من حصر– المقاومة فی الأراضی المحتلة عام 1967، والإقرار بمبدأ الاستفتاء على أی اتفاق یتم التوصل إلیه، وهو ما أثار معارضة البعض.

• المحطة الأبرز کانت قرار الحسم فی قطاع غزة فی شهر یونیو/حزیران من العام 2007، والذی اتخذته قیادة الداخل فی قطاع غزة باستقلالیة کاملة وبناء على قراءتها المیدانیة، وبعیداً عن القرار الجماعی المعتاد، لکنه حظی لاحقاً بمبارکة الجمیع دون أن تکون له تبعات مباشرة على آلیات اتخاذ القرار، لکنه بالتأکید أوجد حالة من المسؤولیة المباشرة عن تسییر قطاع غزة فی ظل حصار خانق وعدوان مستمر.

• بعد العدوان الأخیر على قطاع غزة أواخر العام 2008 والرحلات المکوکیة لمسؤولین أوروبیین وکذلک الرئیس الأمیرکی الأسبق جیمی کارتر، واللقاءات المتکررة معهم سواء فی غزة أو دمشق، ظهرت للسطح مواقف جدیدة اتسمت بالغموض وغلب علیه عدم الوضوح، وسط تساؤلات کثیرة من أبناء حرکة حماس حول تلک المواقف، مما استدعى أحیاناً توضیحات وتطمینات من أعلى الهرم القیادی، کما حدث فی موضوع الدولة الفلسطینیة على حدود العام 1967 مع عدم الاعتراف بـ"إسرائیل" والذی أُسقط أکثر من مرة فی أکثر من تصریح.

ملف المصالحة الفلسطینیة

کان ملف المصالحة العنوان الأبرز مؤخراً، وسط تجاذبات وأیضاً تباینات فی المواقف، کانت تظهر للعلن فی أوقات محددة ثم لا تلبث أن تختفی، مصحوبة بتغییرات فی تشکیلة وقیادة الوفد المفاوض فی القاهرة، وتصریحات متناقضة أحیاناً بین قیادات قطاع غزة الذین کانت تتسم تصریحاتهم بالتفاؤل الشدید بقرب الوصول لاتفاق، وتصریحات أخرى من دمشق تتحدث عن عدم قرب التوصل للمصالحة.

ومع التقدم فی هذا الملف، ومع ازدیاد الضغوط والوعود، بات من الواضح أن خلافات ما بدأت تطفو على السطح، وهی خلافات حاول فریق السلطة الفلسطینیة اللعب علیها أکثر من مرة دون جدوى، بدعوى أن على حماس توحید موقفها وقرارها بشأن المصالحة، لکن الأهم هو کم التصریحات والمواقف السیاسیة التی صاحبت تلک الفترة وأثارت موجات من ردود الأفعال، منها ما جاء على لسان مسؤولین لیسوا فی مراکز قیادیة مثلما هو الحال مع تصریحات ومقالات أحمد یوسف أو غازی الحمد على سبیل المثال، أو مواقف من أعلى الهرم السیاسی لحرکة حماس، استتبعتها ردود من قیادیین أیضاً، وهی حالة استمرت بشکل ملحوظ وصولاً إلى حد إصدار البیانات الرسمیة حول تلک التصریحات والتصریحات المضادة.

وفی هذا الشأن نرصد بعضاً من هذه المواقف:

• رئیس الوزراء فی غزة إسماعیل هنیة وهو أحد أبرز قادة حرکة حماس فی لقاء مع ممثلی الصحافة الأجنبیة فی مکتبه بغزة بتاریخ 1/12/2010 أکّد أن "حرکة حماس مستعدة للقبول بأی اتفاق سلام توقعه القیادة الفلسطینیة مع إسرائیل شرط إقراره من قبل الشعب الفلسطینی باستفتاء شعبی حتى وإن خالفت سیاستها".

• وفی رد على تلک التصریحات قال القیادی فی حرکة حماس محمود الزهار فی لقاء مع الدستور الأردنیة نشر بتاریخ 6/12/2010، على أن "حماس لا تقبل بأی استفتاء على الثوابت"، مؤکداً أن مصدر القرار داخل حرکة حماس هو "جماعی" أی ما تتفق علیه القیادة فی الداخل والخارج یصبح قراراً.

• أما أحدث تلک المواقف فجاءت من رئیس المکتب السیاسی لحرکة حماس خالد مشعل والذی تحدث على هامش توقیع المصالحة الفلسطینیة بالقاهرة فی الرابع من مایو/أیار الجاری عن استعداد حماس "لمنح المفاوضات مع إسرائیل مهلة جدیدة رغم فشلها على مدى عشرین عاما"، وهو ما قوبل برد وتعلیق من محمود الزهار فی لقاء مع صحیفة القدس الفلسطینیة فی 17/05/2011، شکّل انعطافة جدیدة فی العلاقة الإعلامیة بین قیادات حرکة حماس حیث قال وبشکل مباشر "هذا الکلام لم نتفق علیه، وفوجئنا به، المفاوضات لیس لها مظلة من حماس، والحدیث أننا أعطینا فرصة للتفاوض کأننا راضون عنها غیر صحیح، ولم یکن موقف الحرکة، ونحن لم نقبل ببرنامج تفاوض سیاسی مع الجانب الإسرائیلی".

• وفی سابقة هی أیضاً الأولى من نوعها فی العلاقة الإعلامیة بین قیادات حرکة حماس، وفی تصریح للجزیرة نت بتاریخ 23/05/2011 انتقد عزت الرشق عضو المکتب السیاسی لحرکة حماس تصریحات القیادی محمود الزهار التی علق فیها على موقف رئیس المکتب خالد مشعل بشأن إعطاء فرصة للمفاوضات مع إسرائیل، واعتبر أن هذه التصریحات خاطئة ولا تعبر عن موقف حماس ومؤسساتها، وأکد الرشق أن ما صدر عن الزهار "یمثل خرقا للتقالید التنظیمیة المعمول بها فی حرکة حماس ولا یجوز أن یصدر عنه بحق رئیس الحرکة وقائدها"، فضلا عن کون الزهار "غیر مخول بالتعلیق على کلمة رئیس الحرکة أو الاستدراک علیها".

• وفیما یمکن اعتباره محاولة "لملة" لتداعیات تلک التراشقات الإعلامیة قال القیادی فی حرکة حماس صلاح البردویل فی بیان صحفی بتاریخ 23/5/2011 معلقاً بقوله إن "ما جاء فی خطاب مشعل هو من قبیل تحمیل الجانب الإسرائیلی وتحمیل السلطة ونهجها فی المفاوضات السبب عن عدم تحقیق الأهداف الفلسطینیة حیث أثبتت تجربة عشرین عاما فشل هذا النهج"، مضیفاً "إذا افترضنا أن الأشهر القادمة هی الحاسمة، فإن مشعل قال (سننظر ما إذا کانت الشهور القادمة قادرة على تحقیق هذه الأهداف ولن نقف فی طریقها)، وهو کلام افتراضی ولیس تعبیرا عن قناعات حماس وقناعات رئیس مکتبها السیاسی بجدوى نهج التفاوض".

• وأخیراً اضطرت حرکة حماس لإصدار بیان رسمی فی 24/5/2011 للتقلیل من تداعیات ما ظهر للسطح من خلافات واضحة، وجاء فی البیان "ما تناقلته وسائل الإعلام من تصریحات للزهار والرشق هو من قبیل التلون داخل إطار الجسم الحرکی الواحد ولا یعکس على الإطلاق أی خلافات داخل قیادة حرکة حماس التی هی قیادة موحدة فی الداخل والخارج"، معتبراً أن "ما تروجه بعض وسائل الإعلام بالأکاذیب المدسوسة"، مجددا تأکیده على "حقیقة وحدة الحرکة وقوتها وتماسکها ووحدة برنامجها المقاوم فی وجه الاحتلال".

• لم ینه بیان حماس الخلاف، حیث کرر القیادی فی حرکة حماس محمود الزهار موقفه فی لقاء مع صحیفة الأخبار اللبنانیة نشر فی 24/05/2011، وأضاف إلیه موقفاً آخر حول مکان قیادة حرکة حماس قائلاً "موقف خالد مشعل لم نکن نعلم به ولم یستشرنا فیه أحد. بالتالی هذا موقف غیر صحیح. نحن لم نعطِ فتح فی یوم من الأیام فرصة أو تفویضاً منا کی تفاوض عنّا أو عن الشعب الفلسطینی، برنامجنا ضد التفاوض بهذه الطریقة لأنه مضیعة للوقت.... من یقل إننا فوضناها أو نفوضها لمزید من التفاوض فموقفه لا یمثل موقف الحرکة"، مضیفاً "المرکز الرئیسی لحرکة حماس فی الأرض المحتلة، وثقلها الحقیقی فیها، والدماء تسیل فیها، والقیادة هنا، وإن کان الجزء المکمل فی الخارج، وهذا موضوع تحت المراجعة حقیقةً، هذه تجربة مزّقت قیادة الحرکة فی أکثر من مکان وتحتاج إلى مراجعة".

حماس والمتغیرات

بغض النظر عن جدلیة أن ما جرى ویجری هو من باب التلون داخل الإطار الحرکی، لکن ظهور هذه الآراء على أقل تقدیر، إن لم نقل الخلافات العلنیة، یؤکد أن هناک ضغوطاً جلیة على قیادات الحرکة، سیاسیة وأمنیة، لیس أقلها اتفاق المصالحة المفترض، والذی بدأ یؤتی ثماراً عکسیة حتى اللحظة، مع تصاعد وتیرة الاعتقالات والاستدعاءات فی الضفة الغربیة، وتصریحات قادة حماس فی الضفة الغربیة التی أخذت بدورها منحاً تصعیدیاً وصل حد المطالبة بتعلیق الاتصالات مع فتح کما طالب عضو القیادة السیاسیة لحرکة حماس القیادی الأسیر رأفت ناصیف بتاریخ 21/5/2011.

لقد واجهت حرکة حماس فی السابق منعطفات حاسمة تجاوزتها بمشیئة الله سبحانه وتعالى أولاً وأخیراً، لم تنهر الحرکة قبل سبع سنوات عندما فقدت الشیخین یاسین والرنتیسی، وواجهت التآمر علیها والحصار عقب فوزها فی انتخابات التشریعی، وخرجت ومعها الشعب الفلسطینی منتصرة على الاحتلال بعد العدوان على قطاع غزة، وواجهت الحملات الإعلامیة فی الخارج، لکنها الیوم فی حاجة للمزید للحفاظ على نفسها.

استطاعت حماس أن تقف فی وجه من أراد بها سوءا، وأن تواجه أحلافاً شیطانیة ومؤامرات للنیل منها، لکنها مؤامرات کانت دائماً تأتی من طرف آخر، لم تواجه حماس یوماً نفسها، وهذا هو الاختبار الأصعب.

حرکة حماس الیوم ومن خلال الخطاب السیاسی والإعلامی، والأداء المیدانی، وبعض الممارسات فی قطاع غزة، وحالة الجمود فی مواجهة متغیرات المنطقة، تکون کمن یوجه سهامه لنفسه، ومن یعطی الخصم ما یحتاجه من مؤونة وسلاح لیواجهه به.

مراجعة شاملة وکاملة ودقیقة، تأخذ بالأسباب، وتقیّم المراحل السابقة، وتستعد للمستقبل بمتغیراته، تراعی نبض الشارع، تتعامل مع الحدث وتصنعه أیضاً، تتطور وتتماشى مع المتغیرات، دون انحراف عن المبادئ والقیم، هو المطلوب الیوم من الجمیع دون استثناء، فصیل فصیل، وحزب حزب، وحرکة حرکة، وفرد فرد.

ن/25

 

 

 

| رمز الموضوع: 143341







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)