الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

احتمالات الحرب على غزّة

صلاح حمیدة

 

  تدور على حدود قطاع غزّة حرب ومواجهات عسکریّة، ترتفع حدّتها وتخفت بین فترات زمنیّة غیر متباعدة بشکل کبیر، ومع کل ارتفاع فی حدّتها ینشط المحلّلون فی تفسیر وتوقّع ما یمکن أن تسفر عنه الأحداث فی الأیّام القادمة.

بعض المحللین یرى أنّ ما یجری عبارة عن محاولة لإفساد أجواء الفرح فی قطاع غزّة بعد إتمام الجزء الأول من عملیّة تبادل الأسرى، وأنّ التّصعید العسکری لا یعدو عن کونه محاولة أخرى لتخویف المقاومة، وأنّ عملاً عسکریّاً جوهریّاً لن یتم لأنّ الاحتلال غیر مستعد لدفع ثمن مجازفة حرب جدیدة مع غزّة فی ظل قدرات المقاومة الفلسطینیّة المتصاعدة.

البعض الآخر من المحللین یرى أنّ ما یجری لیس إلا تصاعد طبیعی وتجهیز حقیقی لحرب على قطاع غزّة، وأنّ التّوقیت والمبرر هو ما یلزم الاحتلال للتّنفیذ فی ظل وضع عربی عام مرتبک.

تشکّل غزّة فی الثّقافة الإسرائیلیّة حالة فریدة فی الصّراع، فقد مثّلت للجمهور الإسرائیلی " جهنّم" الحقیقیّة، فقد کان الجنود الإسرائیلیون الّذین یخدمون فی قطاع غزّة قبل عام 1987م یکتبون شعارات على جدران تل أبیب ومدن أخرى فی الدّاخل الشّعار الآتی ( عزّة = مافت) أی ( غزّة = الموت) وإذا تخاصم إسرائیلیان کان یقول أحدهما للآخر:- ( لیخ لعزّة) أی (اذهب لغزّة) وهی کنایة عن شتیمة ( اذهب لجهنّم) وبعد انطلاق انتفاضة الحجارة عام 1987م أعرب إسحق رابین عن رغبته بأن یفیق من نومه ویجد ( غزّة وقد ابتلعها البحر) وهذا التّمنّی یعنی العجز المبکّر عن السّیطرة على قطاع غزّة ومن فیه، فضلاً عن تطویعهم لإرادة الاحتلال، استمرت حالة عدم القدرة التی عانى منها الاحتلال فیما یعرف ب" عقدة غزّة" حتّى وصلوا لقناعة بأنّ القدرة على البقاء هناک لم تعد واردة، فالسلاح کان یدخل غزّة من تحت أقدامهم وهم فیها، ولم یکونوا یستطیعون السّیطرة على تهریبه للقطاع، ولذلک کان قرار الخروج هروباً وعجزاً ولیس رغبة فی تحقیق سلام أو انسحاباً من أراضٍ محتلّة.

فعقدة غزّة هی المانع الأوّل والرّئیس الّذی یمنع من محاولة اقتحام غزّة والسّیطرة علیها مجدّداً، وکل سیاسی إسرائیلی یطرح هذا الموضوع یتمّ سؤاله: هل ترغب بالعودة لغزّة وحکمها من جدید؟ فیجیب تلقائیّا (لا) لأنّه یعرف ثمن العودة والبقاء هناک، کما أنّ تجربة الحرب السّابقة على القطاع بیّنت قدرات المقاومة الفلسطینیّة وحدود قوّة الاحتلال فی هزیمتها، فکیف بالوضع الحالی؟.

المانع الآخر مانع سیاسی، فاحتلال غزّة من جدید له أثمان سیاسیّة لیس بمقدور دولة الاحتلال دفعها، فالعبء الإداری للقاطنین فی القطاع سیقع بالمطلق على کاهل الاحتلال، والاحتلال لا یرغب مطلقاً بتحمّل هذا العبء من جدید، فلا یوجد أحد فی الدولة العبریة مستعد لزیادة الأعباء والأسئلة الوجودیّة التی تواجههم هذه الأیّام.

بعد توتّر علاقات دولة الاحتلال مع ترکیا یسعى بعض ساسته – وبضغط دولی- لتحسین العلاقة مع مصر الجدیدة وتقلیص أضرار التّحوّل لحکم الشّعب بعد سقوط نظام مبارک، ومن المسلّم به أنّ حرب شاملة على القطاع ستستفز الشّعب المصری بطریقة قد تجلب ردود أفعال قد تفوق ما جرى باقتحام السّفارة الإسرائیلیة فی القاهرة، وقد تفلت الأمور من ید المجلس العسکری الّذی بالکاد یستطیع إدارة الأمور فی مصر، وهذا آخر ما تتمنّاه دولة الاحتلال والقوى الدّولیّة الدّاعمة لها والتی تحاول جاهدة احتواء الثّورة المصریّة وتقلیص قدرة القوى الحیّة فی مصر على السّیطرة على مراکز صنع القرار فیها.

وقد یکون التّصعید الإسرائیلی عبارة عن رسالة للمقاومة الفلسطینیة بأن تلزم الصّمت فی ظل احتمالیّة شن حرب على إیران، وأن ما جرى لیس إلا " بروفة" لما هو أکبر إن قامت المقاومة الفلسطینیة بالاشتراک فی المواجهة القادمة المفترضة، أو من الممکن أن یکون ضرب المقاومة الفلسطینیّة رسالة لها و لأطراف أخرى متحالفة معها بأنّ سیف دولة الاحتلال لا زال مشرعاً وجاهزاً للقتال، وأنّ العمل ضدها له أثمان کبیرة.

جبهة غزّة تعتبر الجبهة الوحیدة التی لا تنطفئ جذوتها أبداً، فالصّواریخ لا تتوقّف أبداً عن السّقوط فی المدن والبلدات المحتلّة، واللاجئون فی غزّة یقصفون المستوطنین الّذین طردوهم من مدنهم وقراهم، فکیف سیستطیع اللاجئ الفلسطینی أن ینام وهو یرى عبر السیاج من یعیش فی بیته ویفلح أرضه وهو یعیش فی أکثر بقعة مکتظّة بالسّکان على وجه الأرض؟ ولذلک قد یکون التّصعید - بین الفینة والأخرى- عبارة عن رسالة تذکیر من اللاجئین بأنّ لهم حق سیستعیدونه، وکذلک رسالة ردع من الاحتلال لمن یعمل للعودة لأرضه.

تعطی البنود السّابقة انطباعا بأنّ حرباً شاملة على قطاع غزّة لن تقع، وأنّ ما یجری تصعید تحت السّیطرة فقط، وقد یکون هذا صحیحاً، ولکن بدراسة طبیعة من یحکمون دولة الاحتلال هذه الأیّام، أمثال نتنیاهو ولیبرمان وغلاة الیمین الإسرائیلی، وبسماع تصریحات لیبرمان التی دعا فیها قدیماً لضرب غزّة والسّد العالی فی مصر بقنبلة نوویّة، وتصریحاته الحدیثة بأنّ على جیش الاحتلال اقتحام غزّة قبل إطلاق صاروخ واحد منها، مع أنّ هذا غیر واقعی ولا منطقی لدرجة السّخریة، إلا أنّه یدلل على أنّ هذا الشّخص -ومن یفکّرون على شاکلته- من النّوع المغامر الّذی یستسهل التّقتیل مهما کانت النتائج، وهو یشبه فی سلوکیّاته ( أرناط) ملک الکرک فی زمن الحروب مع الفرنجة، وقد لا یستطیع بعض العقلاء والمؤسّسات البحثیّة والأمنیّة کبح جماح ساسة من أمثاله عن تطبیق مغامرات دمویّة، لأنّ أمثال هذا من قادة السّقوط والانحدار الحضاری یفکّرون بغرائزهم ولیس بعقولهم، ولذلک فإنّ احتمالیّة شن حرب على غزّة تتساوى بین استبعادها أو ترجیحها، وقد یکون احتمال حدوثها راجحاً نظراً لطبیعة تفکیر غلاة التّطرّف والعنصریّة عندما یمتلکون قوّة فتّاکة.

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143328







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)