لماذا تعادی أمریکا فلسطین؟!
رشاد أبوشاور
القاسم المشترک بین الإدارات الأمریکیة المتتالیة منذ ترومان حتى یومنا هذا أنها تتآمر على فلسطین، وتعادی شعب فلسطین، وتعمل على تصفیة القضیة الفلسطینیة بحیث تنتهی فلسطین العربیّة تماما، ویتکرّس بقاء الکیان الصهیونی بدون عرب نهائیا، وهو ما یضمن دیمومة الشرخ بین مشرق الوطن العربی ومغربه، لضمان الهیمنة علیه، ونهب ثرواته، وحرمانه من کل عناصر قوته وتطوره ونهوضه.
أمریکا لا تکف عن التآمر على فلسطین، وهی لا تتوقف عن دعم الکیان الصهیونی عسکریا، وسیاسیا، واقتصادیا، ودبلوماسیا..وهو ما بدأته قبل أن تعلن دولة الکیان الصهیونی، وبشکل سافر منذ إدارة ترومان التی سرّعت فی هجرة ألوف الیهود إلى فلسطین، وتفوّقت على الانتداب البریطانی فی السباق على إنجاز دولة للعصابات الصهیونیة فی قلب الوطن العربی، دون اکتراث بردود فعل العرب والمسلمین، ولا حتى بردود فعل الرأی العام العالمی ورفضه لهذا الظلم.
من جدید تعلن أمریکا عداءها لفلسطین، وشعب فلسطین، وللعرب مسلمین ومسیحیین، وللعالم کله، بتصویتها ضد عضویة فلسطین فی منظمة الیونسکو، وإتباع موقفها السیاسی العدوانی الوقح، بإیقاف دفع حصتها المالیة للمنظمة العالمیة، عقابا لها على الاعتراف الدولی بفلسطین البلد العریق، بلد الأدیان، بلد السید المسیح، وبلد الحضارة الکنعانیة، وبلد الإشعاع الحضاری على البشریة کلها، من قلبها النابض عبر ألوف السنین: القدس الخالدة التی تحتضن کنیسة القیامة، والأقصى، والتی على ثراها مشى السید المسیح وهو یبشر بدعوته الإنسانیة، ثمّ وهو یقاد للصلب مفتدیا البشر أجمعین!
107 دول صوتت مع عضویة فلسطین الکاملة فی منظمة التربیة والعلوم والثقافة، فی مواجهة 14 دولة رفضت..فی مقدمتها الولایات المتحدة الأمریکیة.. لأن أمریکا دائما هی الدولة الأولى ضد فلسطین، منذ کانت الدولة الأولى التی تعترف بدولة الصهاینة فی أیّار/مایو 1948 وحتى یومنا، وإلى أن تُفرض علیها العزلة مع حلیفتها وربیبتها..فتکونان وحدهما ضد العالم أجمع..وما ذلک الیوم ببعید!
بعد 18 عاما على أوسلو، ووعود السلام، والتعهّد بدولة فلسطینیة..تستکثر إدارة أوباما ـ کلینتون على فلسطین أن یُعترف بها فی منظمة دولیة ..منظمة مهمتها العنایة بثقافات البشر، بغّض النظر عن الدین، والعرق، البشر الذین یفترض أنهم ینتمون لثقافة إنسانیة تجمعهم، وتقرّب بینهم، وتنشئ بینهم تفاهما عمیقا یعرفهم ببعضهم، ویحّل الاحترام بدلاً من البغضاء، والأخوة والتعاون بدلاً من الاستغلال والظلم وسیاسة النهب التی برعت فیها أمریکا.
من حق کل فلسطینی أن یتساءل: لماذا تحاربنا أمریکا بلا توقف ونحن لم نؤذها فی یوم من الأیام؟
ومن واجب کل عربی أن یسأل، لأن هذا السؤال لمجرّد أن یطرح، یعید تذکیرنا بجرائم أمریکا بحق أمتنا: لماذا تصر أمریکا على تقدیم کل أنواع الدعم للکیان الصهیونی العدوانی التوسعی، وتمکنه من أن یکون خنجرا فی قلب وطننا العربی الواحد؟!
هذان السؤالان وغیرهما یجدر التوقف عندهما، لأنهما ووفقا للإجابة سیحددان رؤیتنا، ومدى وعینا، والتزامنا بفلسطین قضیتنا جمیعا نحن أبناء الأمة العربیّة مشرقا ومغربا.
قبل أیّام قرأت تصریحا لوزیرة خارجیة أمریکا، وحسبت لوهلة أننی أقرأ اسم السیدة کلینتون خطأ، وأن التصریح لیس تصریحها، ولکننی عدت وتأکدت، فالسیدة کلینتون، وزیرة خارجیة أمریکا، وبدلاً من أن تهنئ الفلسطینیین بخروج مئات من أبنائهم وبناتهم، أبدت قلقها من خروج بعض الخطرین من الأسر!
أترون! السیدة کلینتون..الدیمقراطیة جدا..انتماءً حزبیا، و..تبشیرا فی بلاد العرب، فی زمن ربیع ثوراتهم، بالدیمقراطیة..قلقة من خروج خطرین فلسطینیین من سجون الاحتلال الصهیونی!
إنها تزاود حتى على نتینیاهو وباراک ولیبرمان!
لا، لیست العلّة فی کلینتون، أو المنافق البائس أوباما، إنها فی صلب (ثقافة) قادة أمریکا، ثقافتهم الإمبریالیة الاستعماریة العنصریة المتصهینة، فی صلب ثقافة توراتیة بررت تدمیر شعوب واحتلال بلاد.. وإنشاء أمریکا نفسها على أنقاض ملایین البشر والاستحواذ على قارتهم! (إقرأوا کتابات البروفسور منیر العکش..فهی تعینکم على فهم أمریکا وسیاساتها تجاهنا).
ما هو الرّد على عداء أمریکا لنا کعرب؟!
ما هو الرد على انحیازها التام ضد فلسطین؟!
أولاً: أن نضع أمریکا حیث تضع هی نفسها..أی فی موقع العدو لقضایانا، وفی المقدمة قضیة فلسطین.. بحیث یترسخ فی وعینا بأنها لن تکون صدیقا لنا فی المدى المنظور.
ثانیا: أن لا نصدق أنها یمکن أن تکون مع العدل والدیمقراطیة لنا کعرب.
وبناء على ما تقدم نبنی سیاساتنا، وخیاراتنا، وخطابنا لأمتنا، وللعالم.
فلسطین کقضیة حق وعدل هی الکاشف، وهی التی تمتحن، وهی التی تنجح، وتسقّط فی الامتحان..وبهدیها نقیس المواقف!
سوف لا نطلب الکثیر من الدول النفطیة الثریة التی تبدی وکأن فلسطین غالیة علیها، فنطلب منها فقط أن تعوّض الـ70 ملیون دولار الدعم السنوی الأمریکی لمنظمة الیونسکو، وبهذا تشعر الدول التی صوتت لفلسطین أن أمریکا فشلت فی ابتزاز المنظمة الدولیة، ولم تؤثر على مواصلة تنفیذ خططها فی خدمة المشاریع الثقافیة التی تعود بالنفع خاصة على البلدان الفقیرة المحتاجة.
أهو کثیر أن تبلغ الدول النفطیة العربیة المنظمات الدولیة التی ستتقدم إلیها فلسطین لنیل عضویتها بأنها لن تخسر مالیا، فالمال العربی جاهز تماما للتعویض عن مشارکات أمریکا!
هل ستجرؤ الدول العربیة النفطیة الثریة على تلبیة نداء فلسطین، خاصة ودول فقیرة کثیرة صوتت لها، وخرجت على أوامر أمریکا، وصفقت مطولاً عند انتصار فلسطین وفوزها بالعضویة، غیر آبهة بأوامر أمریکا ورغباتها!
بمحاولة أمریکا ابتزاز دول العالم بالتلویح بحرمان الیونسکو من دعمها المالی، وتخویفها من نتائج التصویت لفلسطین، وضغطها على کثیر من دول العالم لتحجب صوتها عن فلسطین، واستهتارها بمشاعر مئات ملایین العرب والمسلمین، تکشف أنها هی رأس التآمر على فلسطین، وأنها تکذب وهی تدعی أنها مع الدیمقراطیة للعرب، ومع انتصار ثوراتهم..فمن یصدقها منا نحن العرب؟!
هذه لحظة امتحان للمال العربی الذی ذهبت ملیارات کثیرة من أرصدته فی الأزمة الاقتصادیة العالمیة ـ الأمریکیة فی الجوهر ـ ناهیک عن صفقات أسلحة لا ضرورة لها..اللهم سوى الدعم لشرکات إنتاج السلاح الأمریکیة، ناهیک عن التبذیر السفیه، والفساد الذی بات مضرب الأمثال فی العالم!
فلسطین کسبت فی الیونسکو، وأمریکا خسرت..فهل سیخذلها المال النفطی العربی کما خذلها دائما؟!
هل سیجرؤ أثریاء النفط على أخذ قرار مستقل یضعهم فی وجه أمریکا، بتعویضهم المالی دعما لفلسطین، وهذا اقل القلیل الذین یقدمونه لأقدس قضایا الأمة..أم تراهم سیواصلون انهماکهم فی التآمر على الثورات العربیة، وتنفیذ مخططات أمریکا التخریبیة فی بلاد العرب؟!
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS