الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

لماذا قبلت "إسرائیل" بصفقة تبادل الأسرى؟

إبراهیم المدهون

 

فاجأ الاحتلال الإسرائیلی العالم بتوقیع اتفاق تبادل الأسرى بینه وبین حرکة حماس، وأعقبها حالة ذهول غربی ودولی، و سیطرت الدهشة والصدمة على بعض القیادات الفلسطینیة، بعد مراهنتها الطویلة على عدمیة العمل المسلح ضد الاحتلال، واعتبرت وجود جندی إسرائیلی بید المقاومة عملا کارثیا ومضرا بالشعب الفلسطینی.وعلى مدار اسر الجندی بررت کل عدوان صهیونی کنتیجة لأسر الجندی.

فلم یتوقع احد منهم رضوخ الاحتلال بعنجهیته وقوته المتراکمة بهذه السهولة للمقاومة الفلسطینیة، ویخرج مئات من الأسر مئات الرجال ممن حکم علیهم بأحکام خیالیة تدعوا للضحک فی بعض الأحیان، فحینما نسمع أن احد الأسرى محکوم علیه بمائة عام وآخر بألف، إنها أحکام استبدادیة تحمل فی طیاتها عقدة نفسیة لدى العقلیة الإسرائیلیة اتجاه الأسرى الفلسطینیون واتجاه وجودهم الطارئ.

وبالفعل تمت الصفقة، واضطر السجان فتح أبواب المعتقلات لخروج مئات الخطرین على کیانه بدون قید او شرط، ووجدنا القیادة الأمنیة والسیاسیة الإسرائیلیة تبتلع کلامها بعد تأکیدها مرارا وتکرارا أنها لن تخضع لشروط الفلسطینیین، لهذا کان السؤال لماذا قبل الاحتلال هذه الصفقة؟

وللإجابة على هذا السؤال علینا التوغل قلیلا فی الترکیبة السیاسیة والاجتماعیة لهذا الکیان، فالمجتمع الإسرائیلی معقد بسبب ترکیبته غیر المتجانسة، فهو کیان وجد خارج الرحم الطبیعی، وأسس على کذبة سیاسیة ودینیة، ومع نمو الکیان وسط بیئة محیطة تلفظه ازدادت تعقیداته شیئا فشیئا، واعقد ما فیه حالته الأمنیة الخاصة المختلفة عن غیره، فـ"إسرائیل" عبارة عن ثکنة عسکریة،  رکیزتها وعمودها الفقری الأمن والشعور بالقوة والمنعة، فشعبها یخضع لعملیة تجنید إجباری طوال حیاته، وقادته السیاسیین هم جنرالات جیش ومخابرات على أعلى مستوى فی حقیقة أمرهم وان لبسوا الزى المدنی.

والإعلام الإسرائیلی امنی بامتیاز، فرجال المخابرات یحرکون المؤسسات الإعلامیة الهامة، وعناوین الصحف تدقق بشکل مباشر من مکاتب الموساد، ورؤساء الحکومة فی علاقة مفتوحة مع کبار النخب الإعلامیة، لهذا التحرک الإعلامی فی الکیان الصهیونی مخطط لا عفوی.

قضیة الجندی الأسیر وعلى مدار الخمس سنوات الماضیة شکلت نقطة واضحة للضعف الإسرائیلی، واختراق فی جدار جیشه، بالإضافة للارتباک الإعلامی القاصر عن لعب دور مهم جراء اختفاء الأسیر من جهة، ولإخفاء ضعف المنظومة الصهیونیة من جهة أخرى، خمس سنوات والقادة الصهاینة فی حالة شلل أمام مصیر الجندی شالیط، فیشعرون بالمهانة مع کل یوم ، ورجال الأمن والموساد یزداد شعورهم بالخیبة مع کل لحظة تمر، وأصبح وجود شالیط یشکل لهم شخصیا مأزقا خاصا یؤرقهم ویحرجهم.

الجمهور الإسرائیلی اخذ یفقد شیئا فشیئا ثقته بالرکیزة الأساسیة للکیان المحتل وهو الأمن، فان کان جیشهم القوی واستخباراتهم المتقدمة عاجزة عن تحدید مکان احد جنودهم على بعد أمتار قلیلة من أصوات دباباتهم، وفی مربع صغیر من ارض محاصر أنهکها العدوان المتواصل، فمن یضمن لهم أمنهم ورغد عیشهم بعد ذلک؟

الاحتلال لم یستسلم من اللحظة الأولى لهذا المأزق، وحاول تجنبه بکل السبل الممکنة، واستخدم جمیع الخیارات عبر إعلام وکتاب ونخب ومفکرین ودراسات، وأعطى لجیشه ومخابراته وقواته الفرصة تلو الفرصة لإنهاء الملف، بدئا بمحاولة اختطاف قیادیین من القسام فی غزة وخارج غزة، مرورا بمحاولة تجنید عملاء وإغرائهم بالمال. فلقد أغرقت هواتف غزة بمکالمات تعرض عشرة ملیون دولار لمن یدلی بمعلومة تساعد المخابرات الإسرائیلیة على مکان شالیط بدون فائدة تذکر، کما استخدم الاحتلال جمیع الوسائل التقنیة والتکنولوجیة فی فن التجسس والتصنت التی وصل إلیها الغرب. بالإضافة للاستعانة بمخابرات الدول الصدیقة. حتى شن حربا عدوانیة شرسة لمدة 22یوما، قتل فیه المئات وجرح الآلاف واستخدمت جمیع أنواع السلاح بما فیه المحرم دولیا ضد مدنیین عزل. والهدف الأول هو استعادة الجندی الأسیر

باختصار شدید الاحتلال فشل خلال السنوات الماضیة فی کل محاولاته لانهاء ملف شالیط بعیدا عن صفقة تبادل، ولم یترک جهداً وعملاً لاستعادة أسیره بشتى الطرق العسکریة والاستخباراتیة والحرب النفسیة والترویع والترهیب، وبث الدعایة والترغیب. ومع کل ذلک وصل لنتیجة واحدة مفادها  انعدام التوصل  للأسیر وإنهاء ملف شالیط باستخدام القوة. لهذا لم یکن أمامه إلا  قبول صفقة التبادل، وشکل الوقت عاملا نفسیا ضاغطا على القیادة الإسرائیلیة، حتى تحول استمرار اسر شالیط عنوانا  لضعف وهوان وتهاوی الکیان الصهیونی فی عیون أصدقائه  وأعدائه على حد سواء.

فالاحتلال لم یکن لیقوم بالرضوخ لصفقة الوفاء للأحرار لو کان هناک أمل بسیط ولو 1% بوجود إمکانیة إخراج شالیط او التخلص منه فی الأسر، ولکن العجز الإسرائیلی الذی أصابهم، لم یوفر لهم أی خیار آخر.

إن هذا هو السبب الرئیسی الذی اجبر الاحتلال على قبول صفقة الوفاء للأحرار، فأثبتت التجربة تلو الأخرى ان هذا العدو لا یعرف لغة التذلل والتمسکن، ولا یفهم التوسل عبر المؤسسات الدولیة، ولا یلقی بالا لتحرکات السیاسیة والسلمیة، ولا ینصاع الا للغة القوة وحینما یشعر بالالم والندیة، ولا یوجد ربط بین توجه الرئیس أبو مازن للأمم المتحدة وبین الصفقة، فکانت ستتم ان توجه ابو مازن او لم یتوجه، واعتقد ان الصفقة لا تضر بخطوة أبو مازن ولا تتعارض معها بل ربما تقویها، فما حدث انتصار فلسطینی بامتیاز ویحسب للشعب بأطیافه وألوانه، لا لفصیل دون الآخر وکان لحماس وتعاملها الذکی مع الانجاز یرسل بعدة رسائل تطمینة للسلطة فی رام الله.

مشکلة العقلیة القریبة من أبی مازن فی إدراکها الضیق، وتخوفها من أی انتصار للمقاومة کتهدید لمشروعهم ووجودهم، لهذا ترکوا أقلامهم ومواقعهم بطریقة بائسة لمهاجمة الصفقة والتقلیل منها، والحصافة السیاسیة کانت تحتم علیهم استثمار الصفقة الناجحة والبناء علیها خارجیا وداخلیا.

إن فشل الاحتلال الإسرائیلی فی العثور على  الجندی الأسیر وتحدید مکانه، وانعدام الأمل فی استعادته هو السبب الرئیسی والأقوى لإتمام الصفقة، بالإضافة لبعض الأسباب المساعدة أهمها قیام ثورة 25 ینایر فی مصر وإسقاط نظام حسنی مبارک.

فالنظام المصری الجدید محکوم بشعب ثائر فی مرحلة تدقیق وتقییم العلاقة مع الاحتلال الإسرائیلی، ویترقب کل جدید، ویتطلع لدور طلیعی مصری فی الملفات الإقلیمیة، واعتقد أن جهود الوسیط المصری الایجابیة کانت عاملا مساعدا مهما لإخراج الصفقة بهذا الشکل الناجح، لهذا إبرام الصفقة یحسب لمصر  فی طریق استعادة دورها المحوری فی المنطقة بعد تراکمات فشل النظام السابق.

عاملان رئیسیان دفعا الاحتلال للقبول بصفقة تعتبرها النخب الصهیونیة تحمل فی طیاتها مخاطر إستراتیجیة على المستوى البعید، فی الوقت الذی تحمل تأخیرها لمخاطر أخرى، وأی حدیث آخر یعتبر انحراف عن واقع جدید ترسمه التحولات فی الساحة الفلسطینیة والعربیة.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143319







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)