أنظمة الردة العربیة المتصهینة
أنظمة الردة العربیة المتصهینة
تحول الجامعة العربیة لغرفة سوداء للتأمر على قوى المقاومة والصمود والممانعة وفی مقدمتها سوریة
بقلم : أکرم عبید
بعد أکثر من ستین عام على تأسیس الجامعة العربیة ما زالت تدور فی حلقة مفرغة بسبب عجز النظام الرسمی العربی الذی یتعامل مع الحدث فی إطار الجامعة العربیة بردة فعل جوفاء لا تتجاوز حدود الشجب والإدانة والاستنکار لعدم توفر الإرادة الوطنیة والقومیة الصادقة لمعظم هذه الأنظمة المهرولة التی تعمدت تهمیش دور وأداء هذا الإطار العربی المشترک الذی یستطیع مواجهة المخاطر التی تتهدد الأمن القومی العربی إذا ما توفرت الإرادة الصادقة والحد الادنی من دعم مؤسساتها وتفعیل اتفاقیاتها وفی مقدمتها اتفاقیة الدفاع العربی المشترک وغیرها
لکن ریاح الأنظمة العربیة المتصهینة ما زالت تجری بما لا تشتهی سفن شرفاء الأمة وقواها المقاومة للمشاریع والمخططات الاستعماریة القدیمة الجدیدة وفی مقدمتها ما یسمى النظام الشرق أوسطی بدءاً من العدوان على العراق واحتلاله عام وتدمیر بناه التحتیة والمجتمعیة وارتکاب جرائم الحرب بحق أبنائه مرورا بالتواطؤ على تقسم السودان ومجاعة الشعب الصومالی إلى المواقف المشبوهة والمتآمرة على المقاومة فی لبنان أثناء عدوان تموز عام 2006 وحصار قطاع غزة المقاوم الذی تعرض لعدوان الکانونین نهایة العام 2008 بدایة العام 2009 وتجاهل الاستیطان فی الضفة الغربیة المحتلة والمساس بالمقدسات الإسلامیة والمسیحیة وبناء جدار الفصل والعزل العنصری إلى تشریع العدوان على الجماهیریة اللیبیة واحتلالها من قبل الحلف الأطلسی بعد تشریع مجلس ثوار النیتو العمیل مرورا بالفتنة المذهبیة فی مصر العروبة وإذلال الرئیس الفلسطینی المنتهیة ولایته بعد تقدیم طلب الاعتراف بالدولة الفلسطینیة بحدود عام 1967 وفرض المزید من الضغوط علیه من قبل العدو الصهیوأمریکی واللجنة الرباعیة الدولیة وعملائهم الصغار فی المنطقة للعودة للمفاوضات العبثیة الفاشلة لفرض شروطهم واملاءاتهم لانتزاع الاعتراف بما یسمى یهودیة الدولة فی ظل غیاب الدور الحقیقی للجامعة العربیة
لذلک لیس غریبا ولا مستغربا أن تنتقل المواجهة الخارجیة مع سوریة من المیدان الإعلامی والدبلوماسی إلى الجامعة العربیة بعد دعوة مجلس التأمر الخلیجی وزراء الخارجیة العرب لعقد جلسة طارئة لبحث الأزمة فی سوریة ومحاولة تجمید عضویتها فی الجامعة العربیة کمقدمة للاعتراف بما یسمى ( المجلس الوطنی السوری المعارض ) للرد على الهزیمة الصهیوامریکیة فی مجلس الأمن الدولی ومحاولة اختراق الجدار السوری الصامد لتحقیق ما عجز عن تحقیقه العدو الصهیوأمریکی من بوابة الجامعة العربیة لتدویل الأزمة والتدخل العسکری الخارجی فی سوریة لاستهدافها وإحراج الأصدقاء الروس والصینیین بعد الفیتو المزدوج الذی افشل مشاریعهم ومخططاتهم العدوانیة لفرض السیناریو اللیبی مرة أخرى
مع العلم أن ما یسمى ( بالمجلس الوطنی السوری ) المصنع بمقاییس ومفاهیم صهیوامریکیة الذی یروجون للاعتراف به ما زال یرفض الحوار مع الشرعیة الوطنیة والدستوریة للبلاد لأنه بصراحة لا یملک مشروعا وطنیا حقیقیا ولا یملک قاعد جماهیریة ورأی عام لان وجوده ارتبط منذ ولادته القیصریة فی اسطنبول بأجندة صهیوامریکیة تستقوی بالعدو الخارجی وهذا ما یمیز المعارضة السوریة الوطنیة الحقیقیة بین الداخل والخارج
ومن الملاحظ أن هذه الدعوة الخلیجیة المشبوهة ترافقت مع تصعید المواجهة الأمریکیة مع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بعد اتهامها بمحاولة اغتیال السفیر السعودی فی واشنطن
وبصراحة لم یکن تقاطع الدعوة مع الاتهام الأمریکی للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة مجرد صدفة أو موقف عابر لان الهدف واحد تتطلع إلیه الإدارة الصهیوامریکیة التی تتعمد فرض المزید من والاملاءات والضغوط على معظم الأنظمة العربیة المهرولة وفی مقدمتها مجلس التأمر الخلیجی للنیل من صمود وصلابة سوریة لفک ارتباطها بقوى المقاومة من فلسطین إلى لبنان والعراق ومع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة الحلیف الاستراتیجی لسوریة
وبالرغم من إفشال المشروع المتصهین وکشف وتعریة أهدافه بفضل رفض عدد مهم من وزراء الخارجیة العرب الذین رفضوا الفکرة من أساسها واقترح البعض منهم تشکیل لجنة وزاریة تلتقی مع القیادة السوریة لطرح المقترحات التی تم التوافق علیها فی بیان وزراء الخارجیة العرب الذی تحفظت علیه سوریة وردت على دعوة الاجتماع الطارئ بلسان سفیرها فی الجامعة یوسف الأحمد بکلمة قویة مثلت کل الحقیقة المستمدة من ارض الواقع ولیس من خلال الدعایة والفبرکة الإعلامیة المتصهینة التی تتعمد اخذ سوریة لمستنقع الذل والإذعان والتفریط والاستسلام الذی یسعى أعداء الأمة لتحقیقه بأدوات عمیلة رخیصة ومأجورة
وبالرغم من ذلک وافقت القیادة السوریة على استقبال وفد الجامعة العربیة برئاسة قطر متمسکة بالحوار الوطنی الشامل بمشارکة کل أطیاف المجتمع السوری بمختلف انتماءاتهم بحضور الجامعة العربیة فی سوریة وفق ضمانات وآلیات شاملة یتم الاتفاق علیها کما قال السفیر یوسف الأحمد فی سیاق کلمته الهامة مع العلم أن بیان وزراء الخارجیة العرب یفتقد للموضوعیة ویتدخل فی الشؤون الداخلیة السوریة کبلد عربی سیادی مستقل وعضو فی الأمم المتحدة
وقد أثارت الدعوة الخلیجیة فی هذه الظروف العربیة الصعبة جملة من التساؤلات ومن أهمها :
أولا – هل الدعوة لانعقاد مجلس وزراء الخارجیة العرب الطارئ جادة فی حل المشکلة فی سوریة أم تعقیدها ؟؟؟
وهل هم حریصون حقا على دماء السوریین وحقوقهم فی الإصلاح والحریة والدیمقراطیة کما یتشدقون وأین حقوق الإخوة الخلیجیین وخاصة فی البحریین والسعودیة التی یجلدون فیها المرأة إذا قادت سیارتها فی شوارع السعودیة
ثانیا – لماذا انعقد الاجتماع الوزاری العربی برئاسة قطر مع العلم أن دولة فلسطین هی التی تسلمت رئاسة هذه الدورة قبل أیام وتم تسلیمها لقطر فی خطوة مشبوهة وغیر مبررة ولها ثمن سیاسی ومادی مأجور على حساب شرفاء الأمة بشکل عام وعلى حساب الشعب الفلسطینی وقضیته الوطنیة العادلة وحقوقه الوطنیة ومقاومته الباسلة التی یدفع الیوم فواتیرها القدیمة الجدیدة کل شرفاء الأمة الداعمین لخط المقاومة والصمود الرافضین لنهج الإذعان والاستسلام وفی مقدمتهم سوریة
ثالثا - لقد وضع بیان وزراء الخارجیة العرب سوریة بشعبها وقیادتها الشرعیة فی نفس الکفة مع مجلس اسطنبول الراعی للعصابات الإرهابیة من أصحاب السوابق الإجرامیة التی تستهدف الأبریاء من الشعب السوری ومؤسساته الوطنیة العامة والخاصة وفی مقدمتها الجیش والأجهزة الأمنیة والکفاءات الوطنیة والعلماء و الاستقواء بالخارج لإسقاط النظام الشرعی فی سوریة بتمویل وتسلیح وتحریض من بعض الأنظمة الخلیجیة المتورطة بالتدخل المباشر بالعدوان على سوریة عبر أبواقهم الإعلامیة المتصهینة الموغلة بدماء الأبریاء من أبناء سوریة الذین تجاهلهم وزراء الخارجیة العرب فی اجتماعه الطارئ الذی رکز على الوقف الفوری للعنف والقتل ووضع حد للمظاهر المسلحة والتخلی عن المعالجة الأمنیة وکأن الجامعة العربیة تتعمد تجاهل أسباب الأزمة لیتعامل مع نتائجها بفجور وهذا لا یخدم مصالح الشعب السوری المقاوم بقدر ما یخدم مصالح العدو الصهیوأمریکی
رابعا - لقد تجاهل بیان وزراء الخارجیة العرب العقوبات الاقتصادیة التی فرضتها الأنظمة الأوروبیة بقیادة الإدارة الأمریکیة المتصهینة التی تستهدف الشعب العربی السوری الذی تتباکى علیه أنظمة الردة فی مجلس التأمر الخلیجی التی لم تحرک ساکنا بخصوص ما یحصل فی البحرین من فصول إجرامیة دامیة بحق أبناء البحرین المطالبین بالإصلاح لا بل تعمدت المملکة العربیة السعودیة استحضار ما یسمى قوات درع الجزیرة بتغطیة سیاسیة غربیة أمریکیة فاضحة لقمع ثوار البحرین کما تقمع السلطات السعودیة الثوار السعودیین وخاصة فی المنطقة الشرقیة
وفی هذا السیاق من حق المواطن العربی أن یتساءل ألیس من حق الثوار فی السعودیة والبحرین تشکیل مجالس وطنیة لإسقاط أنظمتها القهریة بدعم ومساندة دولا عربیة وإسلامیة مقاومة
لذلک فان المواقف المشبوهة للجامعة العربیة والتهرب من مسؤولیاتها القومیة ستشکل المقدمات الضروریة لریاح التغیر التی ستعصف بواقعها المأساوی لإصلاح مؤسساتها على أساس خدمة مصالح شعوب الأمة وأهدافها القومیة وقضایاها العادلة لتستعید دورها ومکانتها على الصعیدین العربی والعالمی وتفرض حضورها بقوة فی معالجة مشاکل الأمة بعیدا عن الاستقواء بأعدائها ولو کان مجلس الأمن المتصهین لان المستقبل لتعمیم ثقافة المقاومة والصمود والانتصار
نعم لقد خرجت سوریة من دائرة الخطر بوعی شعبها وحکمة وحنکة قیادتها التاریخیة بقیادة الرئیس المناضل بشار الأسد الذی أطلق العنان لمسیرة الحوار الوطنی الشامل بین مختلف أطیاف الشعب السوری وانتماءاتهم الحزبیة لانجاز مسیرة الإصلاح الشامل فی مختلف المجالات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والإعلامیة وغیرها
وانطلاقاً من هذه القاعدة بدأت الأمور تعود لطبیعتها فی سوریة بعد سقوط المؤامرة التی تحطمت على صخرة صمودها لتحقیق کامل أهدافها الوطنیة وتوفیر الظروف المناسبة لانجاز میسرة الحوار الوطنی الشامل والإصلاح لتعلب الدور الریادی فی مسیرة العمل العربی المشترک لتبقى الحصن الحصین لکل شرفاء الأمة والدفاع عن حقوقهم وقضایاهم العادلة فی کل المحافل الإقلیمیة والدولیة کما کانت دائما وأبداً .
ن/25