الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

صفقة تبادل الأسرى.. الدور الوظیفی والتوقیت المثالی

 

محمود عبد الرحیم

 

 اختیار مسمى جدید لصفقة تبادل الأسرى بین حرکة حماس والکیان الصهیونی هو'الوفاء للاحرار' إلى جانب المسمى المتداول منذ سنوات'صفقة شالیط' وابراز الدور المصری إعلامیا فی هذه الصفقة والاشادة الممتنة من کل الأطراف، یعکس تماما ما وراء هذه الصفقة، أو بالاحرى الدور الوظیفی لها فی هذا التوقــیت الذی فاجأ الجمیع، لکنه یبدو محسوبا بدقة، وربما مثالیا.

فثمة حاجة داخلیة لکل من حماس وإسرائیل والسلطة العسکریة الانتقالیة فی مصر لمثل هذا الانجاز الذی یتم تسویقه، ویتصدر مشهده الثلاثة معا، فیما یقف وراء الکوالیس کل من ترکیا وقطر وسوریة الذین أتت اسماؤهم عرضا کمستقبلین للمبعدین، بینما لعبت کل منها دورها المطلوب فی الصفقة على مدى سنوات بقیادة المخرج الأمریکی المنوط به إدارة کل ما یتعلق بشؤون المنطقة، ورعایة مصالح الکیان الصهیونی التى تصب فی خانة مصالحه الاستراتیجیة.

ومن حیث التوقیت، فالوضع الاقلیمی فی حالة اضطراب شدید، فی ظل ربیع الثورات العربیة الذی لا تُعرف وجهته حتى الآن، والجبهة الداعمة لحرکة حماس وفی مقدمتها إیران تحت مرمى الاستهداف الأمریکی کلما اقتربت من انجاز مشروعها النووی، وسط تحریض إسرائیلی لا یهدأ، وتصعید سعودی عبر عن نفسه فی اتهام طهران الأخیر بالتخطیط لاغتیال سفیر المملکة بواشنطن، فیما تبدو سوریة الرسمیة فی أضعف حالاتها مشغولة بمحاولة إنهاء الانتفاضة الشعبیة المستمرة منذ عدة أشهر، و اتخاذ موقف الدفاع فی مواجهة الضغوط الدولیة المتزایدة، على نحو یفقدها دینامیکیة الدور الذى اعتادت أن تلعبه، وما کانت تمثله من رقم صعب فی معادلة اتخاذ القرار على صعید الملف الفلسطینی.

وربما هذا یفسر المرونة التى ابدتها حرکة حماس فی هذه الصفقة، والتعامل مع الموقف على أرضیة السیاسة، أى القبول بالممکن ولیس التمسک بالحد الأقصى، عکس ما کان مطروحا سابقا، من الاصرار على اطلاق القیادات الفلسطینیة الکبیرة کمروان البرغوثی واحمد سعدات، ورفض عملیة الابعاد لأی فلسطینی خارج موطنه، وتزامنیة التبادل ولیس المرحلیة، وعوضت هذه الخسائر أو التنازلات التفاوضیة بحملة إعلامیة وسیاسیة تظهر الأمر کانتصار تاریخی کبیر، یتجاوز منظور اطلاق جندی إسرائیلی بشکل تبادلی إلى الوفاء للمقاومة والعمل على تحریر المقاومین، على نحو یستحق الاحتفالات الشعبیة الحاشدة التى یتصدرها قادة حماس فی الخارج والداخل، وهذا جانب من الحقیقة التى یقف وراءها الرغبة فی استثمار الحدث لترمیم شعبیة حماس، وسط جماهیر ضجت من الحصار والمعاناة الیومیة المتزایدة، وفشل جهود المصالحة الفلسطینیة التى تنال من قوة وحدة الموقف الفلسطینی.

وأیضا یبدو الاحتفاء الواسع بهذه الصفقة کما لو کان رغبة حمساویة فی الرد بفعل مدو على الحرکة الآحادیة التى قام بها رئیس سلطة الحکم الذاتی محمود عباس بالذهاب إلى مجلس الأمن لطلب إعلان الدولة الفلسطینیة، وما صاحبها من حملة دعائیة صاخبة تصور الأمر على أنها معرکة استقلال حقیقیة، ولیست لعبة ترمیم شعبیة منهارة وتبریر استئناف التفاوض، واظهار الخصم (حماس) أنه یصطف إلى جانب أمریکا وإسرائیل فی مناهضة حلم الدولة المستقلة.

وربما مسارعة عباس إلى مؤتمر صحفی یتحدث فیه عن أن أی تفاوض قادم سیشمل صفقة إطلاق عدد أکبر من الأسرى، بما فیها القیادات السیاسیة البارزة، یکشف تهیئة المسرح للعودة للمفاوضات، باستغلال مشاعر الجماهیر الفلسطینیة التواقة إلى عودة ذویهم من السجون الإسرائیلیة، وإرسال رسالة مکایدة فوریة إلى حماس مفادها' أنکم لم تفعلوا أکثر مما یمکن أن نفعل، ولم تنجزوا الشیء العظیم، فملف الأسرى لا یزال مفتوحا'.

وعلى الصعید الإسرائیلی، تبدو الصفقة عملیة ناجحة لحکومة نتنیاهو ومفاوضیها تعوض ما فشلت فیه آلة الحرب، خاصة مع عدم الرضوخ لشروط حماس العدیدة، واتخاذ اجراءات لا تظهر إسرائیل بمظهر الضعیف المستسلم لخصمه کالإبعاد لبعض الأسرى، والمرحلیة والاعتراض على اطلاق اسماء بعینها، وهو ما یساعد فی تسویق الصفقة محلیا کمعرکة ارادة إسرائیلیة منتصرة، و استرداد کرامة ضائعة فی حرب غزة، واستعداد الحکومة للدفاع عن أى مواطن یتعرض لخطر، وتقدیم أیة تضحیات من أجله، على نحو یخفف من الضغوط الشعبیة المتزایدة على نتیانیاهو، فضلا عن اعتبار مفاوضات اطلاق شالیط تمرین على استقطاب حماس إلى دائرة التفاوض، وترویض هذا الفصیل الممانع ب'الجزرة' طالما لم تصلح'العصا' وحدها، الأمر الذی قد یدفع بجبهة محمود عباس إلى الهرولة، وتقدیم التنازلات حتى لا یفقد وظیفیة دوره التی تعطیه أفضلیة على صعید ملف الصراع العربی الصهیونی فی شقه الفلسطینی. وإذا ما أتینا إلى الجانب المصری، فثمة استفادة متحققة من وراء هذه الصفقة، خاصة إذا ما ربطنا بینها وبین الاعتذار الإسرائیلی عن قتل جنود مصریین على الحدود وعدم التصعید إزاء حادث اقتحام السفارة الصهیونیة فی مصر، وعبارات الغزل الاسرائیلی والأمریکی للمجلس العسکری الحاکم فی مصر، فیما یتصاعد الانتقاد الحاد للسلطة الانتقالیة العسکریة داخلیا، على خلفیة تعطیل مسیرة الثورة وأهدافها وعدم الرغبة فی انجاز التحولات الجذریة المأمولة، التى من بینها اعادة بناء التحالفات الدولیة والاقلیمیة، وفک الارتباط بکل من واشنطن وتل ابیب وانتهاج سیاسة خارجیة ذات استقلالیة.

فمثل هذا الحدث إذا ما تم إبرازه إعلامیا، بالترافق مع الإعتذار الإسرائیلی والاشادات المختلفة بالدور المصری، فسوف یصب، حسبما ُیراد له، فی خانة تصدیر صورة ایجابیة عن المجلس العسکری الحاکم وجهاز الاستخبارات المتهم بالفشل فی ادارة الملفات الاستراتیجیة، وتظهرهما بمظهر القوى والناجح والقادر على انجاز ما لم یتحقق فی ظل حکم الدیکتاتور المخلوع مبارک، أو على ید أطراف اقلیمیة ودولیة أخرى، وکأن ثمة نجاحا فی استعادة الدور الاقلیمی لمصر، واختلافا فی النهج والادارة، ولیس استکمال مسیرة ومسار لا ترى فیه امریکا وإسرائیل ما یستحق التخوف، وأنما الارتیاح والمبارکة.

ن/25

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143315







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)