الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

ماذا بعد "معرکة أیلول التاریخیة"؟

یاسر الزعاترة 

 

 

ها هی وجبة النضال العظیمة التی خاضتها السلطة قد انتهت، وها نحن نجلس فی انتظار النتیجة النهائیة. ولا نعرف کم سیستغرق الانتظار. هل هی أسابیع أم أکثر من ذلک؟

لندع رأینا ورأی کثیرین فی الشارع الفلسطینی ممن عارضوا تلک الخطوة، ولندع أیضا ذلک الاحتفال العظیم الذی واکب "المعرکة التاریخیة" بحسب البعض (ما أکثر المعارک التاریخیة فی سجلنا الفلسطینی، وما أکثر المصطلحات الملتبسة مثل الهجوم التفاوضی الثوابت التاریخیة.. إلخ).

لندع ذلک کله، ولننس أهداف "المعرکة التاریخیة" ممثلة فی محاولة الهروب من سؤال فشل مشروع التفاوض التاریخی معطوفا على رفض "العسکرة" الذی تبناه محمود عباس منذ أیام الراحل یاسر عرفات (هو الذی وفر الأجواء الضروریة للتخلص منه)، ولنسأل: ماذا بعد؟

والحق أن سؤال ماذا بعد سیبقى هو ذاته سواء نجحت "الخطوة التاریخیة" وحصلنا على الدولة العتیدة ذات العضویة الکاملة فی الأمم المتحدة، أم حصلنا على دولة بصفة مراقب، أم تم التفاهم على صفقة أخرى لاستئناف التفاوض، لاسیما أن الدولة المشار إلیها ستبقى تحت الاحتلال ومن الضروری أن نسأل قیادتها (التاریخیة أیضا بحسب المطبلین لها ممن کانوا یشککون فیها أیام انقلابها على یاسر عرفات بدعم الأمیرکان والإسرائیلیین)، من الضروری أن نسألها عن الخطوة التالیة، لاسیما الطریقة التی سیکون بوسعها تحریر أراضی الدولة العتیدة.

ثمة معطیات بالغة الأهمیة على الذین سیحاولون تدبیج الإجابة عن سؤال "ماذا بعد؟" فی الحالتین أن لا ینسوها، لعل أهمها ذلک الانحیاز الأمیرکی غیر المسبوق للکیان الصهیونی، والذی ترجمه على نحو مفضوح خطاب أوباما فی الأمم المتحدة، والذی یبدو من العبث ربطه فقط بمساعی الأخیر الحصول على تأیید اللوبی الصهیونی من أجل الفوز بولایة ثانیة، وتجاهل حقیقیة هیمنة ذلک اللوبی على معظم أعضاء الکونغرس من الحزبین الدیمقراطی والجمهوری، لاسیما أن ولایة أوباما الأولى وقبله جورج بوش وبیل کلینتون بولایتیهما لم تأت للفلسطینیین بغیر بعض الکلام المعسول معطوفا على وعود الدولة التی یغرق العالم فی تفاصیل حدودها وسیادتها ومصیر قدسها، فی حین حسم الجمیع بمن فیهم رئیس السلطة مصیر لاجئیها (تحدث فی خطابه "التاریخی" فی الأمم المتحدة عن "حل عادل ومتفق علیه" للقضیة، ولیس ثمة عاقل یمکن أن یعتقد أن حلا متفقا علیه یمکن أن یعنی عودة اللاجئین للأراضی المحتلة عام 48، وقد سبق للقیادة العظیمة کما أثبتت وثائق التفاوض أن وافقت على الاکتفاء بعودة 100 ألف فلسطینی فقط على مدى عشر سنوات، ثم نزل العدد إلى 30 ألفا، ثم وافق أولمرت على 10 آلاف إلى أن جاءت تسیبی لیفنی لتقول لمفاوضینا الأشاوس إن عدد من سیعودون هو صفر لا أکثر!!).

من یتوقع أن أوباما بطبعته الجدیدة بعد فوزه بولایة الثانیة (إذا فاز بالطبع)، فضلا عن أی زعیم أمیرکی آخر سیقف إلى جانب دولة فلسطینیة على کامل الأراضی المحتلة عام 67 بما فیها القدس الشرقیة، من یتوقع ذلک هو شخص غارق فی الخیال من دون شک، إذا لم یکن یقصد تضلیل الجماهیر وبیعها الأوهام.

ومن یتذکر التنازلات التی قدمها المفاوض الفلسطینی فی القدس وتبادل الأراضی کما کشفت ذلک وثائق المفاوضات ثم رفضها الإسرائیلیون سیتأکد من ذلک من دون أدنى شک.

نشیر دائما إلى وثائق المفاوضات التی کشفتها الجزیرة لأن القوم لم ینکروها، حتى لو زعموا أنها قرئت مجتزأة، فلم ینکر أحد منهم قصة اللاجئین، ولا التنازلات فی القدس (دعک من خطأ نسبة التبادل فی الأراضی الذی لا یغیر شیئا فی واقع الحال)، ولا حاجة للتذکیر بأن تبادل الأراضی یعنی بقاء الکتل الاستیطانیة الکبیرة فی عمق الضفة الغربیة، بما یعنیه ذلک من تقسیم الکیان الفلسطینی إلى "کانتونات" سیجری ربطها بطرق مبتکرة بحسب ما کشفت وثیقة جنیف وملحقها الأمنی، وهی وثیقة تحظى بمبارکة السید الرئیس وطاقمه التفاوضی کما یعرف الجمیع.

نحن إذن أمام واقع أمیرکی لا یجوز تجاهله بأی حال، وإلى جانبه واقع أوروبی لا یبدو فی وارد الدخول فی إشکالات مع الدولة العبریة، لاسیما إذا وقفت واشنطن معها بکل ما أوتیت من قوة.

الجانب الآخر الذی یجب أن لا ینساه عاقل بأی حال هو ذلک المتعلق بموقف الدولة العبریة فی ظل قیادة نتنیاهو ولیبرمان من مسألة المفاوضات، والسقف الذی یمکن أن تبلغه "تنازلاتها" فیما یتعلق بالقضایا الرئیسة (الأرض، السیادة، المستوطنات، القدس، اللاجئین).

وإذا کان نتنیاهو یرفض حتى اللحظة التنازل عن مناطق الغور التی تشکل 30% من الضفة الغربیة، فهل ثمة عاقل یتوقع أن یقدم تنازلات جوهریة فی القدس الشرقیة التی لا یزال یطاردها بالمزید من التهوید والاستیطان؟!

ولعل ما یجب أن یتذکره البعض هنا هو أن المعضلة لا تتعلق بنتنیاهو ولیبرمان فقط، بل بسائر أرکان الدولة العبریة. وإذا کان ثنائی (أولمرت- لیفنی) "الوسطی"، وقبلهما باراک "الحمائمی" لم یقدما للفلسطینیین عرضا نهائیا ینطوی على الحد الأدنى من الکرامة، بخاصة فی ملف القدس، فهل یتوقع لأی تحالف جدید فی الدولة العبریة أن یقدم مثل هذا العرض؟!

هنا یقرع أسماعنا من جدید سؤال (ماذا بعد؟). وبدورنا نصرخ به ملء أفواهنا فی مواجهة من صدّعوا رؤوسنا بقصة الدولة، سواء کانت عضوا کامل العضویة فی الأمم المتحدة، أو بصیغة الفاتیکان، أو أی شیء آخر، ونتساءل من جدید عن الحل فی رأیهم، وهل أن جواب محمود عباس التقلیدی لهم بأن فشل التفاوض یستدعی المزید من التفاوض، وأن بدیل المفاوضات هو المفاوضات، هل یبدو هذا الجواب مقنعا لهم؟!

وإذا لم یکن کذلک، فهل یعتقدون أن النضال السلمی الذی یتحدث عنه عباس بین حین وآخر على استحیاء سیکون حلا بالطریقة التی یجری ترتیبها فی الضفة الغربیة؟! وإذا کان الجواب المتعلق باستمرار المفاوضات غیر مقنع بحال من الأحوال، حتى لو وقع استئنافها من جدید، فهل یبدو الجواب الآخر مقنعا؟!

من وجهة نظرنا التی یشارکنا فیها قطاع عریض من أبناء شعبنا الفلسطینی فی الداخل والخارج، فإن المقاومة السلمیة التی یتحدث عنها الرئیس الفلسطینی لا تعدو أن تکون ضحکا وتهدئة للجماهیر وهروبا من سؤال البدیل الذی یلاحقه أینما حل وارتحل، بینما الحقیقة أن بدیله الوحید هو التفاوض واستمرار التفاوض، وصولا إلى تکریس حل الدولة المؤقتة (فی حدود الجدار) ذات النزاع الحدودی مع جارتها (هی ذاتها المرحلة الثانیة من خریطة الطریق)، ولعل ذلک التوقیت سیکون الأنسب فی حینه لحصول الدولة على الاعتراف الدولی الکامل، إذا لم یحدث قبل ذلک، وسیکون النزاع الحدودی بینها وبین جارتها محض نزاع عادی مثل کثیر من النزاعات الأخرى، فی حین یأمل الإسرائیلیون أن یؤدی ذلک إلى إقناع قیادتها بمرور الوقت بحل نهائی یقترب من رؤیتهم فیما یخص قضایا القدس والأرض والسیادة (موضوع اللاجئین خارج التداول).

لا نقول ذلک لأننا ضد المقاومة السلمیة، بل لأننا نشکک فی أن الرجل یرید مقاومة سلمیة حقیقیة من اللون الذی یفرض التنازلات على المحتل، بل إننا نرى أن بوسع تلک المقاومة لو کانت جادة أن تفرض الانسحاب من الأراضی المحتلة عام 67 من دون قید أو شرط، ومن دون الاعتراف للعدو بما تبقى من أرض فلسطین  التاریخیة (هو فقط 78% منها کما تعلمون!!).

کیف یقنعنا القوم بأنهم جادون فی مقاومة الاحتلال (سلمیا) وهم ینسقون معه أمنیا آناء اللیل وأطراف النهار، ویواصلون اعتقال المجاهدین وضرب أیة أسس فکریة أو اجتماعیة أو ثقافیة أو دینیة أو اقتصادیة للمقاومة فی الضفة الغربیة؟!

من المدارس إلى الجامعات إلى المساجد ومؤسسات المجتمع المدنی، وضمن رؤیة هدفها إعادة تشکیل الوعی الجمعی للناس، تدور رحى معرکة شرسة من أجل ضرب أسس المقاومة فی الضفة الغربیة، ومع ذلک یتبجح القوم بالحدیث عن المقاومة السلمیة.

المقاومة السلمیة الناجعة ضد الاحتلال لیست استعراضا فی میدان المنارة فی رام الله أو مظاهرة أسبوعیة فی بلعین ونعلین وسواها، بل هی اشتباک دائم مع حواجز الاحتلال وجنوده ومستوطناته ودماء وتضحیات، ورفض للتنسیق الأمنی وإعادة تشکیل لوعی المجتمع فی اتجاه الاکتفاء الذاتی ورفض المعونات المشروطة وحشد جماهیر الأمة فی الصراع، مع حث الشتات الفلسطینی على التحرک بکل الوسائل من خلال الحدود المجاورة.

هذه هی المقاومة السلمیة، فهل لدى القوم نوایا من هذا النوع؟ کلا بالتأکید، أقله حتى الآن. ونحن نعرف أن قیادة ترید السیر فی هذا المضمار ینبغی أن تضع روحها على کفها وتشرع فی المواجهة. أما الذین یعملون على توفیر أجواء "البزنس" الناجح لأبنائهم وأقاربهم، ومن ینتظرون بطاقات "الفی آی بی" من المحتل، فلیست لدیهم نوایا مقاومة، وهم لیسوا مؤهلین لذلک بأی حال.

نستأذن القراء الأعزاء فی أخذ هذا الاقتباس الطویل للتسلیة والفائدة، وهو جزء من مقال للکاتب الإسرائیلی والمحلل الأمنی والعسکری المعروف إلیکس فیشمان نشرته صحیفة یدیعوت أحرونوت بتاریخ 16/9/2011، وکان بعنوان "خطة ضبط النفس".

یقول الکاتب "قبل نحو أسبوعین حضر ضیوف غیر معتادین إلى موقع أمنی إسرائیلی مهم، وکانوا ممثلین عن أجهزة الأمن الفلسطینیة. وقد طلبوا الحصول على وسائل "عدم قتل" لتفریق المظاهرات (قنابل إحداث صدمة، قنابل غاز، غاز مسیل للدموع، قنابل دخان، وسیارات لرش الماء). فقد استوعبوا هناک فی السلطة فجأة أن الردع وحده لن یکفی وأنهم قد یفقدون السیطرة.

إلى ما قبل شهر اعتاد ضباط فی أجهزة الأمن فی الضفة أن یسخروا على مسامع نظرائهم الإسرائیلیین من الذعر الذی أصابهم والاستعدادات المبالغ فیها –فی رأیهم- من قبل الجیش الإسرائیلی استعدادا لأحداث استحقاق أیلول (إعلان الدولة). وفجأة مُحیت ابتساماتهم أیضا. فقد أدرکوا فجأة أن المارد على هیئة جمهور متحمس مُحرَّض، حتى لو أخرجوه هم أنفسهم من القمقم، قد لا یعود إلى الداخل کما وقع فی تونس ومصر ولیبیا. وهذا المارد قد یغرق الحلم الفلسطینی بالاستقلال فی الدم والنار أیضا.

احتاجت وزارة الدفاع إلى عدة أیام لإمضاء الطلب الشاذ. بل إن الأمیرکیین الذین أوکل إلیهم تدریب کتائب أمن السلطة والإنفاق علیها طلبوا من إسرائیل المساعدة. وأوصى الجیش الإسرائیلی أیضا بالاستجابة. وفی نهایة الأمر أجاز المدیر العام لوزارة الدفاع جزءا من صفقة الشراء". (انتهى الاقتباس).

فی مواجهة هذه العبث ینبغی أن تنشأ جبهة فلسطینیة من سائر قوى المقاومة، ومن ضمن ذلک رموز من حرکة فتح ترفض ما یجری وتتبنى خیار المقاومة ضد الاحتلال بعیدا عن هاجس الحفاظ على سلطة أوسلو وتلبیة استحقاقاتها (یمکن إدارة قطاع غزة بالتوافق بوصفه منطقة شبه محررة).

وإذا لم یحدث ذلک، فسنظل فی انتظار الانتفاضة الشعبیة العارمة ضد الاحتلال وضد السلطة التابعة، والتی ستفرض نفسها على الجمیع. انتفاضة یشارک فیها الشتات الفلسطینی بقوة. انتفاضة تستلهم الربیع العربی وتلتحم معه بکل الوسائل وصولا إلى کنس هذا الاحتلال نهائیا من الأرض الفلسطینیة.

ن/25

 

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143302







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)