qodsna.ir qodsna.ir

حول الموقف من دولة فلسطین

 

أسامة أبو ارشید 

 

حفلت الکتابات المناقشة لمسعى السلطة الفلسطینیة بالتقدم بطلب للانضمام إلى هیئة الأمم المتحدة بتنوع فی التحلیلات والمواقف، وذلک ما بین مؤید لمثل هذه الخطوة على أساس أنها تنقل الصراع خطوة متقدمة إلى الأمام وتحشر إسرائیل والولایات المتحدة فی الزاویة، وما بین أخرى معارضة ترى فی مثل هذه الخطوة تسرعا غیر مدروس جیدا، فضلا عن أنه تشریع لاحتلال الجزء الأکبر من فلسطین وتضییع لحقوق اللاجئین.

لکل طرف بالطبع حججه وأسانیده القویة، قانونیة کانت أم سیاسیة، ولیس من العدل هنا القول بأن طرفا واحدا یملک کل الحقیقة فی الموقف حیال هذه الخطوة. غیر أنه من الضروری هنا التأکید على أن من یعارض هذه الخطوة فلسطینیا لا یفعل ذلک اتساقا مع الموقف الأمیرکی والإسرائیلی کما یعلن بعض قادة سلطة رام الله. أیضا لیس من العدل اتهام من یدفع باتجاه إنجاح هذا المسعى فی الأمم المتحدة بأنه یفعل ذلک تصفیة للقضیة الفلسطینیة.

لنکن واقعیین، القضیة الفلسطینیة قد تکون القضیة الأعقد فی القرن العشرین، وهی ما زالت کذلک فی القرن الواحد والعشرین. مرد هذا التعقید عائد فی أحد جوانبه إلى ذلک الانحیاز الغربی والأممی الفاضح والصارخ لدولة الاحتلال. بل، إننا نشهد الیوم نوعا جدیدا من الانحیاز والرضوخ "الراغم" لإسرائیل. فإذا کان رئیس الولایات المتحدة نفسه یقول بأنه لا بد من قیام دولة فلسطینیة مستقلة، وذلک من أجل مصلحة أمیرکا وإسرائیل أیضا، ثمّ یَضْطِّرُهُ اللوبی الصهیونی، بل ومعه کذلک المؤسسات العسکریة والمدنیة والاستخباراتیة الأمیرکیة، إلى التغاضی عن مصالح أمیرکا الأمنیة والحیویة والإستراتیجیة، فإن هذا یدل على حجم التعقید والصعاب التی یواجهها أصحاب القضیة الفلسطینیة والعاملین لها.

لا أرید هنا أن أغرق فی التفاصیل القانونیة والتقنیة للمسعى الفلسطینی، فالخلاف القانونی فی المسألة یعطی لکل طرف مؤیدا کان أم معارضا حجة بالغة ویحمیه من الوصم بالخیانة أو التواطؤ. ولکننی أحب أن أرکز هنا على بعض النقاط القانونیة والإجرائیة والتی تجعل من التخوف من مسعى السلطة ومنظمة التحریر تخوفا مشروعا، دون أن نتورط هنا فی کیل الاتهامات.

فی تقدیری الشخصی فإن أخطر ما فی المسألة یتعلق بالثقة بالفریق الذی یقود السلطة ومنظمة التحریر الفلسطینیة الیوم. بمعنى أن تجربة عشرین عاما کاملة من التفاوض الفلسطینی الإسرائیلی تثبت (أی أن الأمر لا یتعلق بمجرد أحکام جاهزة) بأن هذا الفریق لا یعترف بخطوط حمر فی مفاوضاته ولا یلقی بالا لثوابت القضیة ولا یتورع عن فتح قنوات خلفیة لتذلیل أی عقبة کؤود (أی حق فلسطینی یعد ثابتا) تبرز فی الطریق.

رأینا ذلک فی مفاوضات أوسلو السریة عام 1993، وذلک فی خضم مفاوضات مدرید التی قیل إنها وصلت إلى طریق مسدود.

أیضا رأینا ذلک مؤخرا فیما کشفته وثائق الجزیرة من استعداد المفاوض الفلسطینی للتنازل عن کل ما یصر لیل نهار على أنها ثوابت غیر قابلة للمس بها أو المساومة علیها، ولکن عندما انکشف المستور وجدنا أن لا قضیة اللاجئین تعد ثابتا من الثوابت، ولا الحدود، ولا کامل الضفة الغربیة، ولا القدس، ولا حتى السیادة على الحرم القدسی الشریف.

أیضا رأینا ذلک فی تصریحات أمین سر اللجنة التنفیذیة لمنظمة التحریر، یاسر عبد ربه عندما ألمح منذ فترة لیست بالبعیدة إلى إمکانیة الاعتراف بـ"یهودیة" الدولة الصهیونیة إن هی قبلت بدولة فلسطینیة فی الأراضی المحتلة عام 1967. وأیضا فی تصریحات رئیس السلطة فی رام الله، محمود عباس، الذی قال بصراحة قبل أشهر بأن حل قضیة اللاجئین لن یکون على حساب إسرائیل. بمعنى آخر التنازل عن حق اللاجئین (على الأقل الأخلاقی والمعنوی) بالعودة إلى دیارهم المحتلة عام 1948، رغم أن قرارات الشرعیة الدولیة المنحازة لإسرائیل تعطیهم هذا الحق، فضلا عن التعویض.

فی هذا السیاق، فإن ثمة تخوفا حقیقیا من أن تستجیب السلطة إلى الضغوط الغربیة وتسعى لتقدیم طلب العضویة إلى الجمعیة العمومیة للأمم المتحدة بدلا عن مجلس الأمن وذلک لرفع الحرج الأمیرکی والغربی و"إنقاذ" أمیرکا من ورطة استخدام الفیتو أو "عناء" توفیر تسعة أصوات رافضة للطلب الفلسطینی فی المجلس وذلک لتجنب استخدام الفیتو الذی سیثیر غضب العالم من أمیرکا وسیجعل من اتهامها بـ"النفاق" و"الرضوخ" لإسرائیل أمورا یصعب الدفاع عنها. کیف لا ورئیسها، أعلن رسمیا قبل سنة تقریبا عن رغبته فی رؤیة "فلسطین" عضوا فی الأمم المتحدة.

توجه السلطة إلى الجمعیة العمومیة دون مجلس الأمن فی حال تم -أو بعد الفشل المتوقع فی مجلس الأمن- سیعنی أن "فلسطین" ستکون دولة معترف بها دون عضویة فی الأمم المتحدة، وهی ذات الوضعیة التی تتمتع بها "دولة الفاتیکان". بطبیعة الحال، فإنی أکتب هذه السطور قبل تقدیم طلب العضویة الفلسطینی، والذی من المفترض أن یتم یوم الجمعة (23/9).

المسألة الأخرى المقلقة فی هذا الموضوع تتمثل بذهاب فریق رام الله إلى الأمم المتحدة دون السعی لتحقیق توافق وطنی فلسطینی على الحدود الدنیا للبرنامج الذی یمکن القبول به. ذهاب الفلسطینیین مفککین إلى نیویورک سیوفر لإسرائیل الذریعة للزعم بأن فریق رام الله لا یمثل کل الفلسطینیین کما أنه لا یمتلک تأثیرا فی قطاع غزة. للأسف، فإن فریق رام الله ما زال یصر على استفراده بتوجیه المستقبل الفلسطینی دون اعتبار لمکونات المشهد الفلسطینی الأخرى.

فی ذات السیاق، فإن هذه الخطوة الفلسطینیة تأتی فی ظل انکفاء عربی قطری داخلی، وهو ما قد یضعف الفاعلیة العربیة، وإن کان هذا لا ینفی وجهة نظر المؤیدین لمثل هذا التوجه الفلسطینی بأن "الربیع العربی" قد یکون رافعة لا عبئا على الموقف الفلسطینی.

المسألة الثالثة تتعلق بالاحتمال القائم بأن تنتفی الصفة التمثیلیة القانونیة لمنظمة التحریر الفلسطینیة، والتی تعتبر مصدر شرعیة السلطة الفلسطینیة القائمة الیوم. منظمة التحریر تتمتع بوضعیة "مراقب" فی الأمم المتحدة منذ عام 1974، وهو أمر لا یتیح لها التصویت، کما أنه معترف بها على أنها "ممثل الشعب الفلسطینی".

الآن قد یترتب على الاعتراف بـ"الدولة الفلسطینیة" -سواء کدولة عضو أم غیر عضو فی المنظمة الدولیة- إحلال فی الصفة التمثیلیة لتکون لها وتلاش لهذه الصفة عن منظمة التحریر، وهو ما یعنی استتباعا -فی حال تمّ ذلک- إسقاط الصفة التمثیلیة عن المنظمة للاجئین الفلسطینیین فی الشتات.

ولأن هذه الدولة سیعترف بها على أساس حدود عام 1967 (مع ضرورة التأکید على أن فریق المفاوضات الفلسطینی أشار غیر مرة إلى عدم ممانعته من مناقشة تعدیل هذه الحدود فی المفاوضات الفلسطینیة الإسرائیلیة) فإن کل فلسطینی خارج حدود ولایتها الجغرافیة النظریة قد یغدو دون تمثیل. بل إنه حتى اللاجئون الفلسطینیون إلى المناطق المحتلة عام 1967 قد لن یکون لهم تمثیل لناحیة حقوقهم فی أراضیهم الأصلیة فی حال تلاشی الصفة التمثیلیة للمنظمة.

أضف إلى ذلک المخاوف الحقیقة التی قد تترتب على الإجراءات الانتقامیة الإسرائیلیة من مثل ضم الکتل الاستیطانیة الکبرى فی الضفة الغربیة، أو اعتبار أن الدولة الفلسطینیة قائمة بالفعل على ما تسیطر علیه الیوم، وذلک على أساس أن الاعتراف بدولة فلسطینیة یعنی نهایة أوسلو.

هذه التهدیدات الإسرائیلیة قد لا تنفذ بالفعل، ولکن المشکلة بأنها لو نفذت، وقام الفلسطینیون بالتقدم بشکوى إلى مجلس الأمن الدولی، فإن الفیتو الأمیرکی سیکون حاضرا. أی أننا عدنا إلى مربع الانحیاز الأول.

طبعا دع عنک هنا التهدیدات الأمیرکیة بقطع المساعدات المالیة عن السلطة الفلسطینیة، فهذه الخطوة إن تمت، وعلى الرغم من قسوتها، إلا أنها قد تساهم فی تحریر القرار الوطنی الفلسطینی نوعا ما. أما تهدید إسرائیل بوقف تحویل عوائد الضرائب للسلطة، فلا یعنی الکثیر بالنسبة للفلسطینیین. فإسرائیل تفعل ما هو أکثر من ذلک کل یوم.

نقطة أخرى تثیر القلق فی هذا السیاق، وتتمثل فی التصریح التالی لعباس: "لا عودة إلى الانتفاضة المسلحة إطلاقا، ولن نعود إلى العنف إطلاقا، وکل ما سنقوم به حتجاجات سلمیة فقط". مرتبط بهذا التصریح تقریر إخباری نشرته صحیفة هآرتس الإسرائیلیة منذ أیام جاء فیه أن السلطة الفلسطینیة تعاقدت مع مصانع أسلحة إسرائیلیة لشراء معدات مکافحة شغب وذلک لاستخدامها فی حال تفجرت تظاهرات شعبیة فلسطینیة ضد الموقف الإسرائیلی الأمیرکی الرافض للاعتراف بدولة فلسطینیة. ویدعم هذا وذاک ما أکده عباس نفسه ومن ورائه رموز سلطته من أنهم لن یوقفوا التعاون والتنسیق الأمنی مع إسرائیل فی کل الأحوال والظروف.

السؤال الذی یبرز هنا بالطبع، یتعلق بحقیقة البدائل التی یراها الفریق الفلسطینی المفاوض فی حال فشل کل المساعی الفلسطینیة لإنشاء دولتهم، فإذا کانت العودة إلى المقاومة خطا أحمر لن یسمح بتجاوزه، وإذا کان الهدف هو العودة إلى المفاوضات بعد التوجه إلى الأمم المتحدة، کما قال عباس نفسه، فإلى أین نحن ماضون؟

لذلک کله، أرى شخصیا، أن خطوة التوجه إلى لأمم المتحدة هذه کانت ستکون أکثر فاعلیة وأبعد أثرا لو تم ذلک فی ظل توافق وطنی وطنی فلسطینی طرحت من خلاله المخاوف المتعلقة بالصفة التمثیلیة للمنظمة واللاجئین والحدود وحق العودة... إلخ، على بساط البحث وفکر فیه فی الآلیات اللازمة لضمان عدم ضیاع الحقوق الکبرى فی سبیل تحقیق الأقل أهمیة.

أعلم أن هناک من یرى أن أخطر ما فی الأمر أن السلطة بتقدیمها مثل هذا الطلب فإنها تکون قد تنازلت عملیا عن أکثر من 78% من أرض فلسطین التاریخیة، وهذا صحیح، ولکن ینبغی أن نبقی فی حساباتنا أیضا أن الاتفاقات انعکاس لموازین القوى، وبأن أی غبن لا یشرعه ألف اتفاق ولا ألف قانون.

أیضا، هناک من یتساءل بأنه ألم یکن من الأفضل أن تطالب المنظمة بتفعیل قرار 181 والذی قسم فلسطین عام 1947 إلى دولتین یهودیة وعربیة، وأعطى الفلسطینیین دولة على 44% بدل الـ22% التی یعطیهم إیاها قرار 242 لعام 1967، والذی على أساسه تطلب المنظمة اعترافا بفلسطین؟ سؤال وجیه، ولکنه غیر واقعی، فإذا کانت إسرائیل والولایات المتحدة لم تقبلا بعد بفکرة الـ22%، وإذا کان جزء کبیر من العالم یبلع فکرة الـ22% بصعوبة فما بالک بمطلب قیام دولة فلسطینیة على 44% من أرض فلسطین التاریخیة؟

أهم ما فی الأمر ألا یرسخ فی روعنا أبدا أن قضیة فلسطین ستنتهی أو انتهت قبل تحقق العدالة کاملة (100%) ولیس حتى بـ99.99%.

ن/25


| رمز الموضوع: 143299