الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

اتجاه الریح الفلسطینیة فی الثورات العربیة

 

نبیل شبیب

 

بغض النظر عن الملابسات الحقیقیة والمزعومة بشأن اقتحام ما حمل اسم السفارة الإسرائیلیة فی قاهرة المعزّ، فقد کشف الحدث عن عمق الوجود الفلسطینی فی ضمیر الإنسان العربی، سیّان إلى أی قطر عربی ینتمی من بین الأقطار الناشئة عن إفرازات اتفاقیة سایکس بیکو وسواها، وفق قاعدة "فرّق تسد" الاستعماریة أصلا، الموروثة واقعا من جانب أنظمة استبدادیة بقیت تعضّ علیها بالنواجذ والأحذیة العسکریة حتى الیوم.

لا یزال من المبکّر استشراف صورة واضحة ومتکاملة المعالم للتطوّرات المنتظرة من نتاج ما عرف بربیع الثورات العربیة، ولکن لا شکّ فی أمرین:

- هی حدث تغییر جذری تاریخی محوره تحریر إرادة الإنسان فی المنطقة العربیة.

 

- هی حدث لا یمکن أن تغیب آثاره القادمة على صعید قضیة فلسطین المحوریة.

 

لم تبلغ الثورات العربیة غایتها بعد، ولا تقاس الأحداث التاریخیة الکبرى بالأیام والشهور والسنوات، ولیس المقصود بالحدث التاریخی أنّ من الثورات الأولى ما أسقط أنظمة استبدادیة فاسدة وأنّ منها ما أصبح على وشک إسقاط أخرى، ولیس المقصود أیضا أنّ الثورات التی نشبت حتى الآن ستتبعها أخرى، فالغایة الأهم للثورات هی صناعة واقع جدید ومستقبل جدید، وهذا ما ظهرت تباشیره ولکن لم یبدأ بشکل فعال بعد، والبناء هو الثورة الکبرى الطویلة، وهی ثورة جامعة شاملة، وحصیلتها هی التغییر الجذری المتوقع، على کل صعید اجتماعی وسیاسی واقتصادی وفکری.. على صعید صناعة الإنسان وبناء الأوطان.

قد یستغرق التغییر حتى یبلغ مداه عقودا أو أجیالا، ولکنه بدأ المسار على الطریق الصحیح، ومن ذلک ما یظهر للعیان على صعید قضیة فلسطین، وهو ما یبیّن من خلال مثال الحدث الشعبی الأخیر فی القاهرة، أنّ تحریر الإرادة الشعبیة یعنی تحریر صناعة القرار السیاسی بما یشمل قضیة فلسطین أیضا.

الثورات العربیة تکشف بما لا یدع مجالا للشک، وما لا یترک مجالا لمزید من التضلیل السیاسی- الإعلامی الرسمی وشبه الرسمی، أنّ ما صُنع بقضیة فلسطین رسمیا، تحت مختلف العناوین، لم یکن یعبّر عن إرادة شعبیة فی أیة حقبة تاریخیة حدیثة سابقة، ولا یمکن أن تکون له مشروعیة بأی معیار من المعاییر القویمة.

والثورات العربیة تؤکّد بما لا یدع مجالا للشک، أنّ من المستحیل فی عصر ما بعد الثورات استمرار إفرازات ما صنع الاستبداد المحلی عبر ارتباطاته بالاستبداد الدولی أو عبر مساوماته مع الاستبداد الدولی، کما أصبحت علیه فی عصر ما قبل الثورات.

والثورات العربیة تصنع من خلال تحریر إرادة الشعوب بتحریر إرادة الإنسان، ما یمکّن من تعبئة طاقات الشعوب وطاقات الأوطان، لتکون فی خدمة القضایا المصیریة على کل صعید وفی کل میدان، ولیس فی خدمة تحصین الاستبداد ومحاضن الفساد.

هذا بالذات.. هو اتجاه الریح فی قضیة فلسطین فی عصر ما بعد الثورات العربیة، وهو أوّل ما تخشاه القوى الدولیة التی صنعت للصهیونیة العالمیة مقرا، ثکنة حربیة، فی قلب الوطن العربی والإسلامی، فی لحظة الغفلة التاریخیة.. ویستحیل بقاء ما صنعت على حاله فی لحظة الیقظة التاریخیة.

هو اتجاه الریح الفلسطینیة فی قلب الثورات العربیة، ابتداء من مصر.. یعصف مبکّرا وسیعصف بقوّة أکبر بما صنعته سنوات کامب دیفید الکبیسة على کل صعید..

وهو اتجاه الریح الفلسطینیة فی قلب الثورات العربیة، وصولا إلى سوریا.. یعصف بما صنعته سنوات المقایضات ما بین بقاء الاستبداد والفساد محلیا، وصکّ الأمان والسلامة لربیبة الاستبداد الدولی فی فلسطین.

فوجئت القوى الصهیونیة وحاضنتها من القوى الدولیة بثورة شعب تونس، وأصابها الذعر بوضوح نتیجة انطلاقة الثورة فی مصر، وبدأت فور استفاقتها من هول المفاجأة ببذل أقصى ما تستطیع لدعم قوى تعتبرها أقرب إلیها، ولتضیف إلیها عبر محاولات التأهیل المحمومة باسم "دیمقراطیة مزورة" قوى أخرى بدیلة عن القوى الشعبیة الوطنیة الثائرة، حتى إذا وصل مدّ الربیع العربی إلى لیبیا والیمن، اتخذت تلک الجهود صیغة "هجوم مضادّ"، عبر محاولة إعطاء الأهداف الذاتیة للتدخّل العسکری هنا والسیاسی هناک الأولویة على أهداف الثورة الشعبیة، على الهدف المحوری لتحریر الإرادة الشعبیة والسیاسیة.. واستطاع ثوار لیبیا سلوک طریق مکّنهم من الإفلات -مبدئیا- من المصیدة، التی کان أبرز ما یعبّر عنها مؤخرا "سیاسیا.. فضلا عن الأسالیب التی اتبعها العمل العسکری أطلسیا" هو التشبث لأسابیع بزعم استحالة الحسم عبر الحل العسکری، وخطورة "معرکة طرابلس".. وإذا بالثوار یتجاوزون من قال بذلک دولیا.

فی هذا الإطار، تتخذ الثورة الشعبیة فی سوریا موقعا مفصلیا، لیس على صعید شمولیة الربیع العربی للمنطقة العربیة فقط، بل على وجه التخصیص فی الجانب المحوری موضع الاهتمام الأعظم لدى القوى الدولیة، وهو قضیة فلسطین.. فتحریر الإرادة الشعبیة فی سوریا، لا یصبّ فی تحریر القرار السیاسی القطری فی قضیة فلسطین فحسب، بل یساهم بالقسط الأکبر فی توحید الإرادة الشعبیة والسیاسیة الجماعیة على المستوى العربی أیضا، ومن هنا لا بدّ من طرح بعض الأسئلة الجوهریة:

- هل یمکن أن تصل الثورة الشعبیة إلى غایتها هذه -بعد أن ظهرت استحالة وقفها- دون أن تبذل القوى الدولیة أقصى ما تستطیع للانحراف بها.. أو على الأقل لمحاولة احتواء نتائجها المحلیة والعربیة؟..

- هل یمکن لأی طرف یعمل حسب وجهة نظره على إنکار حق التحرر الشعبی من الاستبداد والفساد -بل یعادیه- بحجة قضیة فلسطین، أن یقبل لنفسه بالتلاقی مع تلک القوى الدولیة على محاولة کسر إرادة الشعب الثائر فی سوریا؟..

مع کل التأکید أنّ القوى الدولیة المعادیة لن تتوقف عن حبک ما تحبک وتنفیذ ما ترید ما استطاعت إلى ذلک سبیلا، لا یمکن بمقیاس الإخلاص لقضیة فلسطین وأهدافها الأصیلة تحدیدا، أن یسلک المخلصون طریقا یتناقض مع "اتجاه الریح الفلسطینیة فی الثورات العربیة".. لا سیما فی مصر وسوریا، ومن یصنع ذلک عمدا أو جهلا فسوف تتجاوزه الشعوب الثائرة.

ن/25

 

 

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143293







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)