النظام المصری بین احتلال السفارة واحتلال فلسطین
اسماعیل القاسمی الحسنی
فی مصر قلب الأمة، قامت ثورة شعبیة بامتیاز، لم تدهش الإخوة الأشقاء و إنما کل العالم، و على رأسه الشعب الأمریکی ذاته ناهیک عن الشعوب الأوروبیة و غیرها، و مرد الدهشة هنا لصور الإبداع التی زینت أیام و لیالی اعتصام الشعب فی جمیع المیادین بمحافظات مصر، صفحات أشرقت بالشجاعة و الوعی و السلوک المدنی المتجذر بعمق ما یزید عن سبعة آلاف عام، لیبرهن للعالم أن وعیه الجمعی یتجاوز بعدد فلکی من السنین الضوئیة کل النخب من الفکریة إلى السیاسیة؛ هذا الکلام لیس إنشائیا مرسلا و إنما تقریر واقع یدعو للفخر و الاعتزاز، إذن أین محل الضحک حد البکاء ؟
باختصار شدید هو أن کل العالم فهم ثورة الشعب المصری و مطالبه، بدءا من استرداد حقه الشرعی فی صناعة القرار و انتهاء بذات صفة الحق فی اختیار قیاداته و نظام حکمه، الاستثناء الوحید و الذی لم یفهم على ما یبدو مطالب الشعب هو المجلس العسکری الحاکم و من یدور فی فلکه، و قادة العدو الإسرائیلی؛ الأسبوع الماضی یفاجئنا السفیر المصری فی تل أبیب بأنه لیس بوارد طرد السفیر الإسرائیلی فضلا عن قطع العلاقات أو تجمیدها مع هذا الکیان، بعد یوم من هذا التصریح یخرج علینا رئیس دائرة العلاقات مع الکیان الإسرائیلی بوزارة الخارجیة المصریة الفضائیة البی ، لیؤکد ما أشار إلیه سعادة السفیر، و یذهب أبعد من ذلک حین أصر على أن السلام المزعوم و معاهدة کامب دیفید لا بدیل عنهما حتى و إن قتل العدو جنودا مصریین بدم بارد بعد أن اخترق الحدود، لکن الأخطر فی کلام هذا العبقری قوله أن العلاقة مع العدو الإسرائیلی لا تقررها الدهماء و عوام الناس، و لأن الشعب المصری بقضه و قضیضه و شبابه و شیبه ضد هذا الهراء، جرده صاحبنا من حقه الشرعی فی إعادة النظر فی علاقاته الدولیة التی بناها النظام من وراء ظهره، و تحت القهر و الإرهاب، و حین قام الشعب المصری یوم جمعة تصحیح المسار بإعلان موقفه من وجود هذه السفارة المشؤومة على أراضیه، استرسلت جوقة من نعت السفیر منهم وزیر الإعلام الحالی، لتوقع سماء مصر على أرضها، و تقلب سافلها على عالیها، و اتهمت کما جرت العادة الذین اقتحموا السفارة بالإجرام و العمالة لجهات أجنبیة مشبوهة؛ دون أن تکلف نفسها عناء الاجابة عن السؤال التالی: لماذا سفارة إسرائیل تحدیدا مستهدفة من بین ما یزید عن مئة سفارة فی القاهرة ؟ بصراحة لا یرید هؤلاء القوم أن یصدقوا بأن اقتحام السفارة عمل عفوی تلقائی یعبر عن نبض الشارع المصری؛ و هو ذات الوقت تطبیق للأعراف الدولیة، کیف ذلک ؟ ألم یقر هؤلاء بأن السفارة ملک لدولة لا یجوز بأی حال من الأحوال اقتحامها و انتهاک حرمتها ؟
إذا ماذا عن أرض هی عبر التاریخ ملک لشعب فلسطین و الأمتین العربیة و الإسلامیة، تم انتهاکها و الاستیلاء على مدنها و طرد أهلها، و آلة القتل تعمل فیمن تبقى منهم هذه الجرائم متواصلة دون انقطاع إلى الیوم؛ إذا وصف هؤلاء موقف المصریین فی حق السفارة بالإجرام الذی یستوجب العقوبة، بماذا یمکن وصف عمل العدو الإسرائیلی بحق الشعب الفلسطینی فذاک احتلال شقة و هذا احتلال وطن؟ و هناک رمیت و قطعت أوراق، و هنا شتت و قتل شعب، ماذا یستوجب؟ .و إذا سلمنا بأن اقتحام الشباب کان بتوجیه و دعم خارجی، فکذلک الحال بالنسبة للعدو الإسرائیلی من لحظة احتلاله إلى الیوم یحظى بالدعم الخارجی، و إن قیل لیس للمجلس العسکری حق معاقبة دولة أجنبیة، فمن أین جاء بالشرعیة و الحق، لمعاقبة مواطنین عبروا عن موقفهم دون أن یصیبوا أحدا بأذى؟
أخیرا، أعتقد أن الشعب المصری مستعد أن یقبل من هؤلاء العباقرة، العقوبة التی سینزلونها بالشباب الذی اقتحم سفارة العدو الإسرائیلی بالقاهرة، شریطة أن توقع ذات العقوبة بما یتناسب و حجم الجریمة التی ارتکبها العدو الإسرائیلی، ذلک أنه لا یستقیم فی ذهن عاقل أن القانون یعاقب على سرقة دینار و یتجاوز عن نهب مئة ملیار. اللهم إلا رفض السادة القیاس و أعلنوا جهارا نهارا، أن أرض فلسطین هی ملک أصیل للاسرائیلیین، و أن جرائمهم فی حق الشعب الفلسطینی تعتبر دفاعا مشروعا عن النفس... ساعتها سیکون یقینا للشارع المصری، حدیث آخر مع المجلس العسکری الحاکم ومن یدور فی فلکه، فی یوم جمعة ما، قد یکون شعارها: فلسطین و القدس لنا. تکنس بشکل نهائی ما تبقى من فضلات النظام المنهار.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS