الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

مصدر الشرعیة فی الشرق الأوسط!

 

 فوزی الأسمر

 

یفتش المعنیون بالأمر عن سبیل یستطیعون من خلاله الوصول إلى "عقول وقلوب" شعوب منطقة الشرق الأوسط. ولتحقیق هذا الهدف، یدخلون فی منافسات اقتصادیة واعلامیة وسیاسیة وعسکریة وأحیانا فی مهاترات عاطفیة عن طریق إثارة مواضیع اجتماعیة حساسة.

وهناک أسباب کثیرة تبرر هذا التنافس، وفی معظم الأحیان لیس لصالح شعوب المنطقة. ومن أهم العوامل المسببة لهذا التنافس: الثروة البترولیة والمعدنیة فی المنطقة وموقعها الإستراتیجی، واستغلالها کمناطق نفوذ، بالإضافة إلى أنها أسواق تجاریة خصبة خصوصا لتجارة الأسلحة وصناعة السیارات والإلکترونیات وغیرها.

وظهرت هذه المنافسة واضحة خلال السنوات القلیلة الماضیة، خصوصا من خلال الحروب التی وقعت فیها، ومن خلال المنافسه على ما یسمیه الغرب "ترویض القضیة الفلسطینیة" لتتماشى مع مصلحة إسرائیل، وبالتالی مع مصلحته. والترویض هنا یعنی تنازل فلسطینی "وبالتالی عربی" شبه کلی عن الحقوق الفلسطینیة، وإنهاء القضیة کلیا، وقبول الواقع الذی فرضته إسرائیل فی المنطقة بدعم الغرب.

وقد نجح هذا المخطط فی العثور على قادة عرب یتماشون معه، ویقدمون التنازل تلو الآخر لصالح إسرائیل بمن فیهم قیادات فلسطینیة، لدرجة قیام تعاون أمنی معها، والمشارکة فی تنفیذ مخططاتها خصوصا الحصار على قطاع غزة ومن ثم شن حرب إجرامیة علیه وقتل الآلاف من الأبریاء. بالإضافة إلى تبنی مخططات أمریکیة/ إسرائیلیة ضدّ مصالح شعوب المنطقة والمشارکة بإستراتیجیات تتعلق بمصیر المنطقة کلها وتتناقض فی نفس الوقت مع مصالح شعوبها.

وقد وصل الأمر إلى نقطة اعتقد فیها الغرب وإسرائیل وحتى قیادات عربیة معینة، أن القضیة الفلسطینیة قد سقطت من سلم الأولویات، لیس فقط لدى القیادات العربیة، بل لدى الشعوب العربیة، وحتى لدى الرأی العام العالمی، وأن الشرعیة فی الشرق الأوسط تلخصت فی دعم الأنظمة الدکتاتوریة وتنفیذ إستراتیجیة غربیة "خصوصا أمریکیة"- إسرائیلیة تمشیا مع المقولة المشهورة إن "تسعین بالمائة من حل مشاکل الشرق الأوسط بید أمریکا".

وبدأت الحملات الإعلامیة تشق طریقها فأنشأت أمریکا إذاعة عربیة "سوا" وشبکة تلفزیون "الحرة" ومجلة أنیقة "های" ولکن هذه المجلة توقفت عن الصدور بعد أن فشلت فی هدفها. ومن ثم بدأت رحلات شخصیات أمریکیة إلى المنطقة أجرت لقاءات مع طلاب وطالبات عرب محاولین الوصول إلى عقولهم وقلوبهم، عن طریق إثارة بعض المواضیع الإجتماعیة، خصوصا مکانة المرأة العربیة فی المجتمع، مشیرین إلى أن "تطبیق الدیمقراطیة" هو السبیل الوحید لحل هذه المشاکل.

ولکن کل هذه الجهود باءت بالفشل. فقد واجه هؤلاء المبعوثون رفضا کاملا من المجتمع العربی الشاب. ولعل أبلغ مثال هو قصة مبعوثة الرئیس الأمریکی جورج دبلیو بوش، کرین هیوز، مع الطالبات والمحاضرات السعودیات، اللواتی حولن الموضوع من "حریة المرأة" إلى حریة الإنسان الفلسطینی التی تحاصرها الولایات المتحدة فی سرادیب الأمم المتحدة بإستعمال حق النقض "الفیتو" بکل ما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة، والدعم الأمریکی سیاسیا واقتصادیا وعسکریا لإسرائیل، وتساءلنَ عن معنى وشکل الدیمقراطیة التی حققتها أمریکا فی العراق.

ورغم وضوح هذه الرؤیة لدى القیادة الأمریکیة، إلا أنها قررت تجاهلها والتعامل مع الأنظمة الدیکتاتوریة ضاربة الموقف الشعبی الذی یغلی، عرض الحائط. وهکذا بدأ الرفض الشعبی للموقف الأمریکی والغربی بشکل عام، وفهموا أن لا شرعیة لهم فی المنطقة، بدون التعامل جدیا مع المشاکل المتراکمة فیها وفی مقدمتها القضیة الفلسطینیة. کما تبین أن لا شرعیة للأنظمة الدکتاتوریة بسبب الفساد الموجود فیها والمدعوم أمریکا وإسرائیلیا، وبسبب إذلال الشعب عن طریق التلاعب بمصیره، وبمصیر الشعب الفلسطینی وبقضیته العادلة.

وحاولت الولایات المتحدة بناء شرعیة تعتمد علیها فی منطقة الشرق الأوسط فی أعقاب اتفاقیات کامب دیفید والسلام بین مصر وإسرائیل، ومن ثم السلام بینها وبین الأردن. وبعد ذلک دفعت واشنطن بعض الدول العربیة لإقامة علاقات تجاریة وفتح مکاتب مصالح لإسرائیل على أراضیها، خصوصا فی المغرب العربی وفی بعض دول الخلیج. وفشلت کل هذه المخططات بسبب: "التعنت الإسرائیلی بعدم الوصول إلى حل مع الفلسطینیین وبقیت القضیة الفلسطینیة العامل الأساسی فی توحید الشعوب العربیة" "یدعوت أحرونوت 11/ 9/ 2011".

فالشرعیة التی أرادت إسرائیل وأمریکا تجسیدها فی الشرق الأوسط اعتمدت على اتفاقیات بین الحکومات، وبالتالی أقیمت هذه الشرعیة وکذلک السلام على رمال متحرکة لم تستطع الوقوف أمام العواصف الشعبیة والربیع العربی الذی أخذ یکتسح العالم العربی کله إما عملیا أو فکریا.

وقد حذر أکثر من مسؤول أوروبی إسرائیل أنه إذا لم تقم بالوصول إلى حل لمشکلة الاحتلال فإن الانتفاضات العربیة ستلعب دورا فی وضع ضغط على القادة العرب للسیر فی طریق یؤدی إلى مقاطعة إسرائیل ومن ثم العودة إلى فترة ما قبل کامب دیفید.

ولعل من المفید أن نقتبس من مقال عکیفا إلدار المحلل السیاسی فی صحیفة "هآرتس" "9/ 11/ 2011" حول هذا الموضوع. یقول الکاتب إنه بعد فترة قصیرة من احتلال الشباب المصری لمیدان التحریر، اقترح رئیس السلطة الفلسطینیة، محمود عباس، على مسؤول کبیر فی حکومة نتنیاهو أن یکون مستعدا لانقلاب فی العلاقات المصریة- الإسرائیلیة.

وأضاف الکاتب: "قال عباس للمسؤول الإسرائیلی بأن حرکة التمرد المصریة لن تکتفی بتغییر النظام فی القاهرة، وأنه إذا لم یحدث تغییر بالنسبة للاحتلال، فإن العالم العربی الجدید سیکشف للیهود أن التضامن مع الأخوة المضطهدین لیس حکرا على الیهود فقط".

وأصبح واضحا الآن أن مصدر الشرعیة فی الشرق الأوسط هی القضیة الفلسطینیة، فقد فهمت ترکیا ذلک فوجدت أن قبولها شعبیا لدى العرب یحتم علیها إدخال تعدیلات على مواقفها وتعاملها مع إسرائیل. وتطورت الأمور بین الدولتین إلى أن وصلت إلى ما هی علیه الآن من صراع مستمر. وعن طریق هذا الموقف استطاعت أنقرة أن تحصل على شرعیة لدى الشعوب العربیة رغم تحفظاتها الضروریة.

وهذا الأمر ینطبق على إیران أیضا، فقد حصلت على شرعیتها فی المنطقة بسبب موقفها وتأییدها للحق الفلسطینی. وسیکون هذا نفس الشیء بالنسبة للأنظمة العربیة التی ستخلف الأنظمة الفاسدة. بمعنى آخر ستبقى القضیة الفلسطینیة هی المیزان الحساس لکل من یتطلع للتعامل مع الشرق الأوسط العربی.

وقد وصلت وکالات المخابرات الإسرائیلیة: جهاز الاستخبارات العسکریة "أمان" والشاباک والموساد إلى نفس النتیجة. فقد أوصت فی تقاریر لها إلى القیادة السیاسیة الإسرائیلیة تتعلق بالتطورات فی منطقة الشرق الأوسط بأنه: "یجب على إسرائیل إطلاق مسار تفاوضی مع الفلسطینیین بغیة خفض التوتر فی المنطقة وتخفیض العداء المتزاید تجاه إسرائیل" "الخبر الرئیسی "هآرتس" 21/ 9/ 2011".

ونقلت نفس الصحیفة وفی نفس الیوم عن وزیر الحرب الإسرائیلی أیهود براک قوله: "إن زیادة التوتر مع الفلسطینیین هی بماثبة دعوة لزیادة عزلة إسرائیل لو کانت هناک مفاوضات بیننا وبین الفلسطینیین لتراجعت الأسباب التی أدت إلى المواجهة مع کل من ترکیا ومصر".

ویبدو أن أوروبا قد بدأت تفهم ذلک أیضا ولهذا زادت من تحرکاتها بالنسبة للقضیة الفلسطینیة فی محاولة منها لعب دور أکبر تتحدى فیه الموقف الأمریکی دون أن تصطدم معه وجها لوجه.

أما الولایات المتحدة فرغم أن قادتها یعرفون هذا السبیل جیدا، إلا أنها لا تزال تضع مصلحة إسرائیل فوق کل اعتبار، ولهذا تواجه عداء شعبیا عربیا وإنتقادات عالمیة.

لقد قال الرئیس جمال عبد الناصر فی إحدى خطبه إن: "تحریر فلسطین یبدأ من تحریر مصر" وهو الشعار الذی رفعه المطالبون بطرد السفیر الإسرائیلی من القاهرة. والواقع أن تحریر فلسطین وإعادة الحقوق لأصحابها هو السبیل لتحریر العالم العربی کله، واسترداد کرامته الإنسانیة والقومیة.

ن/25

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143288







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)