«نتنیاهو» لا یعتبر..!
خالد معالی
تشکل دولة الاحتلال حالة نادرة فی التاریخ؛ بعدم التفاتها ولو بطرفة عین للقوانین والمواثیق الدولیة والإنسانیة، وعدم اعتبارها بتجارب الأمم والشعوب السابقة، وکأنها فوق منطق الأشیاء والتاریخ وباقی مفرداته.
ما حدث فی أم الرشاش "ایلات"، قرأ من قبل بعض المحللین على انه نتیجة طبیعیة لسیاسة رئیس وزراء إسرائیل "نتنیاهو" الهوجاء، والتی تشکل خطرا على الیهود أنفسهم قبل غیرهم، والمنطقة برمتها؛ لأنه یعامل الفلسطینیین بفوقیة وانتهازیة مقیتة؛ فلا المستوطنات توقفت، ولا إذلال الفلسطینیین والحط من کرامتهم على الحواجز توقف، ولا طرد وتهجیر المقدسیین توقف، ولا التضییق على الأسرى والأسیرات توقف، ولا الدولة الفلسطینیة أقیمت بعد قرابة 20 عاما من المفاوضات، وهو ما یدفع لردات فعل، لا یعرف مکانها وزمانها.
حق الشعب الفلسطینی فی المقاومة أقرته المواثیق والقوانین الدولیة التی تجیز مقاومة المحتل حتى کنسه وطرده؛ لکن بالمقابل هناک آراء ترى أن توقیت وشکل المقاومة هو أمر حساس جدا، ومن المفروض أن تکون المقاومة واعیة ومدروسة بدقة تؤتی أکلها، بحیث لا تستغل من قبل "نتنیاهو" بشکل یجعله یصدر أزماته المتصاعدة- وما أکثرها هذه الأیام- وتخرجه من ضائقته.
انعکاس عجرفة "نتنیاهو"وتنکره للحقوق الفلسطینیة یقود المنطقة لدوامة عنف، بعکس الطبیعة الإنسانیة التی تسعى للراحة والهدوء والسلام. فالجدلیة التاریخیة والسنن الکونیة قضت بأن لکل فعل رد فعل، والأیام دول، وهو ما لا یرید أن یفهمه "نتنیاهو"، لأنه یرید أخذ کل شیء ولا یرید أن یعطی شیئا بالمقابل.
خلال فترة حکم "نتنیاهو"؛ تواصلت جرائم الاحتلال فی الضفة، وتوجت بمجزرة غزة الأخیرة، وتواصل هدم المنازل وسرقة الأراضی لصالح الاستیطان. وتواصلت الحملة المسعورة على أحیاء مدینة القدس المحتلة؛ بمصادرة أراضیها، وإقامة المستوطنات حولها، وهدم البیوت، وتوجیه مئات الإخطارات لهدم المزید منها، وطمس معالمها الحضاریة العربیة والإسلامیة، وعزلها عن محیطها الفلسطینی بجدار الفصل، وإفراغ المنطقة من أی تواصل مع المسجد الأقصى، ومنع المصلین من الصلاة فیه.
قرار طرد المئات من خیرة وصفوة المجتمع المقدسی من نواب وسیاسیین ومؤثرین من حضن مدینتهم الدافئ، وأکناف بیت المقدس؛ تجاوزت کل ما هو معروف ومعلوم، وتشکل سابقة خطیرة لها ما بعدها، وهی تجری للأسف أمام أعین الأسرة الدولیة، والأمة العربیة والإسلامیة دون أی حراک یذکر، وتخلی واضح عن مسؤولیاتهم.
"نتنیاهو" لا یعتبر، ویرفض تعلم دروس التاریخ وعبره، وما یتقنه فقط هو التهدید والوعید، وإشعال الحروب، وقتل 15 فلسطینیا بینهم أطفال فی غزة خلال 24 ساعة، فلا هو یرید دولة فلسطینیة على أراضی 67، ولا هو یرید أن یعم السلام فی المنطقة.
دوامة العنف الحالیة ما کان لها أن تحصل لو أن "نتنیاهو" أقر بقیام دولة فلسطینیة على حدود عام 67، وما کان لها أن تحدث أصلا؛ لو لم یزرع الغرب دولة الاحتلال فی قلب العالم العربی والإسلامی وفی أقدس منطقة.
ألیست سیاسة "نتنیاهو"هی التی دفعت الفلسطینیین نحو استحقاق أیلول؟ ألیست سیاسة "نتنیاهو" هی التی تدفع المنطقة نحو المزید من العنف؟ ألیس هو الاحتلال المنبوذ لدى جمیع دول العالم، والوحید الباقی فی العصر الحدیث؟
قد تخرج بعض الآراء بتفسیر سریع حول دوامة العنف الأخیرة، بان من احد نتائجها تصدیر أزمة "نتنیاهو" بسرعة ضربه لغزة. ونتیجة أخرى هی وقف الاحتجاجات الداخلیة ضد "نتنیاهو"، وتشویش زخم التوجه نحو استحقاق أیلول.
"نتنیاهو" یتحمل المسؤولیة الکاملة عما یجری فی المنطقة من عنف؛ کونه وخلال فترة حکمه تنکر وبشکل فظ للحقوق المشروعة للشعب الفلسطینی، وأعطت سیاسته الحمقاء والمتعجرفة المبرر لدى البعض، وهیأ التربة الخصبة لهم وبالمجان للرد علیها.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS