الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

ربیع عربی وخریف غربی

  عمر عبد الهادی

 

مقدمة:

منذ قرون والعالم یشهد تنافسا والأصح صراعا بین الشرق والغرب . والغرب على تعدده أراه واحدا وأرى الشرق شرقین , الأول عربی إسلامی والثانی متنوع , وکلاهما خضعا لهیمنة الجغرافیا ولمسار تاریخ الشرق الموغل فی القدم , وکلاهما تمیز عن الغرب واختلف عنه اختلافا عظیما .منذ ما قبل المسیح وحتى بدایة القرنین الأخیرین , بقیت الحضارات القدیمة للشرق هی السبّاقة وکانت المعلم الأول للإنسانیة , نذکر منها الحضارات المصریة الفرعونیة والبابلیة العراقیة والصینیة والهندیة والیابانیة والحضارة الإسلامیة العربیة التی کانت الأطول عمرا والأوسع انتشارا فی العالم  والأوسع أثرا فی تبدید  ظلماته , فقد بسطت نفوذها على أجزاء واسعة منه على مدى قرون , فی وقت کان الغرب یبدو فیه وکأنه خارج الجغرافیا والتاریخ . مع الأخذ بالاعتبار لحالات نهوض استثنائیة عقبها خبو فی أجزاء متفرقة من الشرق والغرب.

 

نهوض الغرب

 

فی القرنین التاسع عشر والعشرین , شهد الغرب ثورات اجتماعیة وسیاسیة أحدثت انقلابا فی المفاهیم المجتمعیة أدت لإنهاء سیطرة الکنیسة والأفراد أو العائلات على الدول والشعوب , مستبدلة إیاها  بمفهوم الدیمقراطیة (حکم الشعب لنفسه) وتقدیس حقوق الفرد وحریته . فتحت هذه التطورات الکبرى الباب واسعا أمام إبداعات الشعوب الغربیة وتقدمها فی کافة العلوم والآداب والفنون , ودفعتها لامتلاک ناصیة التکنولوجیا الصناعیة والزراعیة . أما الشرق بشقیه فقد شهد فی هذین القرنین الماضیین انقلابا معاکسا , أتى بأفراد وأسر حکمت دوله وشعوبه وأخضعتها لاستبداد وتسلط أدخلتها فی دائرة التخلف.

 

 عودة النهوض للشرق

 

مع بدایة القرن العشرین والأصح بعد منتصفه , بدأت نهضة شعوب الشرق , أولا.. من قبل بعض الشعوب الشرقیة غیر المسلمة وغیر العربیة التی نجحت فی النهوض وکسر التخلف , وانطلقت فی فضاء التقدم السیاسی والدیمقراطی على الطریقة الغربیة مصحوبا بالتقدم التکنولوجی والعلمی , نذکر منها الشعوب الهندیة والیابانیة والکوریة الجنوبیة , إضافة لشعوب شرقیة أخرى لم تلتزم بالدیمقراطیة الغربیة , لکنها نجحت فی امتلاک ناصیة العلوم والتکنولوجیا المدنیة والعسکریة کالصین أو العلوم العسکریة ککوریة الشمالیة , ثم أعقبتها فی النهوض ثلاث دول مسلمة هی إیران وترکیا ومالیزیا , أحرزت تقدما صناعیا وتکنولوجیا ودیمقراطیا . فی مالیزیا وترکیا تأسست دیمقراطیة على النمط الغربی , وفی إیران تکونت دیمقراطیة مختلفة لا یحترمها الغرب , ربما لأنها مستوحاة من الفکر السیاسی الإسلامی الذی یناصبه الغرب العداء.

 

الربیع العربی

 

تعتبر ثورات "الربیع العربی" التی اشتعلت مع بدایة العام 2011 امتدادا ملفتا لنهوض واستیقاظ الشرق , ومن نافذتها  أطل على العرب النور , وهی تحاکی ثورات الغرب التی سبقتها بنحو قرنین من جهة توجهها نحو إسقاط  الأنظمة المستبدة أولا , من أجل امتلاک الحریة ثم الشروع  فی عملیة التحریر والتحرر والوحدة وصولا إلى النهضة الشاملة المبتغاة.

 

الخریف الغربی

 

ربما یمکن القول أن الغرب یسیر الیوم نحو الخریف , لکنه ما زال متشبثا بربیعه , وما زال لدیه من الإمکانات ما یؤهله للصمود , لم یعتد الغرب الصمود والتقدم إلا بدوسه على رؤوس الآخرین , وهذا ما یحاول فعله فی عالمنا العربی والإسلامی . یعتقد الغرب أن فی حیاة الشرق موتا له , وفی تقدم الأمة العربیة الإسلامیة تأخرا له , وفی سیطرتها على مواردها الطبیعیة ضربا تحت الحزام  له , وفی وحدة الأمة تفسخا له , وفی قوة إرادتها ضعفا له , وأخیرا یعتقد الغرب أن فی زوال إسرائیل مقتلا له.یرید الغرب تدمیر ربیعنا العربی أو حرف مساره وسوقه لجهته , وهذا ما نجح بفعله فی لیبیا , لکن ثقتنا بوعی الشعب اللیبی وشجاعته , یجعلنا نطمئن لقدرة الشعب على استرداد المبادرة من أجل سیادته الکاملة على وطنه . فی تونس ومصر والیمن وسوریة والبحرین وفی کل بقاعنا العربیة والإسلامیة , لا یتوقف الغرب عن المحاولة لتحویل مسار الثورات لأجل أن تجلس قیاداتها فی أحضانه . إنهم یسعون لسرقة الربیع الزاهر والمزهر واستبداله بخریف لا زهر فیه ولا حیاة , لکن إرادة شعوبنا المستمدة من إرادة الله هی المنتصرة وغدا لناظره قریب.

ن/25


| رمز الموضوع: 143285







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)