الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

السیاسة الخارجیة المصریة فى رحاب «أبوالهول»!

 

أحمد یوسف أحمد

 

عندما وقع العدوان الإسرائیلی الأخیر على السیادة المصریة کان طبیعیا أن تستفز قوى ثورة ینایر من جماهیر ومسؤولین إلى أقصى الحدود، مع فارق جوهری هو أن الجانب الرسمی مکبل بقیود قانونیة وسیاسیة، وبالذات ما یتصل منها بترتیب البیت المصری من الداخل الذی یبدو وکأنه یوشک أن ینقض، فعلى المستوى الشعبى طرحت البدائل من أدناها إلى أقصاها: من سحب السفیر المصری فی تل أبیب إلى إلغاء المعاهدة ودخول الحرب دفاعا عن الکرامة المصریة. أما الجانب الرسمی فاقتصر رد فعله على الاحتجاج وطلب التحقیق والاعتذار وإبداء التسامح الواجب مع الجماهیر التی طوقت السفارة الإسرائیلیة فی القاهرة. والحقیقة أن کلا من ردود الفعل على هذین المستویین یحتاج إلى ترشید.

أما الجانب الشعبی فمعذور لأنه لم یجد المبادرة الرسمیة التی یتحلق حولها، ومن هنا أطلق العنان بلا حدود لمطالباته، وهذا إیجابی ومطلوب فی إدارة الصراع، على أن یدرک الجمیع أن قضایا الحرب والدخول فی مواجهات قانونیة وسیاسیة بسبب تنکر مصر لالتزاماتها الدولیة أعقد من أن تترک للشارع السیاسی وحده، کما أن جماهیر الثورة تستحق اللوم لأن استجابتها للحدث فی تقدیری ضعیفة للغایة إذا قورنت بجسامة دلالته بالنسبة للوطن، بل إن الحضور الجماهیری المحدود أصلا والآخذ فی التناقص والحافل بالمظهریة من بعض القوى السیاسیة من شأنه أن یبث طمأنینة ما فی إسرائیل التی تستطیع أن تدعی أن مطالب الوطنیین الشرفاء فی عموم مصر هی مطالب قلة قلیلة لا تفسد للعلاقات قضیة، فلو کانت الجماهیر قد تصرفت على النحو الذی أجبر مبارک على التنحی أو حتى وفقا لما جرى فی "ملیونیات استعراض القوة" لما استطاع أحد أن یتجاهل إرادتها.

وعلى المستوى الرسمی لا یمکن الزعم بأن السیاسة الخارجیة المصریة الراهنة هی سیاسة خارجیة لثورة، وحتى الآن تشبه ردود الأفعال للعدوان الإسرائیلی مثیلتها فی ظل النظام السابق، ولم یکن هناک أقل من استدعاء السفیر المصری فی إسرائیل إلى أن تتعلم إسرائیل الدرس، والإصرار على المشارکة فی التحقیق باعتبار أن العدوان قد وقع على أرض مصریة، واستخلاص النتائج الواضحة من هذا العدوان، وهو أن إسرائیل تنتهک المعاهدة ومن ثم سیادة مصر، وهو أمر یجب التوقف عنده قانونیا وسیاسیا، وعلى الأقل فإن الشهداء المصریین الخمسة لا ذنب لهم إلا محاولة الدفاع عن شرف السیادة المصریة بأسلحة خفیفة وفق مقتضیات المعاهدة الظالمة فیما کانت القوة الإسرائیلیة تعربد بالمروحیات. وأقل القلیل أن تعتذر إسرائیل- ولن تفعل- وتدفع التعویضات الواجبة، کذلک کان أبسط مقتضیات المجاملة لأسر الشهداء أن تبادر السفارة المصریة بمقاطعة حفل إفطار الخارجیة الإسرائیلیة أو تؤمر بذلک.

تأتی بعد ذلک المطالب الأخرى، مثل إلغاء دخول الإسرائیلیین سیناء دون تأشیرة، والتوقف عن تصدیر الغاز لإسرائیل، وطلب تعدیل المعاهدة، ولیس من صالح مصر اتخاذ هذه الخطوات کرد فعل على العدوان أو کعقوبة لإسرائیل، لأن کل هذه الخطوات من أبجدیات حقوق السیادة المصریة، ویحتاج الأمر إلى دراسات قانونیة عمیقة حتى یمکن اتخاذ هذه الخطوات فی أسرع وقت ممکن. أما إلغاء المعاهدة فله حساباته المعقدة على المدى الأطول.

یبقى أخیرا أن السیاسة الخارجیة المصریة ما زالت تواجه تحدی الانتقال من سیاسة خارجیة محافظة إلى أخرى ثوریة، وإن کان المنطق الذی تدار وفقا له حتى الآن لا یطمئن کثیرا، فقد امتنعت مصر عن تأیید الثورة فی لیبیا فی الوقت المناسب بحجة وجود عدد هائل من المصریین هناک "یخشى علیهم"، ولو کان دبلوماسیو الوزارة الأکفاء، فضلا عن عناصر الأمن القومی المتخصصین، قد طُلب منهم تقدیر موقف لعرف الجمیع أن النصر للثورة وإن طال الانتظار، ولو سلمنا بهذا المنطق فأین هم یا ترى هؤلاء المصریون فی سوریا الذین یمنعنا الخوف علیهم من القیام بدور واجب تجاه ما یجری فیها؟

لقد عادى الرئیس السابق سوریا بالباطل لسنوات، أفلا تستطیع مصر الثورة أن تقول کلمة حق یحتاجها الجمیع الآن؟ وهل یعقل أن تسبق مصر الثورة دول محافظة- أیا کانت أهدافها- فی تأیید الثورات العربیة. المشکلة واضحة إذن وهی أن السیاسة الخارجیة المصریة الآن کأبی الهول لها جسد ثورة ورأس نظام سابق، وبالتالی فإن المعضلة أوسع بکثیر من إسرائیل، ویقتضی حلها عملیة إعادة بناء حقیقیة.

ن/25

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143280







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)