الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

أعداء سوریة وأصدقاؤها

عمر عبد الهادی

 

 مقدمة:

 

باستثناء نظام الحکم فی لبنان القائم على الانتخاب المباشر باعتماد المحاصصة الطائفیة , وفی العراق القائم نظامه على انتخابات ومحاصصة طائفیة فی ظل الاحتلال . لا نأتی بجدید إذ نقول أن بقیة الأنظمة العربیة غیر منتخبة وفاقدة للشرعیة وتواجه شعوبها  بالحدید والنار من أجل البقاء . داخلیا تستعین الأنظمة  بأجهزتها الأمنیة القمعیة , جیدة التدریب والتمویل , وخارجیا تبحث عن حمایة وشرعیة وهمیة  لتوفرها لها دول الغرب وعلى رأسها أمیرکا , وإمعانا بهذا التوجه تمارس الأنظمة تطبیعا علنیا أو سریا مع مدللة الغرب وعدو العرب الأول "إسرائیل". فی موالاة "إسرائیل" والغرب قد تکون الدولة السوریة الإستثناء الوحید فهی لم توالهما ولم تنشد مساعدتهما لحمایة سلطتها وأمنها الداخلی , بل بقیت الأنظمة السوریة المتعاقبة مترفعة عن ارتکاب مثل هذه الخطایا ومترفعة عن توقیع صلح منفرد مع العدو الإسرائیلی أو نسج علاقات علنیة أو سریة معه , ومن بین شقیقاتها العربیات انفردت سوریة بعدم خضوعها لأعداء الأمة  وأرست بالمقابل أمتن العلاقات مع القوى العربیة والإسلامیة المواجهة لهم.

 

موقف سوریة القومی والحصانة الشعبیة

 

یمکن القول أن مؤسسة الحکم فی سوریة مارست سیاسة خارجیة منسجمة مع أمانی الشعوب العربیة وصاغت مواقف وطنیة وقومیة تلبی طموحات الجماهیر لحد کبیر . وفی نفس السیاق یمکن للمتتبع والمراقب أن یلمس الدعم السوری السیاسی والعسکری للمقاومات العربیة والإسلامیة فی لبنان وفلسطین والعراق ویرصد تحالف سوریة السیاسی والعسکری مع دولة إیران المسلمة , التی تدعو وتسعى منذ الیوم الأول لنجاح ثورتها  لإزالة اسم "إسرائیل" من خریطة المنطقة .منحت مواقف سوریة القومیة وتحالفاتها الإقلیمیة الدولة السوریة , موقعا محوریا فی المنطقة وجعلت منها رقما صعبا فی معادلة الصراع الإقلیمی لا یمکن تخطیه , لکن لم یحظ  النظام السوری  بالرضا الشعبی الکامل بسبب سیاسته الداخلیة غیر المقبولة من قبل الشعب التواق للحریة وللتحرر من قبضة النظام الأمنیة والمتلهف للتداول السلمی للسلطة ولإنشاء دولة مدنیة عادلة  تمنحه فرصا متساویة فی العمل وفی حریة التعبیر عن الرأی , وتتیح له الاختیار الحر لممثلیه وحاکمیه وللناطقین باسمه فی کافة المنابر والمستویات بما فیها رئاسة الجمهوریة.

 

تأثیر "الربیع العربی" على الشعب السوری ونظامه

 

کما هو معلوم انطلقت شرارة الثورات العربیة من تونس إثر إحراق المواطن التونسی "البوعزیزی" لجسده الطاهر تعبیرا عن رفضه الخضوع لأوامر سلطاته الظالمة , وبسرعة قیاسیة تحولت شرارة البوعزیزی  لنیران هائلة شارکت فی إشعالها الجماهیر التونسیة الغاضبة , وما لبثت أن أسقطت رأس النظام وبعضا من بطانته فی أقل من شهر . ولد النجاح السریع للثورة التونسیة "آلیة دومینو سحریة" أسقطت الطغاة فی مصر ولیبیا وتوشک الیوم على إسقاطهم فی الیمن والبحرین وأشعلت فی سوریة نارا ما زال ممکنا إطفاؤها بإصغاء أعمدة النظام السوری لصوت العقل ولنصیحة الأصدقاء القائمة أولا على الاستبعاد الکامل للحل الأمنی الدموی والعقیم.وعودة لتطورات الأوضاع فی سوریة وتأزمها یمکن القول أن النظام أغفل الرسائل الثوریة بالغة الخطورة , القادمة من مصر وتونس , والتقطها الشعب السوری  بسرعة مذهلة , ثم أمهل نظامه أسابیع قلیلة من أجل تنفیذ الإصلاحات التی وعده فیها الرئیس بشار الأسد , عقب تسلمه الرئاسة فی العام 2000 خلفا لأبیه. تأخرت الإصلاحات لأکثر مما یمکن احتماله , فخرجت الجماهیر السوریة إلى الشارع , لتعبر عن غضبها وتطرح مطالباتها بالحریة والتغییر . انتفض الشعب احتجاجا على السیاسة الداخلیة لنظامه رغم تأییده لسیاسة النظام الخارجیة.یستند النظام فی سوریة على عوامل قوة یستمدها داخلیا من جیشه ومن جهاز أمنه المنیع  وخارجیا یتلقى دعما سیاسیا من حلفائه الأقویاء وعلى رأسهم إیران وحزب الله اللبنانی . وتعادی النظام دول الغرب وعلى رأسها أمیرکا کما تعادیه أنظمة عربیة عدیدة تسیر فی الفلک الأمیرکی علاوة على العداء الإسرائیلی الدائم . أما الجارة ترکیا التی دخلت بقوة مؤخرا العالم العربی من البوابة السوریة فموقفها من الحدث السوری یبدو متذبذبا ربما لانتسابها لحلف الناتو الغربی ولرغبتها المزمنة بالالتحاق بدول الإتحاد الأوروبی الصدیقة ل "إسرائیل" والمعادیة للتطلعات المشروعة للشعوب العربیة.

 

موقف إیران وحزب الله من الحدث السوری

 

حزب الله وإیران ینفیان الاتهامات الموجهة لهما من قبل بعض أجنحة المعارضة السوریة بالتدخل فی مجریات الأحداث فی سوریة , لکنهما یبوحان بدعمهما للنظام السوری سیاسیا وإعلامیا ویعربان عن قناعتهما بوجود مؤامرة خارجیة (کما یعلن النظام) تأخذ شکلا سیاسیا ومسلحا وتستهدف سوریة دولة وشعبا من أجل کسر شوکتها وإخضاعها للمخطط الأمیرکی الإسرائیلی الذی یرسمونه للمنطقة .لقد تعرّضا إیران وحزب الله للإحراج الشدید بسبب دعمهما السیاسی والإعلامی للنظام السوری لأن المشهد السوری بات بالغ التعقید فهناک دماء کثیرة سالت وتسیل , ومواجهات یومیة بین الجیش والشعب من جهة أو بین المسلحین والجیش من جهة أخرى , فالروایات متعددة ومختلفة , وفی النهایة مهما قیل لا بد من الإقرار بأنه فی سوریة یوجد شعب مظلوم , کسر حاجز الخوف ویقدم التضحیات لنیل حریته وکرامته , وأن حرکته الاحتجاجیة متصاعدة وماضیة نحو الأمام  وإن لم تکن بالحجم الکبیر الذی شاهدناه فی تونس ومصر. لیس من الحکمة أن ینتظر النظام فی سوریة وقفة إیران وحزب الله معه إلى ما لا نهایة , فهذه الوقفة أفقدتهما قدرا کبیرا من شعبیتهما فی العالمین العربی والإسلامی , اللذان یتأثران بالکم الهائل من الإعلام الموجه المعادی لحکام سوریة , وتحدیدا ما تبثه قنوات الجزیرة "القطریة" والعربیة "السعودیة" والبی بی سی "البریطانیة" , وما تنقله یومیا من صور لقتلى من المواطنین السوریین صرعوا برصاص الجیش.

 

خلاصة , استنتاجات وحلول ممکنة

 

لم تأخذ الحرکة الاحتجاجیة فی سوریة شکلا یشبه التطورات التی جرت فی تونس ومصر ولیبیا . فی الأخیرة اتخذ الصراع  شکلا مسلحا بین فریقین , فریق شعبی سیئ التسلیح وفریق نظامی جید التسلیح , ولولا التدخل المسلح لحلف "الناتو" , لما تمکن الثوار اللیبیون من إسقاط  نظامهم , لکنهم فی المقابل دفعوا ثمنا باهظا بإتاحتهم الفرصة لدول الغرب لتفوز بموطئ قدم فی لیبیا وفی الشمال الإفریقی , سوف نرى تأثیره السلبی على لیبیا وجوارها العربی فی المستقبل القریب. فی تونس ومصر کانت نقمة الشعوب على أنظمتها مزدوجة , الأولى داخلیة , ناتجة عن قمع النظام لشعبه وإفقاره وإذلاله , والثانیة خارجیة , ناتجة عن خضوع نظامی البلدین لإرادة أعداء الأمةمةأم ومعاداتهما لتطلعات شعبیهما الوطنیة والقومیة .ما یجری فی سوریة لا یشبه ما جرى ویجری فی البلدان العربیة التی شهدت ثورات شعبیة أطاحت بأنظمتها بقواها الذاتیة (ثورتی تونس ومصر) أو الثورة اللیبیة التی أطاحت بنظامها بمساعدة الغرب , فی مصر وتونس قاومت أمیرکا و"إسرائیل" وکافة الدول السائرة بفلکهما الاحتجاجات الشعبیة وبذلت قصارى جهدها من أجل حمایة نظامی البلدین , وفی سوریة أیدت هذه الدول مجتمعة الاحتجاجات الشعبیة وسعت من أجل إسقاط النظام . فی لیبیا خرج المتظاهرون بوجه النظام وهتفوا بسلمیة حرکتهم , لکنهم سرعان ما حملوا السلاح ضد نظامهم المستبد فتغیر مسار الثورة وتحول لنزاع مسلح .لیست الحالة السوریة کالحالات المذکورة الثلاث , لم ینقسم الوطن السوری لشرق وغرب أو شمال وجنوب کما حدث فی لیبیا , ولم تثر المدن الکبرى فیه کما حدث فی تونس ومصر , بل جرت معظم المواجهات فی الأطراف القریبة من حدود الدول المجاورة , والروایات التی تتحدث عن إسالة الدماء بغزارة متناقضة وبعضها مبالغ فیه وترویه أطراف ووسائل إعلامیة یوجهها الغرب , وللحق نقول أن ما یجری فی سوریة یبقى غامضا وتحیط فیه الشکوک ونحن بانتظار جلاء الحقیقة الکاملة , فنصف الحقائق یضر ویجلب البلبلة ویبعدنا عن بر الأمان الذی ینشده الشعب السوری وسائر الشعوب العربیة .لا أحد یملک وصفة سحریة تضع حدا لما یجری فی الوطن السوری لکن الوصفة العملیة تملکها القیادة السوریة فهی مطالبة بتنفیذ استحقاقات هذه المرحلة بالغة الخطورة ولیس أقلها الاستماع بعنایة فائقة لمطالب الشعب المحقة والبدء الفوری بتنفیذها لأن التسویف والمماطلة یفسدان الحل ویقودان لکارثة محققة قد تلحق بسوریة والمنطقة قتلا وتدمیرا هائلین لا تنجو منه الأجیال الحالیة وستعانی من تداعیاته الأجیال القادمة.. حمى الله سوریة وشعبها من کل مکروه.  

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143279







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)