الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الدولة الفلسطینیة والعد العکسی للمعرکة فی الأمم المتحدة

 

عمر نجیب

 

عندما بدأت السلطة الفلسطینیة فی طرح فکرة التوجه إلى الجمعیة العامة للأمم المتحدة للحصول على العضویة الکاملة لدولة فلسطین "ضمن حدود ما قبل حرب 5 یونیو 1967" فی المنتظم الأممی انقسمت التقدیرات والمواقف حول هذا التحرک. البعض هاجمه واعتبره مضیعة للوقت، وآخرون قدروا أنه عمل من شأنه تعزیز النضال الفلسطینی فی مواجهة الاحتلال الإستیطانی الصهیونی وکل من یسانده على الصعید الدولی، زیادة على أنه سیشکل مسمارا جدیدا فی نعش الإحتلال.

ما بین الموقفین احتار الکثیرون، فلسطینیا وعربیا، خاصة أن معارضی التوجه إلى الأمم المتحدة تمسکوا بأن البدیل الوحید فی مواجهة الکیان الصهیونی هو تصعید الکفاح المسلح والتخلی عن کل أنواع التفاوض والحلول السیاسیة التی لا تضمن تحریر فلسطین التاریخیة أو الجزء الأکبر منها. هذا الموقف الأخیر وجد تجاوبا عربیا واسعا لأنه حرک رغبة فی الوصول إلى هدف ناضل الجمیع من أجله خلال الستة عقود الأخیرة لیس من أجل استعادة الحقوق وحدها، بل لرد الکرامة والاعتبار بعد نکسات عدیدة فی مواجهة الکیان الصهیونی وحماته فی الغرب على وجه الخصوص.

ردود الفعل المتشنجة والغاضبة الإسرائیلیة والأمریکیة والضغوط والتهدیدات التی مورست وتمارس ضد السلطة الفلسطینیة وکل من یؤیدها لتعطیل تحرکها داخل الأمم المتحدة عضد موقف هؤلاء الذین أکدوا أن الخطوة الفلسطینیة تشکل لبنة أخرى على طریق تحقیق هدف بناء الدولة المستقلة، لأنه إن لم یکن الأمر کذلک لما تحرکت واشنطن وتل أبیب وکل توابعهما وبکل قدراتهم لمواجهة التحرک الفلسطینی.

الأمر الذی یجب تسجیله هو أن التحرک الفلسطینی جعل ساسة إسرائیل یتخبطون فی تقدیر ما یجب عمله وأصبحوا یضربون أخماسا فی أسداس.

ما تخشاه إسرائیل

یوم 12 أغسطس 2011 اعترفت صحیفة "هآرتس" الإسرائیلیة فی مقالها الافتتاحی أن أکثر ما تخشاه إسرائیل على أمنها قرار للقیادة الفلسطینیة بإقفال بوابات السلطة فی الیوم الذی یلی التصویت فی الأمم المتحدة ورمی مفاتیحها فی الشارع.

وتابعت الصحیفة: "مع اقتراب موعد التصویت فی الأمم المتحدة على قیام دولة فلسطینیة ضمن حدود الرابع من یونیو 1967 بدأت تظهر على الحکومة الإسرائیلیة مظاهر متزایدة من الهستیریا.

أولا جندت وزارة الخارجیة الإسرائیلیة للقیام بحملة تخویف دبلوماسیة عالمیة، أصبحت فی الأیام الأخیرة حملة تقریع ضد الدول التی تعهدت بتأیید المبادرة الفلسطینیة العربیة. وبعد أن تبین أن أکثر من 120 دولة تنوی التصویت لصالح المبادرة، هدد وزیر خارجیة إسرائیل افیغدور لیبرمان بأن إسرائیل ستلغی اتفاقات أوسلو. وفی الأسبوع الثانی من أغسطس اقترح لیبرمان قطع کل العلاقات مع السلطة الفلسطینیة استباقاً لموجة عنف یقول إنها ستندلع فی الیوم التالی لإعلان الأمم المتحدة.

وکان الصحافی باراک رافید قد ذکر فی صحیفة "هآرتس" یوم 11 أغسطس أن وزراء آخرین اقترحوا فی نقاش الحکومة الإسرائیلیة یوم الأربعاء 10 أغسطس فرض عقوبات على السلطة الفلسطینیة کوسیلة للضغط على قادتها بهدف وقف الحراک تجاه الأمم المتحدة.

وعلى سبیل المثال فقد اقترح وزیر المالیة الإسرائیلی یوفال شتانیتز تعلیق تحویل أموال الضرائب التی تجمعها إسرائیل إلى الفلسطینیین. ویماثل هذا الاقتراح تهدیدا أمریکیا بمعاقبة الفلسطینیین لرغبتهم فی الحصول على الاستقلال بوقف المعونات المالیة إلى السلطة الفلسطینیة.

إن من الصعب التفکیر فی خطوة أکثر خطرا وحمقاً من تدمیر السلطة الفلسطینیة وقطع أرزاق عشرات الآلاف من أعضاء أجهزة الأمن والموظفین الذین یعتمدون علیها للحصول على مرتباتهم. وقد قال ایهود باراک بصفته وزیر الدفاع فی النقاش إن هذه الخطوة ستؤدی إلى الفوضى فی الضفة الغربیة، وتجعل إسرائیل مسؤولة عن تأمین احتیاجات ملیونین ونصف ملیون نسمة.

وانضم إلى باراک کل من وزیر القضاء وهیئة النیابة العسکریة، حیث حذرا من تبعات العقوبات على مستقبل العلاقات بین الطرفین وخطر تدهور نحو الصدامات الدامیة، کما حصل إبان الانتفاضتین الأولى والثانیة.

"إن الخطر الکبیر الذی یهدد سلامة إسرائیل هو قرار القیادة الفلسطینیة إغلاق بوابات السلطة فی الیوم التالی للتصویت فی الأمم المتحدة وإلقاء المفاتیح فی الشارع. والطریقة لوقف التصعید بعد التصویت فی سبتمبر هی فتح مفاوضات سلام على أساس حدود 1967، بما فی ذلک مبادلات للأراضی وتجمید مؤقت للبناء فی المستوطنات. وإذا لم تؤد ردود فعل إسرائیل الهستیریة إلى انهیار شامل فی الأراضی المحتلة، فستکون الطریق سالکة لإجراء هذه المحادثات مع الدولة الجدیدة.

ضرب أخماس فی أسداس

بعد 24 ساعة من نشر تقریر صحیفة "هآرتس" نقلت عدة مصادر إعلامیة أجزاء من تقریر سری أعدته لجنة الشؤون الخارجیة والأمن فی الکنیست بمشارکة کبار قادة الأجهزة الأمنیة. التقریر یستنتج أن إخفاقات حکومة بنیامین نتنیاهو فی المجال السیاسی هی التی دفعت الفلسطینیین إلى مشروعهم.

وجاء فی هذا التقریر، الذی أثار غیظا هستیریا لدى نتنیاهو ومساعدیه، أنه لو سلکت الحکومة الإسرائیلیة سلوکا مختلفا فی المجال السیاسی ونجحت فی استئناف المفاوضات أو طرحت مبادرة سیاسیة سلمیة مقنعة للعالم، لکانت وفرت على إسرائیل خوض هذه المعرکة القاسیة فی الأمم المتحدة.

وکانت اللجنة قد شکلت لجنة فرعیة، لإجراء أبحاث سریة حول سبب تدهور أوضاع إسرائیل السیاسیة فی العالم فی ضوء المبادرة الفلسطینیة. واستمعت اللجنة إلى عشرات الخبراء البارزین فی المجال، من ضمنهم رئیس أرکان الجیش ورئیس جهاز الاستخبارات الخارجیة "موساد" ورئیس جهاز الاستخبارات العامة "شاباک" ورئیس شعبة الاستخبارات العسکریة "أمان" وعدد من الدبلوماسیین والخبراء الأجانب. واتفق غالبیتهم على أن المبادرة الفلسطینیة وضعت إسرائیل فی حرج أمام العالم وکل الدلائل تشیر إلى احتمال نجاح المبادرة فی الاعتراف بالدولة الفلسطینیة ورفع مستوى تمثیلها فی الأمم المتحدة، عضوا کاملا أو عضوا مراقبا.

وتبین أن معرکة حامیة الوطیس دارت بین مکتب نتنیاهو ومکتب رئیس اللجنة البرلمانیة، النائب شاؤول موفاز، وهو من حزب "کدیما" المعارض لمنع تسجیل التقریر کوثیقة برلمانیة حیث وجه نتنیاهو الاتهام إلى موفاز بأنه استغل منصبه البرلمانی الرفیع لکی یزعزع مکانة الحکومة. ووجه تهدیدا بإقالة موفاز من رئاسة اللجنة. ورد موفاز بأنه لیس هو الجهة التی سربت هذا التقریر إلى الإعلام، ورفض تهدیدات نتنیاهو، مشیرا إلى بند فی أنظمة الکنیست یمنع إقالته من منصبه. وقد سیطر موضوع التقریر على اجتماع اللجنة الوزاریة الثمانیة، لیلة الثلاثاء الأربعاء، الذی خصص للموضوع الفلسطینی.

وقال وزیر المالیة یوفال شتاینتس إن السلطة الفلسطینیة تعانی حالیا من أزمة مالیة حقیقیة تمنعها من دفع رواتب الموظفین فی موعدها. وهذا هو الوقت لممارسة الضغوط علیها، فالأزمة المالیة هی نقطة ضعف کبیرة.

وأشارت وسائل الإعلام الإسرائیلیة إلى أن الوزراء الثمانیة ومعهم قادة الأجهزة الأمنیة ونحو 20 خبیرا، اختلفوا فیما بینهم حول السبیل الواجب اتباعها. وبعد أربع ساعات من البحث، انفض الاجتماع من دون نتیجة، على أن یتصرف فی الموضوع رئیس الوزراء، نتنیاهو، فیعود إلى دعوة الطاقم نفسه إلى الانعقاد أو یحول البحث إلى هیئة أوسع، هی "المجلس الوزاری الأمنی المصغر"، الذی یضم نصف عدد الوزراء، أی 15 وزیرا مع قادة الأجهزة الأمنیة.

البحث عن حل وسط

منذ اتضحت نیة السلطة الفلسطینیة الحقیقیة فی نقل جزء من معرکتها السیاسیة فی مواجهة المماطلات الإسرائیلیة الأمریکیة إلى الأمم المتحدة، مورست ضدها مختلف أسالیب الترغیب والترهیب زیادة على تصعید حدة التآمر لمنع المصالحة الفلسطینیة من أجل التخلی کلیا عن المبادرة. ولما لم تعط هذه التکتیکات النتیجة المرجوة، لجأت واشنطن وتل أبیب وتوابعهما خاصة على الساحة الأوروبیة إلى تقدیم بدائل وصفت بالحلول الوسط.

وهکذا ذکرت مصادر سیاسیة فی إسرائیل، یوم الخمیس 18 أغسطس وحسب مصادر إعلامیة، أن ممثلین عن الاتحاد الأوروبی والسلطة الفلسطینیة، یجرون محادثات مکثفة تستهدف التوصل إلى "حل وسط" ما بین المشروع الفلسطینی والموقف الأمریکی الرافض لأی اقتراح لتغییر مستوى التمثیل الفلسطینی فی الأمم المتحدة.

غیر أن صائب عریقات رئیس دائرة المفاوضات فی منظمة التحریر الفلسطینیة نفى نفیا قاطعا ما نسبته صحیفة "یدیعوت أحرونوت" الإسرائیلیة إلى مصادر لم تسمها. وقال عریقات الذی رافق الرئیس محمود عباس فی جولته التی شملت خلال النصف الثانی من أغسطس البوسنة والهرسک العضو فی مجلس الأمن الدولی، ولبنان التی سترأس المجلس فی سبتمبر، إنه لا أساس لهذه الأخبار، من الصحة على الإطلاق. وأضاف أن هذه التسریبات هی جزء من سلوک التفاوض الإسرائیلی الذی یتم فیه 95 فی المائة خارج الطاولة فی محاولة لزرع الشکوک والتشویه. وأکد عریقات أن السلطة سائرة قدما فی خطتها للحصول على العضویة الکاملة لدولة فلسطین فی الأمم المتحدة. وکرر ما قاله سابقا عن أن قطار نیویورک انطلق ولا رجعة فیه.

ووفقا لتقریر صحیفة "یدیعوت أحرونوت" فإن الاقتراح الأوروبی یتحدث عن رفع مکانة منظمة التحریر الفلسطینیة من "منظمة تحرر وطنی بدرجة عضو مراقب"، إلى "منظمة تحرر وطنی بدرجة عضو کامل العضویة". ففی هذه الحالة یستطیع الفلسطینیون التصرف کعضو کامل ولکن من دون تصویت، ویستطیعون الانضمام إلى محکمة العدل الدولیة فی لاهای.

وفسر الإسرائیلیون هذه الخطوة على أنها "مصلحة مشترکة لأوروبا وللسلطة الفلسطینیة". وأوضحت المصادر قائلة: "الفلسطینیون یعرفون أن هناک أکثریة أوتوماتیکیة فی الجمعیة العامة للأمم المتحدة لأی مشروع یقترحونه، ولکن قبولهم عضوا کاملا سیفشل لأن الولایات المتحدة ستستخدم حق الفیتو.

واشنطن فی مأزق، فهی تفضل أن لا تستخدم حق "الفیتو" وتجد حرجا فی استخدامه أمام الدول العربیة فی وقت تحاول أن تقفز على حرکة التطور فی المنطقة لتنفذ مشروع الشرق الأوسط الکبیر، وفی نفس الوقت لا تقبل بتاتا انتصار المشروع الفلسطینی.

ویقول محللون فی الکیان الصهیونی إن السلطة الفلسطینیة قد تقبل فی نهایة المطاف الحل الوسط لأنها لا ترید أن تغضب واشنطن إلى حد الدخول معها فی صدام. کما أنها لا ترید أن تخسر دولا أوروبیة مرکزیة، مثل ألمانیا التی سبق وأعلنت أنها لن تؤید المشروع الفلسطینی لأنها تعتبره خطوة أحادیة الجانب، وبریطانیا وفرنسا اللتین لم تعلنا موقفهما الرسمی حتى الآن ویتوقع أن تعارض إحداهما على الأقل المشروع الفلسطینی.

الأوروبیون یحاولون عبور هذه المرحلة بمکسب فلسطینی ما، یستطیعون تأییده من دون الدخول فی مشکلة مع واشنطن. فبهذا یوفرون على أنفسهم صداما مع إسرائیل أو مع العرب.

وقالت مصادر إسرائیلیة إن لجنة المتابعة العربیة تشارک هی أیضا فی المحادثات الفلسطینیة الأوروبیة، مساندة الموقف الفلسطینی، وإن هذه المحادثات تجری بشکل مکثف جدا، لأن الأوروبیین یریدون إنهاءها قبل اجتماع لجنة المتابعة العربیة فی الثلث الأخیر من أغسطس...

وتحدثت الصحیفة الإسرائیلیة، یوم الخمیس 18 أغسطس عن أن ممثلین عن الحکومة الإسرائیلیة أقاموا اتصالات مباشرة مع جهات فلسطینیة، عارضین التراجع عن فکرة طلب الاعتراف الدولی بفلسطین مقابل استئناف المفاوضات الرسمیة على أسس جدیدة ومقابل إجراءات إسرائیلیة جدیدة مثل إطلاق سراح أسرى.

وأضافت أن تونی بلیر، مبعوث الرباعیة الدولیة، یسعى هو أیضا لاستئناف المفاوضات ویطرح أفکارا مختلفة فی الموضوع على الطرفین. وقد ذکرت أن بلیر یقول لجمیع الأطراف إن السبیل للخروج من المأزق هو اقتلاع المرض من جذوره، ویقصد أن تجمید المفاوضات هو أساس البلاء لکل ما جرى وینبغی استئناف هذه المفاوضات للتخلص منها.

لا تأثیر على حق العودة

یوم الجمعة 19 أغسطس لفت مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة فی نیویورک السفیر نواف سلام، خلال ندوة فی "مرکز عصام فارس للشؤون اللبنانیة" بعنوان "الدولة الفلسطینیة والمجتمع الدولی"، إلى أن ما تصر علیه السلطة الفلسطینیة حالیا هو تقدیم طلب العضویة الکاملة فی الأمم المتحدة، الأمر الذی قد یدفع الولایات المتحدة إلى استعمال الفیتو فی مجلس الأمن، فی حین توجد فرصة أمام الفلسطینیین لتمریر الموافقة على طلب تحویل بعثتهم فی الأمم المتحدة من بعثة منظمة مراقبة إلى بعثة دولة مراقبة، ولافتاً إلى أن لا تصور واضحا عند الفلسطینیین والمجموعة العربیة حتى الساعة، للخطوات الواجب اعتمادها فی حال استعمل الفیتو الأمریکی.

وأضاف أن الأهم هو التفکیر بالخطوات المطلوبة فی حال استعمال الفیتو ضد مشروع القرار لأن هناک احتمالاً کبیرا لقیام واشنطن بذلک. وأوضح أن من واجب الدولة الساعیة إلى العضویة الکاملة التقدم إلى الأمین العام للأمم المتحدة بطلب ذلک، لینقل الأمین العام الطلب بعدها إلى رئاسة مجلس الأمن الدولی التی تشکل لجنة من أعضاء المجلس کافة لتدارس الأمر والعودة به إلى مجلس الأمن. وعندها، یصدر المجلس توصیة بصیغة قرار إلى الجمعیة العمومیة بقبول عضویة الدولة المرشحة. ویتطلب هذا الإجراء موافقة أکثریة الدول الأعضاء فی مجلس الأمن مقترنة مع عدم اعتراض أی من الدول الخمس الدائمة العضویة.

ولفت سلام إلى أن الخیار البدیل هو الحصول على اعتراف أکبر عدد من الدول بالدولة الفلسطینیة لیصار بعدها إلى التقدم بطلب مباشر لدى الجمعیة العمومیة لیبنى على الشیء مقتضاه وتحویل وضع ممثل فلسطین فی الأمم المتحدة من ممثل منظمة مراقبة إلى مندوب دولة مراقبة، مؤکدا أن الخیار البدیل هذا لا یلغی إمکانیة طلب العضویة الکاملة فی المستقبل عندما یتوفر الوضع الدولی الملائم وموافقة الدول الخمس الدائمة العضویة فی مجلس الأمن.

وشدد على أن الإعتراف بالدولة الفلسطینیة لا ینقض الإلتزامات والإتفاقات السابقة بین الفلسطینیین والإسرائیلیین لأن فکرة الدولة الفلسطینیة موجودة فی قرار الأمم الأمتحدة 181، کذلک فإن "خارطة الطریق" تبنت أیضا حل الدولتین.

وأشار إلى ان رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس کان واضحا فی کلامه الأخیر أن خطوة الإعتراف بالدولة الفلسطینیة لا یمکن أن تکون بدیلاً من مواصلة المفاوضات حول القضایا العالقة. ولفت إلى أن قضیة الدولة الفلسطینیة لم تکن یوماً جزءا من مفاوضات الحل النهائی لأنها مرتبطة ارتباطاً وثیقاً بحق تقریر المصیر للشعب الفلسطینی، مضیفا ان هذا الحق غیر قابل للتصرف أو التنازل عنه.

واستغرب سلام الربط فی لبنان بین الإعتراف بالدولة الفلسطینیة وتسهیل التوطین، مشیرا إلى ان قیام الدولة الفلسطینیة لا یؤثر على حق العودة لأن القرار 194 نص على حق العودة کحق فردی، وبالتالی فإن الدولة الجدیدة یمکن ان تمنح الجنسیة الفلسطینیة لکل اللاجئین الفلسطینیین، وهی تمثل کل الفلسطینیین "أنى کانوا". وشدد على ضرورة التمییز بین "الدولة" و"السلطة الوطنیة" مشیرا إلى انه حتى فی الأمم المتحدة فإن من یمثل الفلسطینیین هو بعثة منظمة التحریر الفلسطینیة ولیس "السلطة الوطنیة".

استئناف المقاومة المسلحة

یوم الخمیس 18 أغسطس أعطى الرئیس محمود عباس فکرة عن المساومات التی تمارسها واشنطن فقال "تلقینا عرضا أن نکون دولة مراقبة لدى المنظمة کالفاتیکان لکننا لا نؤید ذلک، بل نرید أن نکون دولة کاملة العضویة فی الأمم المتحدة".

وذکر الرئیس "لدینا الآن 122 دولة تؤیدنا ویمکن أن نؤمن أکثر، علما أن قطر هی رئیسة الجمعیة العمومیة للأمم المتحدة ولبنان سیکون فی سبتمبر رئیسا لمجلس الأمن وله صوت کعضو غیر دائم لدى المجلس، ولدینا حالیا تسعة أصوات من 15 یتألف منها المجلس ونأمل أن تتم الأمور کما نخطط لها، خاصة إذا تحفظت أمریکا ولم تستعمل حق النقض الذی هددتنا به".

وأشار إلى أن "حماس لیست ضد الذهاب إلى الأمم المتحدة، وهی تطلب إعطاء فرصة للمفاوضات ولدولة بحدود 1967 وطرح إعلان الدولة الفلسطینیة، وهذا یعنی تغییرا فی إستراتیجیتها وفی الموقف من حیث المبدأ والأصول، ونحن سنذهب إلى نیویورک باسم منظمة التحریر الفلسطینیة".

وحول احتمال أن تسمح السلطة رسمیا بإستئناف المقاومة المسلحة کورقة ضغط فی حال الفشل فی مجلس الأمن، قال "ناقشنا هذا الأمر فی القمة العربیة وبعض الدول أیدت المقاومة، وقلت نحن الفلسطینیون لا نرید المقاومة إلا إذا کنتم تتخذون جمیعکم القرار بالحرب"؛ وأضاف "لا یمکننی أن أطلق رصاصة واحدة ضد إسرائیل لأن کل ما عندی شرطی یحمل کلاشنیکوف مع ذخیرة قلیلة".

تجارب إسرائیلیة سابقة

مصادر رصد ألمانیة أشارت إلى أن هناک أوساطا داخل الجهاز العسکری السیاسی الصهیونی ترغب فی أن یتم استغلال التأیید الرسمی لإستئناف المقاومة کعذر لإحتلال الضفة الغربیة مجددا.

یوم الاثنین 15 أغسطس نشرت صحیفة "هآرتس" مقالا کشف عن هذا التوجه. فقد قارن المحلل الإسرائیلی عکیفا إلدار فی مقال له بین الإعلان المحتمل الذی قد تصدره الأمم المتحدة، وبین الإعلان الفلسطینی عن الاستقلال قبل 22 عاما فقال: "لا یبدو عضو الکنیست عن حزب الاتحاد الوطنی المتطرف أرییه إلداد مرتبکا بخصوص إمکانیة اعتراف الجمعیة العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطینیة. فهو لا یرى فارقا من الناحیة القانونیة بین القرار المتوقع صدوره شهر سبتمبر 2011 وبین القرار الذی اتخذ هناک- بغالبیة کبیرة- 104 مقابل 2- فی أعقاب إعلان الاستقلال الفلسطینی فی تونس فی الجزائر قبل 22 عاما. ولکن بأمانة، ما هو الفرق؟.

هذه المرة أیضاً، ستتهم إسرائیل العرب بإجراءات احادیة، وستتتجاهل الأمم المتحدة، وتوسع المستوطنات فی الضفة الغربیة، وتبنی المزید من الأحیاء الاستیطانیة للیهود فی القدس.

إذن، ما هی الغایة من حملة التخویف عشیة التصویت فی الجمعیة العامة؟ وما هو الأساس لإعلان نتنیاهو أن التحرک فی الأمم المتحدة یشیر إلى ان الرئیس الفلسطینی محمود عباس لیس معنیا بتسویة متفاوض علیها؟ ولماذا یدخل وزیر الخارجیة فی متاعب إبلاغ الجمهور أن عباس، فی الیوم الذی یعقب التصویت فی الأمم المتحدة، یخطط "للعنف وسفک الدماء من النوع الذی لم یشاهد من قبل؟".

من أجل فهم الأمرین ربما یکون مفیدا العودة 11 عاما إلى الوراء، إلى یولیو وسبتمبر 2000. وکما هی الحال الیوم فإن رئیس الوزراء الإسرائیلی آنذاک ایهود باراک القى بکل المسؤولیة عن فشل العملیة الدبلوماسیة على یاسر عرفات. وکما الحال الیوم، تخلى الرئیس الأمریکی آنذاک بیل کلینتون عن القیادة الفلسطینیة. وکالیوم، قالوا لنا ان الرئیس الفلسطینی لیس معنیاً فی الواقع بحل على اساس دولتین. ومثل هذه الأیام أخبرونا أنه "عرفات" خطط مقدما لاندلاع العنف. ومثل تلک الأوقات، یقولون لنا الآن أنه لا یوجد لنا شریک فی السلام. وهم یعتقدون أن "الشعب" سیشتری هذه الحیلة کما فعل فی ذلک الحین.

فی مقال نشره مرکز "تامی شتاینمتز" لأبحاث السلام قال الدکتور إفرایم لافی ان لا أساس للإدعاء بأن عرفات ذهب للحرب عام 2000 فی إطار خطة للخداع الاستراتیجی. واضاف لافی الذی شغل الکرسی الفلسطینی فی دائرة الاستخبارات العسکریة فی حینه إن هذا التقییم الذی أعلنه الإطار العسکری للجمهور لیست له قواعد استخباریة. وذکر إن وجهة النظر هذه توافقت مع رؤیة القیادة وشکلت أساسا لسیاسة الحکومة والجیش الإسرائیلی لسنوات عدیدة.

وورث رئیس الوزراء التالی، ارییل شارون، هذه الروایة من باراک، واستخدمها طیلة المرحلة التی سبقت إخلاء غزة. وفشل خلفه أیهود أولمرت فی إصلاح الضرر الذی ترکه باراک، لکنه ترک لنتنیاهو صور عباس وهو یدخل ویخرج من مقر رئیس الحکومة والعلم الفلسطینی یرفرف فی الخلفیة.

واضطر نتنیاهو للتعامل مع رئیس فلسطینی یرتدی بذلة وربطة عنق، ومع رئیس وزراء فلسطینی لم یظهر أی تسامح اطلاقاً مع العنف.

وجعل خطاب الرئیس الأمریکی باراک اوباما فی القاهرة فی مستهل ولایته، الأمور أصعب بالنسبة إلى نتنیاهو بسبب صیغة حل الدولتین والضغط الدولی لتجمید المستوطنات.

التحرک الفلسطینی فی الأمم المتحدة، مع المظاهرات التی نتوقعها بعد الاعتراف بالدولة الفلسطینیة بحدود 1967، هی فرصة عظیمة لحکومة الجناح الیمینی لاستعادة الوضع القدیم والفعال. ومع اقتراب التصویت، فهم یعلنون أنه حتى وإن کان نتنیاهو وافق على تجدید المفاوضات على أساس حدود 1967، فالفلسطینیون مصممون على المضی إلى الأمام فی "خطوة أحادیة" فی الأمم المتحدة وبالتالی، فهذا برهان على أنهم لیسوا شریکا فی عملیة السلام.

عودة الإحتلال الکامل

وتهیئ توقعات وزیر الخارجیة الإسرائیلی أفیغدور لیبرمان بأن التصویت سیعقبه عنف غیر مسبوق وسفک دماء الرأی العام الإسرائیلی لقیام قوات الأمن الإسرائیلیة برد قاس على أی احتجاجات شعبیة فی الأراضی الفلسطینیة. وسیکون نائب رئیس الحکومة موشیه یعالون مسرورا بمساعدة نتنیاهو فی "تلقین الفلسطینیین الدرس الذی لن ینسوه"، وتحدیدا، أن علیهم نسیان ما یتعلق بدولة.

وأرسل یعالون، عندما کان رئیسا لأرکان الجیش الإسرائیلی، الجیش لتدمیر السلطة الفلسطینیة، والتخلص من خطر السلام، وإعادة الجناح الیمینی إلى الحکم. ومع انشغال الجمیع بالعدالة الاجتماعیة، فمن الذی سیلاحظ أثناء ذلک تصدعا آخر على المستوى القومی؟.

هناک عصا أخرى تهدد بها تل أبیب وتترکز على القدس.. القیادة الفلسطینیة تخشى من تنفیذ إسرائیل تهدیداتها غیر المعلنة بالغاء حق الاقامة لحوالی 70 الف مقدسی مقیمین خارج القدس، اضافة لشن بلدیة الاحتلال حملة هدم واسعة لمنازل المواطنین بما فیها حی البستان ببلدة سلوان المجاورة للمسجد الاقصى وابعاد المئات من ابناء المدینة الناشطین فی الحیاة السیاسیة الفلسطینیة.

وقد عبر المحامی احمد الرویضی مستشار دیوان الرئاسة الفلسطینیة لشؤون القدس عن مخاوفه من اقدام إسرائیل على تنفیذ تهدیداتها بشأن المدینة المقدسة ردا على التوجه الفلسطینی للأمم المتحدة، وذلک بهدف خلط الاوراق فی المنطقة. مضیفا "إسرائیل تحاول ان تعمل هذه الاجراءات فی القدس لخلق ردة فعل فلسطینیة وعربیة وبالتالی تحویل الانتباه عن قضیة التوجه للأمم المتحدة".

واضاف الرویضی "التخوف الاکبر هو استهداف المقدسات الاسلامیة والمسیحیة وفی مقدمتها المسجد الاقصى المبارک". 'کلما اقتربنا من سبتمبر کلما کان هناک تصعید فی الاجراءات الإسرائیلیة تحدیدا فی مدینة القدس. خلال شهر أغسطس تم الاعلان عن حوالی 7900 وحدة استیطانیة جدیدة فی المدینة، وهناک قضیة حی البستان تم تأجیلها لشهر تسعة.

ثلاثة تحدیات

ویرى محللون أن الفلسطینیین یواجهون ثلاثة تحدیات رئیسیة فی توجههم الى الأمم المتحدة:

ویتمثل التحدی الأول والأکبر فی الموقف الأمریکی، ووفق المؤشرات المختلفة التی تلقتها الرئاسة الفلسطینیة فی رام الله وبعثة فلسطین فی الأمم المتحدة، فإن الادارة الأمریکیة تتجه الى واحد من خیارین: الأول هو تأجیل بحث الطلب إلى الجلسة السنویة التالیة للأمم المتحدة فی عام 2012، والثانی استخدام "الفیتو".

ویرجح ممثل فلسطین فی الأمم المتحدة الدکتور ریاض منصور أن تعمل الادارة الأمریکیة على المماطلة فی بحث الطلب عبر الاجراءات البیروقراطیة فی المنظمة الدولیة تجنباً لاستخدام "الفیتو".

وأمام تعذر الحصول على عضویة المنظمة الدولیة، تتجه منظمة التحریر الفلسطینیة الى تقدیم طلب ثان الى الجمعیة العامة للأمم المتحدة لرفع مکانة تمثیل فلسطین من منظمة مراقبة الى دولة مراقبة دولة غیر عضو أسوة بمکانة الفاتیکان. ویتطلب الحصول على هذه المکانة الحصول على غالبیة بسیطة فی تصویت یجرى فی الجمعیة العامة أی 50 فی المئة فما فوق من الحضور.

التحدی الثانی هو معادلة لغة الإبتزاز الصهیونیة الأمریکیة، وقد أفاد مسؤول فی وزارة الخارجیة الفلسطینیة إن إسرائیل تستخدم نفوذها ونفوذ جماعات الضغط الیهودیة فی دول العالم لإحباط المشروع الفلسطینی، کما تهدد جمیع الدول التی تقدم لها مساعدات، خصوصا فی الزراعة والصناعات العسکریة، بوقف هذه المساعدات فی حال التصویت لمصلحة فلسطین. وتتلقى کثیر من الدول فی أفریقیا وأمریکا اللاتینیة والکاریبی مساعدات إسرائیلیة. والتهدید بقطع التعاون الإسرائیلی قد یعنی کذلک قطع جزء من الدعم الأمریکی.

وذکر دیبلوماسی فلسطینی إن إسرائیل تستخدم على نحو خاص نفوذ اللوبی الیهودی فی أمریکا للتأثیر على مواقف العدید من الدول، خصوصا الدول الفقیرة التی تتلقى مساعدات أمریکیة.

وفی المقابل، یقوم الفلسطینیون بحملة دولیة ترتکز فقط على عدالة قضیتهم. ورغم إن الدول العربیة قادرة على استخدام لغة المصالح فی إقناع دول العالم التصویت لمصلحة الطلب الفلسطینی، إلا أن جهدا جدیا فی هذا المجال لم یسجل.

ویتمثل التحدی الثالث فی إقناع الجمهور الفلسطینی المتشکک بدعم المشروع. ووضعت القیادة الفلسطینیة خطة لإخراج ملایین الفلسطینیین الى الشوارع فی الیوم الذی سیعلن الرئیس محمود عباس تقدیم الطلب الى المنظمة الدولیة فی 21 سبتمبر. وقال أمین سر اللجنة التنفیذیة لمنظمة التحریر یاسر عبد ربه إن خروج الملایین الى الشوارع فی مسیرات سلمیة تطالب العالم بالاعتراف بدولة فلسطین یشکل عنصر دعم مهماً جدا فی المعرکة الدیبلوماسیة الفلسطینیة، مشیراً الى تأثیر صور التظاهرات الشعبیة على صناع القرار فی العالم.

غباء

کتب المحلل الإسرائیلی ایتان هابر یوم 17 أغسطس فی صحیفة "یدیعوت أحرونوت" "یجب أن تکون غبیا غیر صغیر کی تصدق أن یعید محمود عباس فی الزمن القریب الفلسطینیین الى مائدة المباحثات للمصالحة والسلام مع إسرائیل. ما الذی یدعوه الى ذلک؟ فهو فی غضون زمن قصیر یتوقع أن یصبح "ملک العالم".

إن عشرات الدول والجزء الأکبر منها لم یؤید إسرائیل فی السنین الأخیرة ستصفق له بمساعدة الأمم المتحدة. والقوى العظمى والدول التی احترمت إسرائیل دائما ستسقط أو تغیب عن الابصار. وسیکون من یهمسون على مسامع رون بروشاور ممثلنا فی الأمم المتحدة قوله: قلنا لکم.

إذن، انتهى أمر التصویت والاعتراف فی سبتمبر بالتصفیق والاعلام والجلاجل ومسیرات الفرح فقط، فسنسمع من الهند الى اثیوبیا تنفس الصعداء الذی سیصدر عن رئتی نتنیاهو وباراک ووزراء آخرین فی الحکومة. لم یعتقدوا قط أن یرث أبو مازن مقعد بنیامین زئیف هرتسل، ولم یعتقد أبو مازن ایضا ذلک، على نحو لا یصدق.

لکن ولیتنا نکون واهمین، قد یصبح العشرون من سبتمبر 2011 بالنسبة الینا بالطبع التاسع والعشرین من نوفمبر أو الخامس عشر من مایو بالنسبة للفلسطینیین. واذا حدث هذا فسیبدأ العد من جدید، ونقول مرة اخرى لیتنا نکون واهمین.

لأنه اذا اعترفت 150 دولة فی العالم بدولة فلسطینیة فسینهض أبو مازن ورفاقه بعد دقیقة من الاعلان والاعتراف لیقولوا لنا: الآن یا سادة لا نسألکم أی شیء. قد وافقنا على دولة منزوعة السلاح لکننا منذ الآن دولة مستقلة یحق لها أن تفعل ما یخطر ببالها: سنستورد صواریخ وقذائف صاروخیة ومدافع وکل ما نشاء.

سیبقى فیما سیعرفه الفلسطینیون بأنه دولتهم، سیبقى الجیش الإسرائیلی والمستوطنات. ولن یفعل ملایین الفلسطینیین فی الضفة الغربیة "هکذا سموا هذه المنطقة قبل ان تسمى یهودا والسامرة" وفی قطاع غزة شیئا ولا نصف شیء لمواجهة دولة إسرائیل. ولماذا یفعلون؟ سیبدأون فقط "نضالا شعبیا" للجیش الإسرائیلی والمستوطنات الواقعة فی رأیهم داخل الدولة الفلسطینیة التی اعترفت بها 150 دولة.

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143278







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)