جریمة إسرائیل الاخیرة فی سیناء ..إختبار مهم لمصر الثورة
شحاتة عوض
رغم ما أثارته الجریمة الاسرائیلیة الأخیرة فی سیناء والتی أستشهد خلالها عدد من الجنود المصریین على الحدود المصریة فی سیناء ، من وجع فی قلوب المصریین فان هذه الجریمة کانت فی ظنی هدیة من السماء للمصریین وثورتهم التی تمر حالیا بمفترق طرق بالغ الحساسیة والأهمیة . نعم کانت هذه الحادثة هدیة عظیمة للمصریین لکی یعدلوا البوصلة مرة اخرى ویوحدوا صفوفهم مجددا صوب عدو واحد وحید معروف منذ زمن لا سیما بعد أن اخذت منهم المعارک الوهمیة تارة والمفتعلة تارة أخرى، کل مأخذ فاجهدتم وأجهدت ثورتهم . وبالقدر نفسه کانت هذه الجریمة أختبارا حقیقیا لمصر الثورة من جانب الکیان الإسرائیلی لمص الجدیدة التی تتکون من رحم ثورة 25 ینایر ، وفی ظنی أنها نجحت فیه نجاحا باهرا ، فلم تذهب دماء هولاء الشهداء الأبرار الذین قضوا برصاص الغدر والخسة هدرا، بل کانت مدادا نبیلا طاهرا یکتب به المصریون صفحات جدیدة ومجیدة من تاریخهم الراهن بعد نجاح ثورتـهـم الـعـظیمة فی الاطاحة بمبارک ونظامه الفـاسد الـذی رهن مصر وإرادتها لدى الامریکان والغرب وجعل من هذه الدولة الکبرى العملاقة قزما لا یخشاه أحد ولا یهابه عدو.
هذا النجاح یمکن رصده فی مجموعة الرسائل التی حملتها التداعیات التی إفرزتها هذه الجریمة الإسرائیلیة ، وهی رسائل بالغة الأهمیة والعمق وجهها المصریون حکومة وشعبا لکل من یعنیهم الأمر فی الداخل والخارج. أهم هذه الرسائل کانت لاسرائیل ومن یقف خلفها وهی أن مصر ما بعد ثورة 25 ینایر لیست هی قبلها ، وان مبارک ذلک الکنز الاستراتیجی لاسرائیل کما یصفه قادة الکیان الاسرائیلی، ذهب بلا رجعة، وان مصر الثورة لن تسمح بای مساس بسیادتها وترابها وکرامتها ولن تتهاون فی حق او دم أبنائها مهما کان الثمن .ومن هنا کان رد الفعل الرسمی هذه المرة، رغم أنه لم یکن بالمستوى اللائق بالثورة، مختلفا وواضحا، ولاول مرة منذ سنوات طویلة یسمع حکام إسرائیل لغة جدیدة وخطابا مغایرا لما کان یسمعونه من کنزهم الاستراتیجی المفقود الذی لم یکن یحرک ساکنا إزاء العدید من الحوادث المماثلة التی سقط خلالها شهداء مصریون برصاص العدو الاسرائیلی. لکن الأکثر بلاغة فی هذه الرسالة کان رد فعل الشعب المصری الذی کان الأکثر حضورا وتعبیرا عن الموقف الحقیقی لمصر الثورة التی تضع کرامة هذا الوطن وشعبه وترابه فوق کل إعتبار ومخاطر .وکان مشهد المصریین الغاضبین امام مقر سفارة اسرائیل ومشهد ذلک الشاب الرائع أحمد الشحات، على رمزیته، وهو یتسلق البنایة الشاهقة المکونة من 22 طابقا معرضا نفسه للموت من أجل ان یسقط علم اسرائیل ویرفع مکانه علم مصر، هو أبلغ رد على الجریمة الاسرائیلیة الاخیرة والتی رأى العدید من الخبراء العسکریین أنها محاولة لاختبار رد فعل مصر الثورة ، وقد جاء هذا الرد قویا ومجلجلا ومؤکدا بأن الأیام التی کان فیها المصریون یقتلون بلا ثمن قد ولت إلى الأبد .
أما فیما یتعلق بمعالجة الحکومة المصریة لتداعیات هذه الجریمة الغادرة فانه یمکن التوقف عند مسألتین بالغتی الدلالة : الاولى حالة الارتباک الرسمی الظاهر والذی تمثل فی تضارب واضح فی بیان مجلس الوزراء خصوصا ما یتعلق بمسألة إستدعاء السفیر المصری فی تل أبیب احتجاجا على هذه الجریمة ، فبینما خلا البیان الحکومی الذی تلاه وزیر الاعلام من أی اشارة لاستدعاء السفیر ، کان البیان المنشور على موقع مجلس الوزرا ء یتحدث عن ذلک وهو ما أوقع وسائل الاعلام والمراقبین فی قدر من الحیرة والبلبلة . هذا الارتباک مرده فی ظنی وجود أکثر من جناح داخل الادارة التی تحکم مصر الان ، جناح یبدو أقرب الى نبض الشارع المصری واکثر انحیازا لمصر الثورة ، وأخر أکثر حذرا فی التعامل مع مثل هذه الازمات وأکثر استعدادا للاستجابة للضغوط الخارجیة وهو فی ذلک أقرب لمنطق النظام السابق منه إلى روح الثورة .أما المسألة الثانیة فهی أن رد الفعل الشعبی کان الاکثر قوة ووضوحا فی المطالبة بالثأر لدماء شهدائنا فی سیناء ، وهو هنا یبدو متسقا مع إختلاف الایقاع حیال قضایا اخرى کثیرة ابین الشارع الثائر ومن یحکمون مصر الان.
أما الرسـالة المهمة الأخرى التی بدت محل إجماع بین المصریین، فکانت إلى الاشقاء فی فلسطین المحتلة وخصوصا فی غزة بأن مـصـر الثورة تقف فی خندق واحد معهم فی نضالهم فی مواجهة الاحتلال الاسرائیلی وان ما کان یحدث فی عهد مبارک ولی بلا رجعة ، وبالتالی فان الظرف الذی تمر به مصر الان یتطلب قدرا کبیرا من التنسیق والتواصل مع مختلف الفصائل الفلسطینیة للحیلولة دون أن تتحول الحدود مع قطاع غزة إلى جرح نازف فی جسد مصر الجدیدة یمکن ینهکها ویمنعها من إستعادة عافیتها ، سواء من خلال بعض الاعمال غیر المحسوبة او من خلال السماح لبعض القوى ذات الفکرالفاسد بالتسلل لسیناء وإرتکاب اعمال أبعد ما تکون عن تحقیق مصلحة مصر أوالفلسطینیین ولن تصب إلا فی صالح إسرائیل فی النهایة.
فالفلسطینیون فی حاجة إلى مصر عفیة قویة قادرة ولیس لمصر ضعیفة منهکة .
وفضلا هذه الرسائل فان الجریمة الإسرائیلیة حملت فی طیاتها خیرا کثیرا ، فقد شکلت فرصة لتأکید أن المصریین مهما فرقتهم سبل السیاسة ودروبها فإن ما یجمعهم على قلب رجل واحد هو أن إسرائیل کانت وتبقى وستظل مصدر الخطر الأکبر على مصر ومستقبلها وأمنها ومصالحها .وهنا تجاوز المصریون خلافاتهم وسجالاتهم الساخنة حول قضایا المرحلة الانتقالیة وتوحدوا خلف شعار الدفاع عن مصر وشرفها وکرامتها. وأعاد مشهد الالاف الذین تجمعوا أمام مقر السفارة الاسرائیلیة من مختلف الطبقات والتیارات السیاسیة ،روح میدان التحریرو روح ثورة ینایر وهو یطالبون بصوت واحد هادر بطرد السفیر وإنزال العلم الاسرائیلی وإستدعاء سفیر مصر فی تل أبیب.
أما النقطة الایجابیة الاخرى لتلک الجریمة التی تزامنت مع أحداث شمال سیناء والهجوم على بعض المنشآت الحیویة والحکومیة ، فکانت عودة سیناء مرة أخرى لقلب الاهتمام الرسمی والشعبی المصری وهو ما نأمل أن یشکل البدایة الحقیقیة لوضع استراتیجیة متکاملة للتعامل مع هذا الجزء العزیز من مصر والذی ضحى المصریون من أجله بدماء غزیرة ذکیة لالاف الشهداء . فطوال حقبة مبارک البائسة إقیمت حدود وحواجز بین سیناء وأهلها وبین باقی ربوع الوطن ، واختزلت سیناء کلها فی بعض المنتجعات السیاحیة فی شرم الشیخ التی إختارها الدیکتاتورالسابق مقرا للحکم . وتحالفت جملة من العوامل الخطیرة التی جعلت سیناء التی تمثل البوابة الشرقیة للوطن فی حالة إنکشاف شبه کامل فی وجه الاختراق ، وهو إنکشاف تمثلت أضلاعه فی القیود التی فرضتها إتفاقیة کامب دیفید على الوجود العسکری والامنی المصری فی مناطق من سیناء ، وفاقم من خطورة ذلک غیاب أی رؤیة لتنمیة هذه المنطقة وإعمارها وتوطین الاف البشر فیها یمکن ان یشکلوا سدا منیعا فی وجه أی محاولة لاجتیاحها حال أی مواجهة محتملة مع الکیان الاسرائیلی .وأکتملت أضلاع مثلث الانکشاف الامنی بترک سیناء وسکانها ، رهینة رؤیة أمنیة ضیقة وغبیة تحولت معها غالبیة سکان سیناء إلى متهمین ومطاردین ما خلق حالة من الثأر ورغبة فی الانتقام لیس من الأمن وحده وإنما من الوطن کله الذی رأوا أنه تنکر لهم ویعاملهم کمواطنین من الدرجة الثانیة .وأضیف الى ذلک کله الموقف الرسمی المتخاذل لنظام مبارک من الوضع فی المأساوی فی غزة والذی خلف مشاعر کراهیة لدى أبناء سیناء وهم یرون اشقائهم فی غزة والذین یشکلون امتدادا قبلیا وعائلیا لهم یعاملون بهذه الطریقة ، ولعل کل هذه الاسباب مجتعمة دفعت البعض لیکن خنجرا فی ظهر الوطن .ومن هنا تبدو أحداث سیناء الاخیرة فرصة ذهبیة لاعادة هموم ومشاکل هذه البقعة الغالیة فی بؤرة الاهتمام .
ولعل النقطة الاهم فی هذا الصدد هی أن الاحداث الاخیرة کشفت بوضوح الحاجة الملحة لمراجعة بنود إتفاقیة تفاقیة کامب دیفید وإعادة النظر فیها لا سیما فیما یتعلق بانتشار القوات المسلحة المصریة فی سیناء بما یضمن لمصر السیطرة على حدودها وتأمین أراضیها .. فلم یعد مقبولا أن یبقى هذا الجزء الغالی من مصر مکشوفا بهذا الشکل أمام بعض الجماعات المتطرفة المغامرة تارة أو الانتهاکات الاسرائیلیة تارة اخرى بما یجعل من سیناء بؤرة توتر خطیرة یمکن أن تشکل عقبة کبرى فی طریق مصر الثورة لاستکمال مسیرتها نحو بناء نظامها الدیمقراطی الحقیقی الذی یمکن أن یشکل نموذجا لکل دول المنطقة. لکن علینا أن نحذر أن یکون ثمن عودة الجیش المصری لبسط سیادته على ربوع سیناء هو أن یکون حــارسا لامن إسرائیل او سجانا للفلسطینیین فی غزة، فلا أظن أن إسرائیل سیسعدها أن ترى الجنود والالیات العسکریة المصریة قرب حدودها، ومن هنا فإن على الجمیع وفی مقدمتهم إسرائیل أن یدرکوا أن إنتشار الجیش المصری فی کل ربوع سیناء مطلب شعبی لکل المصریین بهدف تأمین الوطن وأستعادة السیادة کاملة غیر منقوصة على کل حبة رمل فیه ولیس لحمایة حدود إسرائیل.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS