qodsna.ir qodsna.ir

عن الأنظمة التی لا تخجل

عن الأنظمة التی لا تخجل

عبدالعزیز الخاطر

 

السیاسة بین الحاکم والمحکوم فی عالمنا العربی لا تقوم على عقد اجتماعی حقیقی یحفظ للجانبین حقوقهما، بشکل حضاری، رغم اشکال التعاقد الاجتماعی القائم الیوم مع اختلاف طرق صیاغته بین الطرفین تاریخیا، إلا انه لم یکن یوما عقدا بین متعادلین أو متکافئین. الرقابة فی النظام السیاسی الدیمقراطی تقوم على مراقبة القیم فی أداء النظام، القیم فی شکل أرقام وإنجاز. ما تخوضه شعوب الأمة من صراع مع أنظمتها الیوم، سواء کان حیا معاشا، کما هو واضح فی تونس ومصر، أو ما یعتمل تحت الرماد فی الیمن والاردن أو ما هو مؤجل لحینه فی البقیة الباقیة، یمکن ایجازه فی الآتی:

أولا: قامت الشعوب وتحرکت عندما ادرکت أن هذه الانظمة لا تخجل، لقد وصلت السکین حتى العظم. المراهنة على القیم وحدها من دون رقابة لم یعد ممکنا، والاعتماد على الصلاح الفردی 'نموذج الخلافة الراشدة' لم یعد ممکنا الیوم.

ثانیا: تکدس الثروات یحول الأمر الى ثورات. فالثروات الخیالیة لمرتکبی السلطة فی أنظمتها صادمة لأی شعور إنسانی محتمل لدى الشعوب یتحول معه الإنسان الى شیء، حیث لا یمکن للذات الانسانیة أن تقبله أو تقبلها، أی الثروة، کأرقام فی ظل ما یعایشه الفرد من حطام حوله وبین ارجاء معیشته.

ثالثا: الشعور بالخجل صفه انسانیة مترفعة لیس بالامکان إدراکها بسهولة، وإنما تتطلب تجردا ذاتیا وسموا أخلاقیا کبیرین، أن یأخذ النظام بید الشعب وأن یقوده لا ینفصل عنه أو لا یستعبده أو یستجیره. الامثلة هنا قلیلة، ربما یمکن تصور الشیخ عبدالله السالم ضمن ذلک، حینما وضع دستورا دیمقراطیا تفخر به الکویت وتتمایز به عن غیرها حتى الیوم، یمکن کذلک إدراج سوار الذهب الذی وعد وأنجز فی السودان، ولد الفال کذلک فی موریتانیا.

رابعا: عندما لا یخجل النظام یسلم رقاب الناس لمن لا یخجل من مسؤولین فیأتونه بالتقاریر المزورة والبراهین المدسوسة، ورأینا الیوم کیف تتکشف الحقائق وکلٌ یلقی بالتهمة على الآخر.

خامسا: عندما لا یخجل النظام ینشئ اقتصادا بدیلا یقوم على الخدماتیة والوساطة والوکالة، حیث لا حاجة له بالاقتصاد القومی، فالهدف تقویه النظام فقط.

سادسا: عندما لا یخجل النظام یقوم بإدراج فکرة الحلولیة الصوفیة على قائده وعلى نظامه، فی ما بعد فیصبح غیر البشر فیه تتحرک الارادة الالهیة، فیکتسب بالتالی صفتی الابدیة والنقاء الالهیتین.

سابعا: عندما لا یخجل النظام تصبح الاستفتاءات والانتخابات دلیلا ملموسا على ذلک بأرقامها ونسبها المبسترة التی تتجافى مع الواقع المشاهد والمعاش لکل ذی بصیرة أو نظر.

ثامنا: عندما لا یخجل النظام لا یعترف بالزمن ولا بالعمر ولا بالمرض، وربما ولا بالموت فیبحث عن وریث، والمرأة التی تلده ویتوج قبل یومه لأن الشعب یخجل أن یقول غیر ذلک.

تاسعا: عندما لا یخجل النظام یتصور من الشعب والمجتمع اعتماد الخجل فی ممارساته مع النظام، لا بل ویراهن على ذلک وهنا تمام المفارقة، لا بد أن یخجل الشعب أمام إنجازات الرئیس والنظام، وعطایاه، وکراماته وهباته، وحقه الالهی فی الحکم کقدر من الله.

إن المواجهة الیوم فی میدان التحریر ومدن مصر کلها تأتی لکی تضع حدا بین الإیمان والسیاسة، لا یکفی الإیمان متمثلا فی قیَمه ومعانیه، وفی مقدمتها الخجل والخوف من الله، وغیرهما أن ینشئ نظاما مستمرا ومتواترا، وذلک لاختلاف الأوعیة التی تنساب داخلها هذه القیم وتلک المعانی من النفوس، لابد من السیاسة والرقابة وصوت الشعب وعینه وربما سوطه کذلک، وهو ما تحاول هذه الجموع أن تضعه الیوم على أجندة السیاسة والحکم فی عالمنا العربی. لا یمکن بعد الیوم لنظام أن یتوقع من الشعوب أن تخجل منه، فی حین یقوم باغتصاب حقها فی الوجود والعیش الکریم بلا خجل وبکل صفاقة.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143271