لعبة إسرائیل المکشوفة
جیهان فوزی
جاءت الهجمات الدامیة على الحدود المصریة مع إسرائیل وغزة، لتعزز من تحقیق الأمن الإسرائیلى، بتفتیت العلاقة بین الشعبین المصرى والفلسطینى، رغم أن العلاقة لا ینقصها توترات أخرى هى فى غنى عنها، الوضع المصرى شدید الحساسیة ولا یحتاج إلى المزید من التوترات، والساحة الفلسطینیة تعج بالأحداث المتلاحقة التى لا تعطى الفرصة لالتقاط الأنفاس، بل المزید من القتل والتدمیر والعدوان المتواصل، الذى تنفذه إسرائیل بمهنیة عالیة تفوق مهنیتها فى التحاور والتفاوض لإحلال سلام عادل مع الفلسطینیین.
مصر فى حالة إعادة صیاغة لکل شىء، والمواطن فیها مشغول بالهم الداخلى وما ینتظره من مجهول قادم الأیام، لذا فإن أى منغصات خارجیة لن یلق المواطن لها بالا أکثر من أنها ستزید الفجوة بین الأشقاء، وتعمق الهوة فیصبح التعاطف نقمة والتقارب لعنة.
لم تکن التعلیقات التى ساقها المعلقون على أحداث الحدود الأخیرة سوى کیل اللعنات على الفلسطینین وقضیتهم، وهذا فى حد ذاته هدف ثمین حققته إسرائیل دون أن تبذل أى مجهود، إسرائیل تخشى من التقارب الأخیر الذى حدث بین القیادة المصریة والفلسطینیین، وأغضبها فتح معبر رفح الحدودى غضبا شدیدا لما یشکل لها من خطورة، خاصة مع تلاحم الشعبین فى بوتقة النضال ضد الظلم والفساد والاستبداد ، وسمح هذا التقارب بطریقة أو بأخرى فى الإحیاء الشعبى للقضیة الفلسطینیة المنسیة، إلا من صفحات الجرائد والمیدیا کخبر تکمیلى ممل لنشرة أخبار یومیة عامرة بزخم تفاصیل ما یجرى فى ربیع الثورات العربیة، ولا ننسى ما ینتظر إسرائیل من استحقاق سبتمبر المقبل الذى یقترب یوما بعد یوم، دون أن تحقق إسرائیل ما ترجوه من إجهاض مؤکد لأى انتصار یحققه الفلسطینیون فى اجتماع أممى کهذا، حتى وإن کان هذا الانتصار معنویا لا طائل مادى فیه.
لیس من مصلحة إسرائیل لم الشمل العربى، والتعاطف الشعبى مع القضیة الفلسطینیة، وقد أفزعها التقارب الذى حدث بین الشعبین المصرى والفلسطینى فى ذکرى النکبة ومن بعدها النکسة، ومطالبة الثوار بالزحف الملیونى إلى الحدود، کتعبیر رمزى لروح التعاضد والتضامن مع المحنة الفلسطینیة المستعصیة على الحل، لما یشکله لها من خطورة تدرک أبعادها جیدا، وأفزعها أکثر زحف ثوار التحریر نحو السفارة الإسرائیلیة مطالبین بإغلاقها وطرد السفیر، وهذا لم یکن من الممکن حدوثه فیما مضى، خاصة بعد انهیار النظام البائد الذى کان یحمى أمنها، ویقمع تعاطف شعبه مع الفلسطینیین فى أى مناسبة تخص هذا الشعب، ویحرمه من حق التعبیر عن انتمائه القومى.
کان طبیعیا أن تفکر إسرائیل فى إحداث شرخ فى هذه العلاقة التى لا ترضیها وتهدد مصالحها وماذا أفضل من إراقة الدماء التى تؤلب الفرقاء على بعضهم وتختلط مشاعر التعاطف بالغضب والتراجع، فالالتفات للوطن وأبنائه أعز وأسمى من الاهتمام ببعده العروبى والقومى، فى ظروف استثنائیة تعیشها مصر على کافة المستویات، وفى وقت هى فى غنى عن فتح جبهات جدیدة لا تنقصها.
أرادت إسرائیل من خلال العملیة العسکریة التى نفذتها على الحدود المشترکة مع سیناء أن تضرب أکثر من عصفور بحجر واحد، وتبعث برسائل وإشارات للشعب المصرى تحذره من تعاطف، الرهان علیه سیکون خاسرا، لأن ثمنه باهظ جدا هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخرى تحاول إسرائیل إلهاء شعبها بعد أن تمرد على حکومته التى فشلت فى فض "ثورة الخیام " المطالبة بالعدالة الاجتماعیة، واتسعت أصداؤها فى جمیع البلاد الأمر الذى أصبح مزعجا للحکومة والأحزاب الیمینیة المتطرفة التى لا یرضیها تقلیص میزانیة الجیش مقابل توفیر السکن وتخفیض الأجور، فأرادت الحکومة الإسرائیلیة أن تظهر مدى أهمیة تسلیح جیشها لحمایة أمنها وحدودها المعرضین للخطر فى کل الأوقات من أى باغ، والهدف الثالث التى أرادت تحقیقه أن تبعث برسالة للقیادة المصریة مؤداها أن الحدود غیر آمنة، وباستطاعتها اختراقها فى أى وقت ترى فیه مصلحتها الأمنیة والاستراتیجیة، وأن الذى سیدفع الثمن هو من فتح الحدود للإرهابیین الفلسطینیین وعلیهم أن یتحملوا نتائج أفعالهم.
ربما نجحت إسرائیل فى تحقیق بعضا من أهدافها، غیر أن الأهداف الاستراتیجیة الثابتة لا تقبل المساومة، مهما مرت النوائب على الشعوب ودفعت ثمنها غالیا، فالأوطان تستحق التضحیات من أجلها، ومخططات إسرائیل أصبحت مکشوفة رکیکة الحبکة، ورغم فداحة الخسائر وسقوط الشهداء والجرحى، لابد أن یبقى موقفنا ثابتا أمام الصلف الإسرائیلى فى عدم التنازل عن حقوقنا، حتى لا یتکرر ما کان یحدث فى الماضى من إهدار لکرامة الوطن والمواطن.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS