الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

خیار الوصایة الدولیة أم خیار العضویة؟!

 

ناجی صادق شراب

 

الخیار هو أحد الحلول من بین حلول کثیرة أکثر قابلیة للتطبیق والتنفیذ. والمقصود بذلک أن العبرة لیس فی تبنی خیار معین، بقدر إدراک، أولا القدرة على تنفیذه، وثأنیا تاثیر هذا الخیار وتداعیاته على تغییر السلوک السیاسی للآخرین، ومن ثم لیس بالضرورة أن یتحقق هذا الخیار بالکامل، ولکن المهم أن یحدث تأثیرا وتعدیلا وتغییرا فی السلوک السیاسی للأطراف المعنیة.

فی الحالة الفلسطینیة الخیارات کثیرة ومتنوعة ومتعددة بحکم طبیعة القضیة الفلسطینیة وتعدد مکوناتها وأبعادها الإقلیمیة والدولیة، ومن هنا أهمیة التأکید أن الخیارات لیست مجرد اختیارات فردیة، ولیست مجرد قرار سیاسی یتخذ، ولکنه نابع من فهم وإدراک عمیق بمکونات القضیة الفلسطینیة.

ومن مظاهر الضعف الفلسطینی فی التعامل مع خیارات القضیة الفلسطینیة: أنهم أولا لم یحسنوا توظیف أو الربط بین خیار ما وعامل الزمن والوقت، کما حدث فی ذهابهم لخیار المفاوضات، ذهبوا وهم فی أضعف حالاتهم، والنظام الإقلیمی العربی مفکک ضعیف فی حین إسرائیل الطرف الأقوى فی هذه المعادلة.

وثانیا، لم یحسنوا الربط والتوفیق بین الخیارات، متناسین أن قوة أی خیار مرتبطة بالخیارات الأخرى، وهذا ینطبق على خیاری المقاومة والمفاوضات. فخیار "إما.. وإما.." لا یجدی، بل من شأنه أن یضعف من قوة الخیار الآخر.

وثالثا، أعطوا أولویة لخیار السلطة والحکم على أی خیار آخر، بمعنى توظیف الخیارات المتاحة لخدمة خیار بقاء السلطة وهذا تفکیر خاطئ، وکان الأجدر ربط خیار السلطة بما یخدم الخیارات الأخرى.

ورابعا، لم یتعاملوا مع خیار الشرعیة الدولیة بشکل فعلی ومنتظم، وهم من أهمل هذا الخیار على أهمیته کأساس شرعی لأی مطالب فلسطینیة، فلا یصح التعامل مع هذا الخیار بطریقة موسمیة، فهو خیار تراکمی، ویفترض التعامل معه بشکل مستمر ودائم حتى تبقى المسؤولیة الدولیة قائمة، وتحمیل کافة الدول الکبرى مسؤولیتها فی استمرار القضیة.

وخامسا، أین هو خیار المسؤولیة الدولیة والأوروبیة خصوصا فی نشوء واستمرار القضیة الفلسطینیة، والثمن السیاسی الکبیر الذی تحمله الفلسطینیون فی حل المشکلة الیهودیة؟

ومن النقاط المهمة فی أی خیار توفیر کل عناصر القوة الممکنة والفعلیة له، وهذا أیضا لم ینجح الفلسطینیون فی توفیره، لا فلسطینیا بحالة الإنقسام، ولا عربیا بضعف النظام الإقلیمی العربی وتراجع القضیة الفلسطینیة من الأجندة القومیة لهذا النظام لحساب أولویات القطریة العربیة، ولا دولیا بالتحول فی میزان القوى الدولی لحساب الولایات المتحدة الحلیف الإستراتیجی لإسرائیل.

هذه الملاحظات لا بد من التذکیر بها والفلسطینیون یتهیأون للذهاب إلى للأمم المتحدة لعلهم ینجحون فی انتزاع قرار دولی بقبول فلسطین دولة عضوا فی الأمم المتحدة.

ونتساءل هل الذهاب هو مجرد قرار رئاسی، أم قرار على مستوى اللجنة التنفیذیة لمنظمة التحریر؟ ألیس القرار فی حاجة إلى توفیر کل عناصر القوة له؟ وهل الفلسطینیون فی أحسن حالاتهم الآن؟ وهل الدول العربیة فی أقصى قوتها للتأثیر على سلوک الدول الأعضاء فی الأمم المتحدة للتغلب على الفیتو الأمریکی الذی یقف فی وجه کل قرارات الشرعیة الدولیة الخاصة بفلسطین؟ وهل فکّر صانع القرار فی احتمال الفشل، وفی مرحلة ما بعد الذهاب إلى الأمم المتحدة؟

ولیکن معلوما أن معرکة الشرعیة الدولیة طویلة وتحتاج إلى وقت وجهد ومال وعمل دبلوماسی کفء، وتضافر وتعاون دبلوماسی حثیث بین الدبلوماسیة الفلسطینیة والعربیة والإسلامیة والصدیقة.

وباختصار شدید، الفلسطینیون لا یملکون القوة اللازمة، لأن عناصر هذه القوة بید غیرهم، ولم یعد لهم نفس التأثیر على سیاسات الدول العربیة.

والأمر الذی یدعو للغرابة أیضا أن الفلسطینیین لیست لدیهم رؤیة واضحة لخیار الذهاب إلى الأمم المتحدة إلا بالتأکید دائما على الذهاب إلى الأمم المتحدة، فهذا لا یکفى على الإطلاق، والمرحلة الأولى فی هذه المعرکة الطویلة هی فی تدارس ومعرفة السلوک السیاسی للدول الأعضاء فی داخل الأمم المتحدة، ومعرفة وزن القوى والتکتلات الدولیة داخلها، ومعرفة أن الولایات المتحدة تملک القدرة فی التأثیر على أصوات عدد کبیر من الدول الأعضاء مما قد یحول دون نجاح هذا الخیار.

وهنا قد یقول قائل هل معنى ذلک أن لا نذهب إلى الأمم المتحدة؟ هذا غیر صحیح، الذهاب إلى الأمم المتحدة یعنی الذهاب إلى الشرعیة الدولیة کلها، ومن ثم یحتاج الأمر إلى خیار تفعیل کل قرارات الشرعیة الدولیة. ومن بین هذه الخیارات خیار وضع فلسطین تحت الوصایة الدولیة، وهذا الخیار هو الذی یحقق خیار العضویة لفلسطین، ویستلزم هذا الخیار فی حال فشل خیار العضویة حل السلطة بکل مؤسساتها، وإعلان أن خیار المفاوضات لم یعد یجدی، وبالتوازی تفعیل خیار المقاومة السلمیة والشعبیة داخلیا وخارجیا.

والسؤال، ما أهمیة خیار الوصایة الدولیة؟ ولیکن معلوما أن نظام الوصایة الدولیة هو الذی قد حل محل نظام الانتداب الدولی الذی تبنته عصبة الأمم، والذی بموجبه وضعت فلسطین تحت نظام الانتداب رقم "أ" وهی الدول الأکثر تقدما وتأهیلا لنیل استقلالها، لکن لاعتبارات دولیة حالت بریطانیا دون تطبیق وتنفیذ هذا النظام على فلسطین، وذهبت إلى عرض القضیة الفلسطینیة على الأمم المتحدة التی أصدرت القرار رقم 181 والذی بموجبه قامت إسرائیل کدولة لها کامل العضویة فی الأمم المتحدة، ولم تقم الدولة الفلسطینیة تحت ذریعة رفض القرار المذکور. وکان الأجدر فلسطینیا أن توضع فلسطین تحت نظام الوصایة الدولیة، ومن ثم یتحمل المجتمع الدولی مسؤولیته فی إنهاء الإحتلال الإسرائیلی وقیام الدولة الفلسطینیة، لأن قیامها مسؤولیة دولیة.

وفی ضوء کل ذلک، على الفلسطینیین أن تکون لدیهم رؤیة واضحه وکاملة لکل الخیارات، والربط بینها جمیعا- وهذا ما أردت أن أوضحه- أن تکون السلطة فی خدمة الخیارات الأخرى. ویبدو أن أحد أهداف قیام السلطة هو إدارة المفاوضات، وحیث إن خیار المفاوضات قد فشل، فمن ثم تکون السلطة قد فقدت أحد مبررات وجودها، وقد یقاطعنى البعض ویقول ألیست السلطة ووجودها أحد مبررات قیام الدولة أو هی شرط مسبق؟ نعم لا خلاف على ذلک، لکن المقصود هو حل السلطة السیاسیة ولیس تفکیک بنیة السلطة التی ستبقى قائمة کبنیة تحتیة. لکن المطلوب هو تحمل الأمم المتحدة مسؤولیتها الدولیة فی إنهاء الاحتلال. وأما الفلسطینیون فلهم خیاراتهم الموازیة الداعمة لتنفیذ هذا الخیار.

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 143263







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)