السید أردوغان.. لست وصیا علینا!
زیاد أبو شاویش
رئیس وزراء ترکیا العتید رجب طیب أردوغان أطل علینا بوجه مکفهر رسم علیه علامات الجد والکبر لیقول إن صبره قد نفد وإن بلاده لن تستمر فی صمتها إزاء ما یجری فی سوریة وإنه سیرسل وزیر خارجیته الثلاثاء لیبلغ القیادة السوریة رسالة حازمة من حکومته تجاه ما أسماه قمع السلطات السوریة لشعبها، وإنها أی ترکیا لن تقف مکتوفة الأیدی إزاء الأذى الذی یلحق بالشعب السوری الذی وصفه أردوغان بالقریب والصدیق...الخ.
حسناً فعلت الرئاسة السوریة حین کلفت السیدة بثینة شعبان الناطقة باسم الرئاسة السوریة لترد على هذه التصریحات بالقول إن سوریة ستسمع المبعوث الترکی کلاماً أشد حزماً إن تجرأ أوغلو على الحدیث بما لا یخص ترکیا فی الشأن الداخلی السوری.
الحقیقة أننا تابعنا عن کثب تطورات الموقف الترکی إزاء عدید من القضایا العربیة، وکنا نشجع ونشکر ترکیا ورئیس وزرائها على مواقفهم الداعمة للقضیة الفلسطینیة والحقوق العربیة، على هشاشتها وقلة تأثیرها الحقیقی على مجریات الصراع مع الکیان الصهیونی الذی ما زالت تربطه علاقات وطیدة مع ترکیا على غیر صعید وخاصة العسکریة والأمنیة والاقتصادیة.
احترمنا موقف أردوغان حین غادر مؤتمر دافوس احتجاجاً على حدیث رئیس الکیان الصهیونی شیمون بیریز ورأینا فیه رداً أفضل من موقف جامعتنا العربیة الذی مثله بشکل مخزی فی حینه عمر موسى أمین عام الجامعة آنذاک. هتفنا للرجل ورحبنا به أینما حل وارتحل قبل أن یبدأ فی الانحناء أمام الضغوط الأمریکیة الإسرائیلیة لإعادة علاقات بلاده مع العدو الإسرائیلی إلى سویتها السابقة، وهکذا بدأنا نلحظ ذلک بعد تسویة الخلافات الناجمة عن العدوان الإسرائیلی على سفن الدعم الترکیة لتخفیف الحصار عن غزة وقتل عدة مواطنین أتراک متضامنین دون أن تعتذر حکومة تل أبیب أو تقدم تعویضات.
لم ندن السلوک الترکی والتمسنا لهم ولرئیس وزرائهم العذر، لکننا لم نتوقع أن تصل الجرأة بالسید أردوغان لیتصور نفسه وصیاً علینا وعلى قضایانا فیصرخ ویهدد القیادة السوریة والحکومة بأن صبره على وشک النفاد، لأن هذه لغة تهدیدیة لا یجوز استعمالها بین دول غیر صدیقة أو جارة، فما بالک بالجارة الأقرب والدولة التی ترتبط معها ترکیا بعشرات الاتفاقیات السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة وما یختزنه التاریخ من أواصر القربى بین الکثیر من أبناء الشعب السوری ومواطنین أتراک فی عدة مناطق ترکیة من بینها لواء الاسکندرون الذی تحتله ترکیا منذ سبعین عاماً ونیف؟!.
کان یمکن فهم أن یقول السید أردوغان إنه یشعر بالقلق إزاء الخسائر البشریة وغیرها مما یقع فی البلد الجار سوریة، کما یفعل عادة الزعماء المتزنون تجاه أزمات کبیرة وتهم بلادهم، أو أن یقدم مقترحات للتهدئة ویدعو إلیها کما یفعل الحلفاء وهو الذی قال إن بلاده حلیف استراتیجی لسوریة ذات یوم، لکن أن تنتفخ أوداجه بکلمات أتاتورکیة تذکر بأیام الاستعمار الترکی البغیض فهذه فجاجة غیر مقبولة تحت أی مبررات أو شعارات.
یجب أن یعلم السید أردوغان وغیره من قادة الدول أن ما یجری فی سوریة هو شأن داخلی یتدخلون فیه بقدر ما تسمح به الأعراف والقانون الدولی والعلاقات الدبلوماسیة، ولیسوا أحرص على أمن سوریة وحیاة شعبها من الذین یعیشون بها ولیترکوا سوریة تطبب جروحها وتعالج أزمتها بالطریقة التی یراها الشعب السوری والقیادة السوریة مناسبة وتلبی حاجة الشعب، ومن یملک وسیلة لدفع الحل السلمی وتجنیب السوریین القتل والاشتباک فلیتفضل باقتراحات منطقیة ومتوازنة.
هناک ملاحظات على أداء الحکومة السوریة فیما یخص معالجة المشکلة الراهنة، وهذه یتناولها المعارضون والمؤیدون بشجاعة وبشفافیة بحثاً عن أفضل الحلول ولا بد من وضع حد لکل هذا الدمار والفوضى والقتل، لکن هذه الملاحظات على أداء الدولة والحکومة لا تلغی وجود مجموعات مقاتلة ترفع السلاح فی وجه الحکومة وتقاتلها وتقتل من جیشها وشرطتها بطریقة وحشیة انتقامیة یقع ضحیتها أناس أبریاء یلتزمون أوامر قادتهم.
کان على السید أردوغان توخی الحذر وهو یتناول الشأن السوری، ویکفی أنه سجل على نفسه وبلده إیواءها للمعارضین السوریین ومؤتمراتهم التی اتسمت کلها بالعداء للقیادة السوریة وللحل السلمی للصراع، وکذلک متاجرته باللاجئین السوریین الذین اضطروا لدخول ترکیا هرباً من العنف الذی طال مناطقهم خلال الفترة السابقة.
ترکیا بلد جار وصدیق لسوریة، وتجمع البلدین أواصر کبیرة وتاریخیة، ومن الأفضل للدولتین وللشعبین التزام الاتفاقات الموقعة واحترام سیادة کل بلد على أرضه وشؤونه الداخلیة، ولا داعی أن یذکرنا السید أردوغان عبر تصریحات فوقیة وغیر متوازنة بالماضی الألیم للاستعمار الترکی العثمانی لبلادنا، ومن المستحسن أن لا یرسل وزیر خارجیته إن کان سیبلغ سوریة بهذه التصریحات الاستفزازیة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS