الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

المقاومة الفلسطینیة ومقتضیات الحکمة

 

 

حزب الله أول طرف عربی یلحق هزیمة حقیقیة ﺒ"إسرائیل" ویمرغ أنفها فی التراب

 

صالح النعامی

 

تشهد "إسرائیل" هذه الأیام حرکة احتجاج جماهیریة غیر مسبوقة، حیث یطالب مئات الآلاف من الشباب الإسرائیلی الحکومة الیمینیة برئاسة بنیامین نتنیاهو بحل مشکلة السکن، التی أصبحت المعضلة الرئیسة التی یواجهها معظم الصهاینة.

شیئا فشیئاً تتسع دائرة الاحتجاجات -التی أصبح یطلق علیها "ثورة الخیام"- لتطال قطاعات اجتماعیة ومهنیة عریضة فی المجتمع الإسرائیلی. لأول وهلة یبدو أن هذه الاحتجاجات شأن إسرائیلی داخلی، لکنها فی الواقع تمس فی الصمیم الصراع بین الکیان الغاصب والشعب الفلسطینی. فقد قدم المتظاهرون لائحة اتهام للمشروع الاستیطانی الصهیونی فی الضفة الغربیة، حیث إن الکثیر من النخب المسؤولة عن تنظیم هذه الاحتجاجات اعتبرت أن المعضلات الاقتصادیة التی تعانی منها کل من الطبقة الوسطى والفئات الفقیرة فی المجتمع الصهیونی ناجمة عن توجیه الدولة استثمارات هائلة للمشروع الاستیطانی فی الضفة الغربیة. ولم یفت هؤلاء أن یذکروا الرأی العام الصهیونی بأنه فی الوقت الذی یحصل المستوطن على شقته السکنیة تقریباً بالمجان، فإن متوسط سعر الشقة السکنیة داخل "إسرائیل" یصل إلى نصف ملیون دولار، وهذه کلفة کبیرة جداً حتى فی کیان یبلغ معدل دخل الفرد السنوی 19 ألف دولار.

الیمین فی حالة دفاع عن النفس

لقد أصبح الیمین فی "إسرائیل"، وتحدیداً قادة المستوطنین فی حال دفاع عن النفس، وغدوا یقطعون اللیل بالنهار وهم یحاولون مواجهة حرکة الاحتجاج التی باتت تهدد شرعیة الاستیطان الیهودی فی الضفة الغربیة.

لقد أخذت هذه الاحتجاجات نتنیاهو والنخبة الیمینیة الحاکمة على غرة، حیث أبرزت حجم الفاتورة التی یدفعها الصهاینة لقاء تواصل وتعاظم المشروع الاستیطانی، فی الوقت الذی تتعدد مظاهر الأزمة الاقتصادیة التی تحیاها أغلبیة الصهاینة الذین یقطنون داخل الخط الأخضر.

أدرک نتنیاهو أن الاحتجاجات الجماهیریة الواسعة وغیر المسبوقة تمثل تحدیاً هائلاً لخطاب الیمین الإسرائیلی الکلاسیکی، ذی النزعة الشعبویة، الذی حافظ على تماسک قوامه حتى الآن بسبب اللامبالاة التی أبداها الرأی العام الصهیونی تجاه ما یحدث فی الضفة الغربیة. وبات نتنیاهو ومعه قادة الیمین یعون أن تواصل هذه الاحتجاجات سیحرج الیمین ویرسم الکثیر من علامات الاستفهام حول صدقیة خطابه.

ولم تنحصر تداعیات الثورة الاجتماعیة على إثارة الجدل حول دور المستوطنات فی التسبب بالضائقة الاقتصادیة والاجتماعیة، بل إن هناک مؤشرات تدلل على أن الحکومة الإسرائیلیة ستکون مضطرة لإلغاء تمویل العدید من المشاریع العسکریة التی کان ینظر إلیها کمشاریع حیویة بالنسبة لجیش الاحتلال وآلة قمعه، وذلک لکی یتم تمویل الکثیر من الخدمات التی وجدت أنه علیها تقدیمها للطبقة الوسطى والطبقات الفقیرة.

لقد أسهمت "ثورة الخیام" فی الواقع فی تآکل مکانة "إسرائیل" الدولیة، إذ تثبت للعالم بأنه -بخلاف الانطباع الذی یحاول نتنیاهو بلورته تجاه العالم- فإن المشروع الاستیطانی لا یحظى بتأیید الأغلبیة الساحقة من الإسرائیلیین، وهذا یشجع الکثیر من الأطراف الدولیة على ممارسة الضغوط على الحکومة الصهیونیة، فی نفس الوقت فإن الاحتجاجات الجماهیریة تحرج القوى الدولیة المنحازة مع "إسرائیل" بکل ثمن، سیما الولایات المتحدة. ففی أعقاب هذه الاحتجاجات، فإن قدرة الإدارة الأمریکیة على تغطیة تواطئها مع "إسرائیل" ستکون محدودة للغایة.

صواریخ غزة والاحتجاجات

فی هذه الظروف العصیبة للیمین وقادة المستوطنین، فإنه من الطبیعی أن یسعى نتنیاهو جاهداً لتوظیف کل ما من شأنه إبعاد قضیة المستوطنات، وحجبها عن الجدل الجماهیری العام، فالیمین الإسرائیلی یتلهف لأن ترکز وسائل الإعلام الصهیونیة على قضیة أخرى غیر الاحتجاجات وتأثیر المستوطنات السلبی على الواقع الاقتصادی والاجتماعی، وذلک للحد من قدرة النخب التی تنظم الاحتجاجات على طرحها کدلیل إثبات على عقم سیاسات الحکومات الإسرائیلیة المتعاقبة.

وللأسف الشدید، فإنه على ما یبدو أن الطرف الذی تحرک لإسعاف نتنیاهو وإنقاذ المستوطنات کان تحدیداً -ویا للمفارقة المفجعة- الفلسطینیون. فبدلاً من أن تواصل وسائل الإعلام الإسرائیلیة الترکیز على الاحتجاجات الجماهیریة التی تجتاح الکیان الصهیونی، ویتعاظم معها الدفع بقضیة المستوطنات إلى بؤرة الجدل الداخلی الصهیونی، ما یفاقم أزمة الیمین الصهیونی ویبرز تهاوی خطابه السیاسی، بدلاً من هذا کله یصر بعض الفلسطینیین على أن یقدموا -وعلى طبق من فضة- حبل النجاة لنتنیاهو وللیمین الصهیونی من بعده، وذلک خلال إطلاق بضع قذائف صاروخیة على جنوب الکیان الصهیونی، لتعود لصدارة الاهتمام الإعلامی الصهیونی، وتمنح الفرصة مجدداً لنتنیاهو لیثبت للرأی العام الصهیونی أن المشکلة لا تکمن فی المستوطنات، بل فی المقاومة الفلسطینیة التی عادت لتهدد العمق الإسرائیلی.

ومن نافلة القول أن عملیات إطلاق القذائف الصاروخیة من غزة ستتیح لنتنیاهو إصدار الأوامر بردود عسکریة لاستعادة شعبیته المنهارة، وفی حال تدهورت الأوضاع الأمنیة أکثر، فإن نتنیاهو سیرى فی ذلک فرصة حیاته، حیث سیتمکن من مقارعة النخب المسؤولة عن تنظیم الاحتجاجات بالقول: "یتوجب على الإسرائیلیین التوحد خلف الحکومة عندما تواجه التهدید الخارجی".

"إنجازات" نتنیاهو بأیدی الفلسطینیین!

وإلى جانب إزاحة المستوطنات عن الجدل الجماهیری، فإن إطلاق القذائف من قطاع غزة یحقق جملة من الأهداف أشار إلیها صراحة وزیر التهدیدات الاستراتیجیة فی الحکومة الصهیونیة موشیه یعلون قبل شهر فی تصریح هام جداً. وإن کان ثمة أحد معنی حقاً بمقاومة الاحتلال، فعلیه أن ینصت جیداً لما قاله یعلون واستخلاص العبر منه، حیث أشار یعلون أن إطلاق القذائف من قطاع غزة یمکن "إسرائیل" من تحقیق الأهداف التالیة:

1- السماح للجیش الإسرائیلی بتنفیذ المخططات التی سبق أن وضعها لضرب البنى التحتیة للمقاومة، سیما معسکرات التدریب والأنفاق التی تعتقد "إسرائیل" أنها تستخدم فی تهریب السلاح والوسائل القتالیة.

2- مراکمة المسوغات لشن حملة عسکریة واسعة على القطاع فی الوقت الذی تراه "إسرائیل" مناسباَ.

3- تقلیص هامش المناورة أمام المنظمات الدولیة التی تسعى لرفع الحصار عن غزة، والإثبات للعالم أنه یتوجب مواصلة فرض الحصار على القطاع على اعتبار أن ذلک مصلحة استراتیجیة لا یقتضیها الأمن الإسرائیلی فحسب، بل استقرار المنطقة برمتها.

4- تحسین مکانة "إسرائیل" الدولیة وتقلیص الضغوط التی قد تفرض على "إسرائیل" لحثها على تقدیم تنازلات.

ولا یفوت یعلون أن یذکر الجمیع أن موازین القوى التی تمیل لصالح "إسرائیل" بشکل جارف یمکنها من إلحاق الأذى بشکل کبیر بالمقاومة الفلسطینیة.

تجربة حزب الله

لقد کان حزب الله أول طرف عربی یلحق هزیمة حقیقیة ﺒ"إسرائیل" ویمرغ أنفها فی التراب، وهو حرکة المقاومة، التی تؤکد الاستخبارات الأمریکیة، أنها تملک من القوة العسکریة ما لا تتمتع به دول بأکملها. لکن حزب الله لم یحدث أن أطلق صاروخاً واحداً على "إسرائیل" منذ أن وضعت حرب لبنان الثانیة أوزارها، رغم أن ما فی ترسانته من الصواریخ یبلغ عشرات أضعاف ما تملک المقاومة الفلسطینیة. وحتى عندما اغتالت "إسرائیل" قائد الذراع المسلح فی الحزب عماد مغنیة لم یبادر الحزب لإطلاق الصواریخ. فشتان بین طرف توجهه ضوابط الوعی والحکمة والحسابات الباردة، وبین أطراف طلقت هذه الضوابط طلاقاً بائناً، واستلبت بدلاً من ذلک للمناکفات والاعتبارات البائسة.

من أسف، فی الوقت الذی یتعلم الصهاینة من ثورات التحول الدیمقراطی التی تجتاح العالم العربی ویغیرون من أنماط سلوکهم، یصر البعض فی فلسطین على التشبث بأسباب الضیاع والتیه والعدمیة.

من هنا یتوجب على القوى الحیة والمؤثرة فی فلسطین إعادة تقییم وسائل المقاومة وظروفها الزمانیة والمکانیة والموضوعیة، علاوة على أشکالها حتى لا تنقلب سهما مرتدا إلى صدر الشعب وقضیته، وحتى لا تکون صواریخ غزة -هی بالذات- التی تسارع لإنقاذ مستوطنات الضفة.

ن/25

 

 

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143258







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)