الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الفلسطینیون فی مواجهة الإسرائیلیین سکاناً

 

الدکتور مصطفى یوسف اللداوی

 

 

منذ ثمانینیات القرن التاسع عشر وقادة الحرکة الصهیونیة یحلمون بأرض فلسطین خالیة من سکانها العرب، فی الوقت الذی بدأت فیه أفواج المهاجرین الیهود الأولى تصل إلى فلسطین وتستوطن فیها، وتشتری آلاف الدونمات بمساعدة الوکالة الیهودیة وعشرات الأثریاء الیهود، وتبنی فیها عشرات التجمعات السکنیة، وقد کانوا یسابقون الزمن وهم یحاولون زیادة أعدادهم، ومضاعفة مستوطنیهم فی مختلف المدن الفلسطینیة، فحلم إسرائیل کان ومازال المزید من الأرض، والقلیل من السکان العرب، والکثیر من السکان الیهود، فقد أدرکوا أن الإنسان الیهودی هو عماد مشروعهم الاستیطانی، وأنه بدون المهاجر الیهودی فلن تکون لهم دولة إسرائیلیة فوق الأرض الفلسطینیة، ولن یتمکنوا من إعمار الأرض التی یسیطرون علیها، کما لن یتمکنوا من حمایتها والحفاظ علیها تحت سیطرتهم، فقد کانوا یدرکون أنهم فی مواجهة شعبٍ وأمةٍ أکثر عدداً منهم، وأکثر ارتباطاً بالأرض والمقدسات منهم، ولهذا انصبت کل مشاریعهم الاستراتیجیة على تفریغ فلسطین من سکانها العرب، وجلب مئات آلاف الیهود للاستیطان مکانهم، والسیطرة على أرضهم وإعمارها وصبغها بالصبغة الیهودیة، وشطب هویتها العربیة التاریخیة الأصلیة عنها.

اعتمدت الحکومات الإسرائیلیة المتعاقبة، وقادة الجیش الإسرائیلی، ومختلف قادة القطاعات العسکریة فیه سیاسة التهجیر وطرد السکان الفلسطینیین من أرضهم، فاتبعت معهم سیاسة الأرض المحروقة، فدمرت بیوتهم وبساتینهم وممتلکاتهم، وأقدمت على ارتکاب مئات المجازر الجماعیة بحقهم، ولاحقت رجالهم وشبابهم، وعمدت إلى جمعهم فی المدارس والساحات العامة وقتلهم بدمٍ بارد، فی الوقت الذی کانت تسهل للسکان مغادرة مناطقهم، واللجوء إلى دول الجوار، فهیأت لهم الطریق للعبور إلى الأردن وسوریا ولبنان ومصر، فخرج خلال العقدین الخامس والسادس من القرن العشرین مئات آلاف الفلسطینیین من فلسطین التاریخیة، لیشکلوا أکبر حالة لجوء یشهدها العالم فی العصر الحدیث، واستمرت المساعی الإسرائیلیة المحمومة فی تفریغ الأرض من سکانها، ولکنها اتبعت معهم سیاسة الإبعاد الفردی، أو الإبعاد الضیق، الذی طال أفراداً وأسراً بأکملها، فضلاً عن فرضها لعددٍ من القوانین والأنظمة التی تقید عودة المسافرین والغائبین الفلسطینیین، وتحول دون إجراءات لم الشمل التی تتطلع إلیها آلاف العائلات الفلسطینیة، التی مزقتها وشتتها القوانین والإجراءات الإسرائیلیة العدیدة، فحالت دون الأب وأولاده، والزوج وزوجته، والأخ وأشقائه.

ظنت إسرائیل أنها تستطیع أن تسابق الزمن، وأن تقلب الحقائق وتغیر سنن التاریخ ونوامیس الحیاة، وأنها ستنجح فی تطهیر الأرض الفلسطینیة من سکانها العرب، وستنظفها من شوائبها، وأنها ستجعل منها أرضاً یهودیة نقیة خالصة للمهاجرین الیهود، لا ینازعهم فیها أحد، ولا یزاحمهم على جغرافیتها أحد، وأنها ستنتصر على الفلسطینیین سکانیاً ودیموغرافیاً، مما یجعل من حلم استعادة الفلسطینین لأرضهم مستحیلاً، وظنت أن إجراءاتها التعسفیة الیومیة المتمثلة فی القتل والطرد والاعتقال والمنع، ستقتل الأمل فی نفوس الفلسطینیین، وستجبرهم على التعاطی مع الوقائع الجدیدة، والاعتراف بالحقائق التی تنطق بها الأرقام والإحصائیات، وأنها ستقنع المهاجرین الیهود بأن "إسرائیل" دولة آمنة مطمئنة، لا خطر یحدق بها، ولا قلاقل فیها ولا اضطرابات، ولا مظاهراتٍ وأحداث شغب، ولا وجود فیها لمقاومةٍ مسلحة، ولا لعملیاتٍ عسکریة، وأنهم أصحابها الحقیقیون، وأن الذین کانوا یسکنونها من العرب الفلسطینیین قد رحلوا، ولم یعودوا فیها، ومن بقی منهم فیها سیرحل، وستجبره السیاسات الإسرائیلیة على المغادرة، ولن یقوى على مواجهة الآلة العسکریة المتطورة، ولا القدرة الإسرائیلیة الکبیرة على الحلول مکانهم وطردهم من أرضهم.

ولکن الفلسطینیین خیبوا ظن الإسرائیلیین جمیعاً، وأسقطوا رهانات أرباب المشروع الصهیونی، وأثبتوا أنهم مرتبطین بأرضهم، وملتصقین بترابهم، ومتعلقین بوطنهم، وهم فی داخل الوطن أکثر عدداً من الیهود کلهم، مستوطنین ومهاجرین، وأن أعدادهم فی إزدیاد، وسکانهم فی تکاثرٍ مستمر، وهم الذین یصبغون أرضهم بهویتهم الدینیة والحضاریة الإسلامیة والعربیة، وأنهم متمسکین بأرضهم مهما تعاظمت الخطوب، واشتدت الأزمات، وأنهم لن یکرروا اللجوء من جدید، ولن یترکوا أرضهم ولو حاول الإسرائیلیون حرقهم فیها، وقد أثبتت سیاسة شارون ومن بعده فی الضفة الغربیة وقطاع غزة، خلال العدوان على مخیم جنین والحرب على قطاع غزة، أن العدوان الإسرائیلی مهما بلغ فی وحشیته علیهم، وأن القصف مهما نال منهم فلن یجبرهم هذه المرة على الرحیل والمغادرة، وسیبقون فی أرضهم منزرعین ثابتین شامخین عصیین على الاستئصال والخلع والطرد، ولن تتمکن إسرائیل هذه المرة من تطبیق سیاستها، وتحقیق أحلامها بترانسفیر فلسطینی آخر، کما لن تتمکن من تغییر المعادلة السکانیة الجدیدة، التی خلقها الفلسطینیون فی الداخل، والتی ستفرض على الأرض واقعاً مغایراً یصعب تجاهله أو إنکاره، فأعداد الیهود فی فلسطین فی انخفاضٍ مستمر، موالید ومهاجرین، ونسبة الذکورة لدیهم تتناقص، ودرجة الشباب فیهم تتراجع، والشیخوخة فیهم تتقدم، وحلمهم فی الأرض یتزعزع، واحساسهم بالخطر یتعاظم، ومیلهم نحو السفر والرحیل یتزاید.

الفلسطینیون فی الوطن والشتات یفوق عددهم الیوم العشرة ملایین فلسطینی، اللاجئون منهم فی الشتات یتطلعون إلى الیوم الذی یعودون فیه إلى فلسطین، ویستعیدون حقهم فیها إقامةً وأملاکاً، وقد أثبتت مسیرات النکبة لهذا العام عزم الفلسطینیین جمیعاً بکل أجیالهم الشابة والعجوز على العودة إلى أرض الوطن فلسطین، والإقامة فیها، وتحریرها من مستعمریها وطردهم منها، وأما الفلسطینیون فی الضفة الغربیة وقطاع غزة والأرض المحتلة عام 48، فإن أعدادهم فی إزدیادٍ مستمر، وقدرتهم على التوالد والتکاثر والتزاید تهدد المشروع الصهیونی کله، وهم عما قریب سیکونون أکثر عدداً من کل السکان الیهود المقیمین فی أرضنا، فالخصوبة الفلسطینیة فی أرضنا عالیة، ونسبة الموالید کبیرة، ونسبة الذکور إلى الإناث لافتة، وتعویض الشهداء والغائبین یفوق التصور، والمجتمع الفلسطینی مجتمعٌ فتیٌ شابٌ، نسبة الشباب فیه تفوق النصف، ومعدل الإزدیاد العام فی ارتفاع، والتجدد فی المجتمع الفلسطینی مستمر، والانتماء متجذر، والعقیدة باقیة لا تتزعزع ولا تضعف، بأن الأرض إلى سکانها ستعود، وسیرحل الغاصبون عنها، ولن یحمیهم من قدر الشتات الجدید غیر القبول بالعدل، والإقرار بالحق، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فنحن أصحاب الحق وعُمَّارُ الأرض.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143249







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)