الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

"إسرائیل" وأمیرکا فی مواجهة الضمیر العالمی

الدکتورة منار الشوربجی

 

نجح أسطول الحریة (2)، سواء وصل إلى شواطئ غزة أم لم یصل. فإذا کانت أهداف انطلاق الأسطول، هی کسر الحصار البحری المفروض على غزة وتوصیل المساعدات الإنسانیة التی تحملها سفنه لأهلنا هناک، فالمؤکد أن الهدف الذی لا یقل أهمیة إن لم یکن الهدف الرئیسی، هو توجیه أنظار العالم إلى الجرائم التی ترتکب فی حق المدنیین الفلسطینیین، وخصوصاً جریمة العقاب الجماعی المحرمة دولیاً، والتی تمارسها "إسرائیل" ضد أهل غزة.

وما جرى حتى الآن، منذ أن أبحرت سفن الأسطول متجهة إلى غزة، جذب الإعلام العالمی، ولو من باب تغطیة قصة «شیقة» من القصص التی ترفع نسبة المشاهدة. وقد تصدرت أخبار الأسطول وما یحدث فی غزة، الصحف الرئیسیة ووسائل الإعلام العالمیة. وفی إطار هذا کله، فإن ما اتخذته "إسرائیل" من إجراءات وما أعلنته من تصریحات، بخصوص قافلة جاءت بمساعدات إنسانیة من شتى أنحاء العالم، کان فضیحة بکل المقاییس. فهو کشف عن المدى الذی وصلت إلیه "إسرائیل" فی استهانتها بالقوانین والمعاییر الدولیة، بدعم کامل من الولایات المتحدة الأمیرکیة وتحت سمع وبصر العالم کله.

فـ "إسرائیل" متهمة من جانب النشطاء الذین کانوا على متن سفن الأسطول، بأنها ضالعة فی التخریب العمدی للسفینتین الأیرلندیة والسویدیة، وهی بالقطع المسؤولة عن موقف الحکومة الیونانیة، التی لم تمنع فقط الأسطول من الإبحار، وإنما احتجزت عدداً من النشطاء المدنیین، ومعهم قبطان السفینة الأمیرکیة، أیاماً، قبل الإفراج عنهم.

و"إسرائیل" متهمة أیضاً بأنها تکذب علناً ودون رادع. فهی زعمت دون دلیل، أن النشطاء القادمین على متن سفن الأسطول، سیقومون باستخدام مواد کیمیائیة لمهاجمة الجنود الإسرائیلیین حال وصولهم لوجهتهم، وهی لا تزال تزعم أن هذا الأسطول، کسابقه، مجرد وسیلة لتهریب الأسلحة إلى غزة.

بل أکثر من ذلک، راحت "إسرائیل" تکیف الحدث قانونیاً کما یتراءى لها. ففی بیان رسمی، قالت الحکومة الإسرائیلیة إن الانضمام للأسطول یمثل انتهاکاً للقانون الإسرائیلی، ومن ثم یعرض الضالعین فیه للحرمان من دخول "إسرائیل" لمدة عشر سنوات، وإلى مصادرة معداتهم، فضلاً عن عقوبات أخرى لم تحددها. وأعلنت الحکومة أن الحرمان من الدخول ل"إسرائیل"، ینطبق أیضاً على المراسلین الصحافیین المصاحبین للأسطول. لکن الأهم من التصریحات نفسها، هو أن القاصی والدانی فی العالم، صار على علم بأن "إسرائیل" تهدد حریة الصحافة وتتحرش بالنشطاء المدنیین.

أما الموقف الأمیرکی، فهو لا یقل فضائحیة عن الموقف الإسرائیلی، لیس فقط لدفاعه المستمیت عن انتهاکات "إسرائیل" وإنما، وهو الأهم، لانحیازه ل"إسرائیل" حتى لو کان الطرف الآخر هو المدنیون الأمیرکیون! فوزارة الخارجیة الأمیرکیة التی من أولى مهامها، کأی وزارة خارجیة فی العالم، الدفاع عن الأمیرکیین فی الخارج.

والتی تقیم فعلاً الدنیا ولا تقعدها إذا ما تعرض مواطن أمیرکی لمکروه فی أی مکان، إذا بها تستثنی «المواطنین الأمیرکیین» من تلک الحمایة، إذا کان الطرف الآخر هو "إسرائیل"! فبدلاً من أن تحذر وزارة الخارجیة الأمیرکیة "إسرائیل" من المساس بالمدنیین الأمیرکیین الموجودین على متن السفینة الأمیرکیة، إذا بوزیرة الخارجیة بنفسها تحذر هؤلاء المدنیین الأمیرکیین من الانضمام للأسطول، الذی «یحاول أن یستفز إسرائیل عبر دخول المیاه الإقلیمیة الإسرائیلیة، ویخلق وضعاً یکون للإسرائیلیین فیه حق الدفاع عن النفس».. أی والله!

ومعنى ذلک أن وزیرة الخارجیة، تدعم «حق إسرائیل فی الدفاع عن نفسها» ضد مدنیین أمیرکیین عزل، لا یحملون سوى مساعدات إنسانیة وخطابات تعاطف من شتى أنحاء العالم، موجهة للفلسطینیین المحاصرین فی غزة، وهم لا علاقة لهم لا بانتهاک القانون الإسرائیلی، ولا بالمیاه الإقلیمیة الإسرائیلیة. وهؤلاء المدنیون الأمیرکیون وغیر الأمیرکیین، لم ولن ینتهکوا القانون وإنما یناهضون الاحتلال، فوجهتهم هی المیاه الإقلیمیة لغزة لا ل"إسرائیل"، ویهدفون لفک الحصار البحری عن أهالی القطاع.

ومما صار ممجوجاً فی الموقف الأمیرکی، هو أننا لم نسمع أبداً أن الولایات المتحدة نطقت بکلمة واحدة عن حق أیة دولة فی الدفاع عن نفسها، باستثناء "إسرائیل"، بینما الأخیرة لا تدافع عن نفسها فی وجه الأسطول، وإنما تدافع عن الحصار الذی تفرضه على أهل غزة.

 

لکن الواضح أن الولایات المتحدة الأمیرکیة، بموقفها هذا المدافع بالمطلق عن "إسرائیل"، لم تنجح فی الحقیقة فی حمایة "إسرائیل". و"إسرائیل" نفسها فشلت هی الأخرى، إذ لم تنجح أی منهما فی إلحاق الهزیمة بأسطول الحریة. فقصة الأسطول بمثابة حدوتة، یدین من خلالها المدنیون على متن تلک السفن سیاسات الاحتلال الإسرائیلی، ویأملون من خلال تکرارها کل عام، أن یستیقظ ضمیر العالم. صحیح أن المدنیین المبحرین فعلاً مع الأسطول أعدادهم لا تزید على الثلاثمائة، إلا أن المشارکین فی جمع المساعدات وفی الترتیب لخروج القافلة من شتى أنحاء العالم، یعدون بالآلاف.

أما المتابعون على صفحات الجرائد وشاشات التلفاز لما یجری طوال رحلة الأسطول الطویلة، فیعدون بالملایین. ومن هنا، فکلما عرقلت "إسرائیل" رحلة الأسطول، صار ذلک حدثاً جدیداً یستدعی ترکیز الأضواء الإعلامیة علیه، ومن ثم على حدوتة غزة.

بعبارة أخرى، سواء نجح الأسطول أو لم ینجح فی الوصول إلى غزة وکسر الحصار البحری المفروض علیها، فإن المؤکد أنه قد نجح فعلاً فی کسر جدار الصمت المفروض على ما یجری للفلسطینیین تحت الاحتلال. فالواضح أن الصلف الإسرائیلی المدعوم أمیرکیاً، قادر على الاستمرار فی الهدم والحصار ونهب الأرض، ولکنه یقف عاجزاً تماماً إزاء التضامن الإنسانی مع الفلسطینیین حول العالم.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143246







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)