رائد صلاح وأسباب إعتقاله التعسفی فی لندن

علی الهیل

مجموعات قوى الضغط ذاتها التی أخرجت عمدة لندن السابق من العمادة لدعوته الشیخ القرضاوی واستقباله فی لندن قبل ما یقارب الخمس سنوات هی التی أجبرت دیفید میلر وزیر الدولة البریطانی للشؤو ن الخارجیة عام سبعة وثمانین (فی عهد رئیس الوزراء البریطانی جون میجور) على الإستقالة لانتقاده ممارسات (إسرائیل) فی الأراضی الفلسطینیة وهی التی على المنوال نفسه عاقبت وزیرة التنمیة الإجتماعیة الخارجیة البریطانیة السابقة بإقالتها من حکومة تونی بلیر الأولى تقریبا للسبب نفسه على إثْر زیارة قامت بها إلى غزة وقبلها أو بعدها الکولونیل ریتشارد کِمب قائد القوات البریطانیة للومه ما یسمى بجیش الدفاع (الإسرائیلی أی دی إف) لعدم تقیده بقرارات الأمم المتحدة بوقف الغارات على المدنیین فی غزة بدایة عام 2009 وهی نفسها التی باستمرار ومن غیر توقف تلاحق وتهاجم جورج جالوی وشقیقة زوجة تونی بلیر لتعاطفهما مع الحق الفلسطینی وتتهمهما بمعاداة السامیة وغیرهم وغیرهن فی بریطانیا وأوروبا وشمال أمریکا والعالم کله بما فیه العالم العربی وخلیجه العربی فکل هذه الفضاءات هی مسرحها وملعبها ومناطق نفوذ لها - هی بعینها التی ضغطت إن لم نقل قررت ونفذت إعتقال الشیخ رائد صلاح رئیس الحرکة الإسلامیة داخل الخط الأخضر الفلسطینی بمدینة أم الفحم فی أثناء زیارة رسمیة یقوم بها إلى لندن قبل أسبوعین بالتقریب.ماذا یا ترى یعنی إعتقال الشیخ رائد صلاح فی لندن؟

ألم یحصل الرجل على تأشیرة دخول قانونیة ورسمیة من القنصلیة البریطانیة بتلة الربیع (تل أبیب)؟ وبما أن ذلک کذلک فهذا یعنی أن الشیخ صلاح لیس ممنوعا من زیارة بریطانیا ومعروف عن بریطانیا أنها دقیقة جدا فی هذا الخصوص بالذات فهی لا تمنح أی شخص دعک عن من هو بوزن وحجم وأهمیة الشیخ رائد صلاح تأشیرة لدخول أراضیها إلا بعد أن تتأکد من أنها أو أنه لا یشکل خطراً على أمنها القومی أو سلامة مواطنیها.

إنه تأکید آخر (ولا نقول جدیداً) واقعی میدانی واضح فاضح صریح قریح جدید على ما بتنا نؤکده دائما أن الإیباک فی الشمال الأمریکی وردهاته ولوبیاته على امتداد الکون هو الذی یحکم ویتحکم ویقرر وینفذ من خلال دمىً تسمى حکومات وهی هیاکل لا تملک لنفسها ضرا ولا نفعا وإنما هی یُقال ُ لها کن فیکون.

والحکومة البریطانیة لیست استثناء بل هی القاعدة والأداة التنفیذیة والأسبق على الإطلاق عالمیا فی خضوعها تحت هیمنة وسیطرة قوى الضغط الأعمالیة مالیا واقتصادیا وسسیاسیا بطبیعة الأحوال. فبریطانیا تبنت الحرکة الصهیونیة منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917. جلیٌّ جلاء لا یقبل الریب أنها مجموعات من قوى الضغط تعتبر حکومة داخل وضمن حکومة فی بریطانیا وما حدث من إعتقال للشیخ صلاح لا یعطی سوى هذا التفسیر وإنه لَإهانة لکل امرئ بریطانی غیر ان البریطانیین الدهماء کغیرهم من الشعوب مشغولون بهموم العیش وإعاشة وتعلیم أطفالهم وضغوطات المورجج (قرض الإسکان) وفواتیر الکهرباء والماء والتلفون والضرائب ولذلک فهم لا یکترثون کثیرا بالسیاسة طالما أن باینت البیرة والفیش والجیبس متوفر لهم.

ولماذا نلومهم ولا نلوم حکوماتنا العربیة؟ إن صهاینة عتاة من الجنسین یختلفون إلى بلادنا جیئة وذهابا بجوازات سفر أمریکیة وأوروبیة وغیرها ومؤخرا حتى بجوازات سفر (إسرائیلیة) ومن السهل للمتتبع والمراقب أن یکتشفهم أو یکتشفهنَّ ویفرقهم ویفرقهن عن غیر الصهاینة من الیهود والمسیحیین الأمریکیین والأوروبیین مثلاً. فهن أو فهم لا تکاد العین تخطئُهم ولا الأذُن والأذن تمیزهم أکثر قبل العین أحیانا کلما دخلتَ مع أحدهم أو أحداهن فی محادثة حول تصرفات (إسرائیل) فی فلسطین وما جاورها. وأضرب مثلا لضیق المساحة. مدیر فندق کبیر فی دولة خلیجیة أصر بغضب ممتزج بمرارة کادت أن تطفح من خلال أوداجه (خلال نقاش بینی وبینه وکان مضطرا لأنْ یناقشنی لأننی کنت ضیفا فی فندقه وکنت أنا مسرورا لأنْ أناقشه لأننی عرفت حدسیا أنه صهیونی) على أن مذبحة قانا الأولى فی جنوبی لبنان عام أربعة وتسعین (قبل حدوث قانا الثانیة عام 2006) لم تکن محرقة أو مذبحة أو جریمة ضد الإنسانیة وإنما بالخطأ (إسرائیل) قصفت بالقنابل من طائرات أمریکیة مقاتلة من نوع إف 16 مبنىَ للأمم المتحدة، وأن ما أسفر عنه التحقیق الأممی حول الحادثة (والذی قاده محقق سویدی بأمر من الأمم المتحدة والذی أفاد بأن ما حدث کان مذبحة بسبق الإصرار والترصد) لم یضع فی الإعتبار کل العوامل الموضوعیة وغلبت علیه نزعة العاطفة لمرأى القتلى من أطفال ورضع ونساء وبالتالی هو متحیز ومنحاز للعرب لأنه معادٍ للسامیة حسب المدیر الفندقی الصهیونی. وحینما قلت له إذن کل المذابح والمحارق التی إرتکبتها (إسرائیل) فی حق الأطفال والمدنیین العزل الفلسطینیین والعرب منذ ثمانیة وأربعین وما قبلها بما فیها تلک التی إرتکبتها عصابات الهاجانا برئاسة مناحیم بیجین ضد البریطانیین فی فندق الملک دیفید وغیرها وغیرها کانت أخطاء فکان رده نعم کانت أخطاء بشریة وسوء تقدیر وکان من المفروض أن لا تقع غیر أن الأخطاء ـ والکلام ما یزال له ـ تحدث دائما. ومن ثمَّ قلت له على افتراض أنها لیست مذابح ولا محارق ولا أفعالا متعمدة فی الحد الأدنى إذن القادة (الإسرائیلیون) کثیرو الخطأ وأن ما یوصف بجیش الدفاع أخطاؤه تکاد لا تحصى أو تحصر وهذا یدل على أن القادة (الإسرائیلیین) وجیشهم فاشلون لأنهم کرروا الأخطاء ذات الأخطاء مئات المرات ولم یحاولوا الإستفادة من الخطأ الأول. فبهت الذی کفر وما کان منه إلا أنِ اعتذر بأدب جم (فأنا بعد ذلک کله ضیفه ومصدر رزقه) وبادرنی بالقول: بودی أن أتحدث معک أکثر بَیْدَ أننی مشغول الآن. لقد وصلت الرسالة.

ن/25