النیو میدیا": حرب صهیونیة ناعمة بملایین الدولارات

النیو میدیا": حرب صهیونیة ناعمة بملایین الدولارات

تولی اسرائیل اهتماماً بالغاً بـ«ساحات» الإعلام الجدید، بمختلف ادواته، باعتباره وسیلة «الحرب الناعمة»، المصطلح الإیرانی الردیف لنظریة «القوة الناعمة» الأمیرکیة، فی المناورة الأخیرة «نقطة تحول 5»، اختبرت السلطات المحلیة تمرینات حاکت هجمات غیر تقلیدیة على شبکات الکترونیة. لا تنحصر هذه الهجمات فی مواقع الانترنت العادیة، بل تمتد لتشمل أنظمة التحکم الاصطناعیة التی تُدار عبر شبکة الانترنت، وتُعرف اختصاراً باسم «سکادا» (انظمة مرور ومواصلات، انظمة ری، شبکات کهربائیة...).على أن «الإرهاب الالکترونی» یواکبه حضور خاص فی الدولة العبریة على امتداد «العوالم الافتراضیة» التی یحتلها الإعلام الجدید بمختلف أدواته. هذا الحضور یؤمن لاسرائیل دعماً یفوق الـ 55 فی المئة من بین المدونات العالمیة السیاسیة فی مقابل 19 فی المئة لمصلحة القضیة الفلسطینیة، بینما تقف النسبة الباقیة على الحیاد، بحسب استطلاع معهد «بیو» العالمی للصحافة.

ولئن کان اهتمام تل أبیب بجبهة الانترنت ینعکس اجراءات أمنیة ومنظومة أمن قومی الکترونی بمیزانیة تفوق المئة ملیون دولار بحسب بیانات الحکومة الاسرائیلیة، فإن الحضور المستجد للأجهزة الاسرائیلیة فی وسائل «الإعلام الجدید» (نیو میدیا) یستبق ترتیب ساحة رئیسیة من ساحات المواجهة الإعلامیة – الأمنیة، قبل أی حرب مقبلة وخلالها.

لا توفر المؤسسات الاسرائیلیة اداة من ادوات الإعلام الجدید الا وتستخدمها للترویج، فی حین تتعدى استخدامات المؤسستین الأمنیة والعسکریة هذا السقف الى أهداف اخرى یطول الحدیث عنها.

الانتشار الأمنی والعسکری

یخضع فرع «الإعلام الجدید» فی الجیش الاسرائیلی لوحدة المتحدث الرسمی باسم الجیش. قبل اشهر قلیلة، صادقت الحکومة الاسرائیلیة على تخصیص میزانیة بقیمة 116 ملیون دولار لتعزیز فرع «الإعلام الجدید» فی هذه الوحدة، بعد ان نجح المتحدث باسم الجیش الجنرال آفی بنیاهو، خلال مؤتمر هرتسیلیا الأخیر، فی اقناع القیادة الاسرائیلیة بأهمیة وخطورة هذا المیدان فی اوقات السلم والحرب.

خاطب بنیاهو الحس الأمنی لدى الحاضرین بقوله «رأینا کیف ان کامیرا هاتف محمول وجدت سبیلها الى اجتماع لحکومة فی المنطقة ... فی حین عجزت وکالة الاستخبارات المرکزیة الأمیرکیة عن ذلک»، وفی حین تولى بنیاهو تسویق مکتب الإعلام لجدید فی وحدته بالترکیز على تزاید انتشار المدونات والصفحات الداعمة لإیران على الشبکات الاجتماعیة، تحدثت مدیرة المکتب الملازم الیزا لاندس عن الأدوات التقنیة کـ«یوتیوب» الذی یشکل أفضل الوسائل «لدمقرطة المعلومات» لکونه «یستعرض دلائل مرئیة»، بحسب تجربة الجیش الإسرائیلی الذی یمتلک قناة خاصة به على هذه الشبکة.

وبالإضافة الى قناته الخاصة، والممیزة، على «یوتیوب» یمتلک الجیش الاسرائیلی صفحة خاصة على «تویتر» واخرى على «فیسبوک» ومدونة خاصة یدیرها الفریق المساعد للمتحدث باسم الجیش، مع الإشارة الى أن هذا التواجد على هذه الشبکات مستقل بذاته عن الإنتاجات الإعلامیة التقلیدیة للجیش؛ أی ان ما یُعرض ویُنشر ویُبث فی هذه الصفحات صُنع خصیصاً لیحاکی شروط التواصل فی الإعلام الجدید.

ولا تقف الاستخدامات الاسرائیلیة «غیر المدنیة» للشبکات الاجتماعیة عند هذا الحد. فی الأسبوع الأول من الشهر الأول من العام الحالی، حاضر شاب اسرائیلی من جامعة «بار ایلان» امام 200 ضابط استخبارات حول «اسالیب توقع الثورات فی الشرق الأوسط» بالاستناد الى عملیات رصد ومعاییر استخباراتیة جدیدة تعتمد على «فیسبوک» و«تویتر».

فاجأ الشاب دیفید بیسیغ ضباط الاستخبارات حین أبرز فی محاضرته القصور فی الأسالیب القدیمة المستخدمة فی التقدیر، داعیاً الى متابعة الوضع عن کثب فی مصر، «حیث لا یکفی اصدار التقییمات بناء على مؤشرات امنیة وعسکریة فقط»، معرباً عن توقعه، بحسب المتابعة، حصول اضطرابات فی الأردن فی المستقبل القریب. لم یأخذ الحاضرون بکلام الشاب. لم یکد یمضی اسبوعان على المحاضرة حتى اندلعت الثورة فی مصر، وتحققت «نبوءة» بیسیغ.

حالیاً، تعید الاستخبارات الاسرائیلیة وضع معاییر إصدار التقدیرات بناءً على المعطیات الجدیدة المرتبطة بـ«ثورات الإعلام الجدید»؛ انطلاقاً من ثابتة مفادها ان القاسم المشترک بین ما یحصل فی مصر والبحرین والیمن ولیبیا وتونس والأردن هو «غیاب قائد محدد، وتحول القیادة الى افراد یجمعهم فیسبوک وتویتر»، هذا الواقع دفع الاستخبارات العسکریة الاسرائیلیة الى انشاء وحدتها المستقلة المتخصصة فی الإعلام الجدید بهدف «رصد مختلف الشبکات الاجتماعیة فی العالم العربی».

حالیاً، تستعد کل من أذرع الجیش الاسرائیلی، فی البر والبحر والجو، لإنشاء وترتیب انتشارها الخاص على الشبکات الاجتماعیة بشکل مستقلّ عن الجیش ککیان موحد. على سبیل المثال، الوحدة العاملة فی سلاح الجو تتألف من 20 فرداً یتناوبون على مهام «الکتابة والتحریر والتصویر» ویخضعون لمکتب المتحدث باسم سلاح الجو الذی یتعامل مع 500 وسیلة إعلامیة وما یزید على 2500 صحافی عبر العالم.

الاستخدام الدبلوماسی

فی المسار الإعلامی – السیاسی، تدیر الخارجیة الاسرائیلیة العدید من الحسابات عبر خدمة «تویتر». لا ینحصر استخدام «تویتر» على بث أخبار قصیرة، بل یتعداها الى عقد لقاءات ومؤتمرات صحافیة دوریة، کما فعلت القنصلیة الإسرائیلیة فی نیویورک إبان العدوان على قطاع غزة، حیث تولى فریق إعلامی من القنصلیة الردّ مباشرة على اسئلة صحافیین ومستخدمی انترنت من انحاء العالم کافة.

خطوة القنصلیة الاسرائیلیة فی نیویورک هی واحدة من النماذج لحملة تقودها الخارجیة، بمیزانیة سنویة تناهز العشرین ملیون دولار لتشغیل مدونین وخبراء تواصل على الشبکات الاجتماعیة. عقب حادثة الاعتداء الأخیر على القافلة البحریة المتجهة الى غزة، قامت وزارة الخارجیة بالتعاقد مع 50 مدوناً أمیرکیاً قاموا بـ«تلمیع» صورة اسرائیل فی العالم، فاستطاع احدهم، على سبیل المثال، انشاء صفحة على «فیسبوک» استقطبت 50 الف مستخدم انترنت فی وقت قیاسی.

مع الإشارة الى ان الخارجیة الاسرائیلیة تسعى للحصول على موافقة مکتب المحاسبة فی دیوان رئاسة الحکومة بصرف مبلغ یناهز الـ90 ملیون دولار لترویج اسرائیل کـ«علامة تجاریة» (Brand) فی الإعلام الجدید.

وتشمل حملة الخارجیة استضافة شخصیات إسرائیلیة او حلیفة «لها تأثیر فی الرأی العام» عبر الشبکات الاجتماعیة والمدونات، علماً ان البرمجة السنویة لهذه الحملة ترکز هذا العام على الشخصیات العاملة فی مجال الثقافة والفن و«قادة المجتمعات الصغیرة» کالناشطین فی مجالات حقوق الإنسان. کذلک، تخصّص الخارجیة من ضمن حملتها تمویل أعمال إعلامیة مخصصة للشبکات الاجتماعیة، کالأفلام القصیرة والأفلام الوثائقیة.

فی المحصّلة، تتعامل مختلف المؤسسات فی اسرائیل مع الإعلام الجدید والشبکات الاجتماعیة على أنها «المستقبل» بحسب تعبیر الجنرال بنیاهو. وفی ساحات المواجهة الجدیدة، التی یدیر فیها الرئیس الأمیرکی باراک اوباما حسابه الخاص على شبکة «تویتر» شخصیاً، تبدو إسرائیل جاهزة للمعرکة المقبلة.

ن/25