برنامج جدید لفلسطین؟
رامی خریس
کانت الثورات العربیة لأنّها أطلقت الخیالات المکبوتة لملایین الشباب. إنّ ثورة انطلقت من الخیال یُفترض أن تکون نتائجها من روح دوافعها، فتفتح الأفق العربی على الدولة المدنیة الدیموقراطیة. دولة تعید تأسیس الفضاء العام على أساس عقد اجتماعی جدید، تمثّل الحریة مرتکزه الأساسی. السؤال الآن عما إذا کانت فلسطین تستطیع هی الأخرى أن تُطلق خیالها الخاص.
لقد کانت فلسطین فی قلب الحرکة الشاملة للثورات العربیة التی رافقت حقبة التحرر من الاستعمار والانبعاث القومی. وعلى مدار عقود، کانت الأنظمة التی تمخّضت عن تلک الثورات تعیش مشکلة مزدوجة: عجزها عن تحریر فلسطین، وفشلها فی بناء الدولة الحدیثة وتحقیق العدالة الاجتماعیة لشعوبها. ومع اختلال میزان القوى العالمی، ودخول العالم العربی «حقبة أمیرکا»، مثّلت تلک الأنظمة العسکریة، التی تُعَدّ امتداداً للأنظمة «الثوریة»، حصناً مانعاً أمام مشروعات التحرر والمقاومة.
انتقل مرکز النبض الثوری من فلسطین کقضیة قومیّة، إلى مجموعة کبیرة من القضایا السیاسیة والاجتماعیة. وکان الشغل الشاغل للجمهور العربی، محاولة توسیع هامش الحریّة فی الفضاء العام. لذلک، لم نرَ شعاراً قومیاً واحداً ترفعه الملایین التی نزلت إلى الشوارع. لقد استطاعت الأنظمة أن تراکم حجماً من القضایا، إلى الحدّ الذی لم تعد فیه فلسطین أولویة فعلیّة.
تکتسب الأطروحات الداعیة إلى تحریر فلسطین عبر العواصم العربیة، والحال هذه، معنى جدیداً الیوم. وکأنّها تعید بعث نظریات انطفأ وهجها تماماً، تحت وطأة سیادة الأفکار القطریة الضیقة، وانتهاج الحلول المنفردة. إنّه لیصعب المجادلة، فی أنّ إسقاط الأنظمة القمعیة، التی شارکت إسرائیل ضربها للفکرة الفلسطینیة الوطنیة، لن یؤدی إلى فتح أفق ثورة فلسطین على احتلالها. إنّ إنجاز الدول العربیة لمهمّات تحولها الدیموقراطی، سیجعلها أکثر مقدرة على مقاربة قضیة فلسطین، لا کقضیة قومیّة سیاسیة فحسب، بل کقضیّة من قضایا التحوّل الدیموقراطی ذاتها. فإذا کان لفلسطین أن تنحاز إلى الثورات العربیة على الاستبداد، فلن یکون العالم العربی الدیموقراطی الجدید فی موقع من ینظر إلى مسألة یکون فیها غیاب حریّة شعب بأکمله مسألة هامشیة، بل مسألة تمثّل جوهر تحوّله الجدید.
هل یمکننا المغامرة بالدعوة إلى أن تکون ثورة فلسطین الجدیدة مبدعة أیضاً؟ إذا کانت قیم العدالة الاجتماعیة والحریة والمدنیة وحقوق الإنسان، تمثّل الیوم قیم التحرک العالمی الجدید من أجل عالم إنسانی أفضل، أفلا یجب أن تکون ثورة فلسطین من جنس هذه المبادئ؟ أی أن تکون ثورة لإنهاء الغبن التاریخی الواقع علیها، من خلال الحل الأکثر أخلاقیة المتمثل فی إطلاق برنامج فلسطین الواحدة الدیموقراطیة لعربها ویهودها؟ هل یمکن مشروع الفصل القومی والعرقی والدینی القائم على دولتین، فلسطینیة وإسرائیلیة، أن ینجح فی عالم تُستعاد فیه القیم الإنسانیة بقوّة، لتکون الأساس فی التحرّک السیاسی لفئات واسعة من البشر، فی ظل تراجع قیم الإمبراطوریة والسیطرة التی حاولت أمیرکا فرضها عبر الکون؟ إنّ هذا الخیار العادل من أجل حلّ نهائی لقضیة فلسطین یمثل انسجام فلسطین مع حرکة التاریخ. فهل نستطیع بلحظة خیال أن نلتقط هذا المعنى؟
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS