الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

قراءة میدانیة للمناورات الإسرائیلیة

 

عدنان أبو عامر 

  

اختتمت إسرائیل قبل أیام أکبر مناورات تجریها الجبهة الداخلیة لفحص مدى جاهزیتها للحرب المتوقعة، انطلاقًا من فرضیة مفادها أن میدان المواجهة العسکریة القادمة سیکون هذه الجبهة، ممثلة بمساحة فلسطین التاریخیة، فی کسر سافر لأبرز قواعد العقیدة القتالیة الإسرائیلیة القائلة بـ"خوض الحرب فی أرض العدو"!

وتأتی هذه المناورات التی أطلق علیها "نقطة تحول 5"، فی إطار الدفاع عن الجبهة الداخلیة التی تشکل أحد أهم أسس النظریة الأمنیة الإسرائیلیة، خاصة بعد أن أصبحت مستهدفة فی الحروب الأخیرة، وثبت أنها جزء لا یتجزأ من الجبهة العسکریة، وأن بإمکان الخصم ضربها بسهولة مقارنة بالماضی، لذلک وجب إجراء تغییر فی التقدیرات الإسرائیلیة، لتأخذ بعین الاعتبار أن الاستعدادات للمعرکة یجب أن تشملها.

 

جدوى المناورات

 

بعد مرور ما یقرب من خمس سنوات على انتهاء حرب لبنان الثانیة، وأکثر من عامین ونصف على اندلاع حرب الرصاص المسکوب ضد قطاع غزة، تشیر الوقائع إلى تراجع مستوى وحجم الحصانة التی تمتعت بها الجبهة الداخلیة خلالهما، خاصة أن "الأعداء" المحیطین بإسرائیل، یواصلون التسلح والاستعداد لیوم المواجهة القادمة، وما یعنیه ذلک من تأثیر مباشر على حالة المناعة التی یجب أن تحظى بها الجبهة الداخلیة التی ستشکل هدفًا مفضلاً لهم إذا ما اندلعت الرصاصة الأولى.

وقد رسمت المناورات الأخیرة "سیناریوهات سوداویة" لطبیعة وحجم وساحة المواجهة القادمة، لاسیما استهدافها المباشر للجبهة الداخلیة، وتحول الإسرائیلیین إلى "أهداف" متاحة للأسلحة التی ستستخدم ضدهم فی قادم الأیام، بعد أن باتت إسرائیل مسکونة خلال السنوات الأخیرة بتحصین الجبهة الداخلیة، وخصصت فرقًا عدیدة من الخبراء لدراسة ما یتعلق بها, خاصة فرضیة "حرب الصواریخ" التی فرضت نوعًا جدیدًا من التفکیر العسکری الإسرائیلی.

ولعل ما تم التصریح به من نداءات وتحلیلات على وقع هذه المناورات یؤکد الاقتناعات الآخذة فی التزاید فی المحافل الأمنیة والعسکریة من حتمیة انتقال ساحة الحرب القادمة إلى الجبهة الداخلیة، وما یشکله هذا الاستهداف من حرب استنزاف مؤذیة لإسرائیل على کل الأصعدة، فی ضوء نجاح القوى المعادیة لها فی تطبیق المفهوم القتالی القائم على فرضیة أن هذه الجبهة هی "الحلقة المکشوفة والأضعف" فی إسرائیل، ومن هنا فإن زعزعتها، أو کسرها من شأنه أن یرجّح کفتها، بالرغم من تفوق تل أبیب عسکریًّا.

بل إن الجنرال احتیاط "مائیر ألران" أحد أقطاب المدافعین عن الجبهة الداخلیة، کان الأکثر تحذیرًا مما وصفه "کابوس" المواجهة القادمة، حین عقد مقارنة میدانیة بینت الاختلاف الکبیر الذی طرأ على تهدید الجبهة الداخلیة خلال العقود الماضیة، مما یؤکد فرضیة انکشافها، فقد شهدت الأعوام بین 1967-2009 إطلاق ما یزید عن 12 ألف قذیفة صاروخیة علیها, 1000 منها أطلقها فلسطینیون من الحدود الأردنیة خلال حقبتی الستینیات والسبعینیات، و6 آلاف أطلقت من لبنان بین الأعوام 1996-2006، و5 آلاف أطلقت من المنظمات الفلسطینیة فی غزة بین عامی 2000-2009، و40 صاروخًا أطلقت من العراق عام 1991.

کما نقل الخبیر العسکری "یوآف لیمور" عن ضباط کبار مشرفین على المناورات أن فکرتها تتلخص فی "فحص المدنیین والمنظومات"، مفترضًا أنه فی حالة اندلاع حرب بعد یوم أو یومین، فإن التقدیر یذهب باتجاه أن الوضع فی الدولة سیکون "مضطربًا"، لاسیما إن شهدت هذه الحرب سیناریوهًا کارثیًّا یتمثل بإطلاق آلاف الصواریخ موجهة تقریبًا إلى کل نقطة فی إسرائیل، وتستهدف على وجه الخصوص تل أبیب وبئر السبع وأسدود من الجنوب، وحیفا وکریات شمونا من الشمال.

کما تکتسب هذه المناورات أهمیتها ومسوغها انطلاقًا من أن الحرب القادمة ستستغرق "أیامًا طویلة"، والهدف الإسرائیلی یکمن فی "تقصیر مدة الحرب"، بسبب کمیات المصابین والإصابات الکبیرة المتوقعة فی الجبهة الداخلیة، ولذلک واضح أنه یجب القیام بـ"حرب قصیرة"، وینقل ضباط کبار فی هیئة الأرکان أن منطقة الشرق الأوسط "حبلى" بکثیر من التطورات، مما یعنی أنه إذا اندلعت حرب غدًا، فإن قیادة الجبهة الداخلیة الإسرائیلیة لیست محصنة بما فیه الکفایة، ولیست مستعدة بما فیه الکفایة، وفی النهایة فإن الفجوة الأساسیة لیست فی التحصین، بل فی الاستعداد والقیادة، وبهذه الحکومة ورئیسها، آملاً أن تتعلم الحکومة کیف تواجه الحرب القادمة.

 

أوجه الخلل

منذ "انکشاف" الجبهة الداخلیة خلال حربی لبنان وغزة، لم یبق أی تجمع سکانی فی إسرائیل إلا أجرى مناورات واستعدادات لمثل تلک الحالات الحرجة، بإشراف نائب وزیر الدفاع الذی بات یطلق علیه وزیر حمایة الجبهة الداخلیة "متان فیلنائی".

وفی محاولة لإجراء تقییم مبدئی وأولی لهذه المناورات التی استمرت على مدى أیام متواصلة، فقد طرحت الجهات المعنیة سلسلة من التساؤلات، ووضعت جملة من الإجراءات المیدانیة والخطوات العملیاتیة، لما قالت إنه "محاکاة" للتهدیدات المختلفة، واختبار عدد من الاستعدادات المطلوبة، ومنها:

 

1- معرفة حجم التأهب الجماهیری.

 

2- تقییم حالة التنسیق بین المستویات ذات الاختصاص.

 

3- اختبار مدى نجاعة وسیلة "الإنذار المبکر".

 

4- فحص جاهزیة الملاجئ ومستوى تحصینها.

 

وقد تبین للجبهة الداخلیة، وقیادة الجیش الإسرائیلی، والشرطة والدفاع المدنی وغیرها، أن نسبة الاستجابة الإسرائیلیة فی المجالات الأربعة السابقة لم تکن کما ینبغی، أو کما هو متوقع، بحیث أعلنت قیادة الجبهة أنها بصدد استخلاص الدروس والعبر للمناورات الأخیرة، من خلال:

 

أ‌- نشر الأجهزة الخاصة بترقب ورصد القذائف الصاروخیة التی ستسقط على مختلف المناطق.

 

ب‌- تعمیم التواصل شبه اللحظی مع المجالس البلدیة عبر وسائل الاتصال الحدیثة.

 

ت‌- التنسیق المشترک مع الوزارات الحکومیة والمؤسسات الرسمیة.

 

ث‌- توفیر الحد الأقصى من التعرف على القذائف الصاروخیة والوقایة منها.

 

 

وفی ظل حالة القصور التی اعترت الکثیر من الاختبارات المرافقة للمناورات الأخیرة، فقد طرحت جهات الاختصاص فی إسرائیل قضیة مثیرة فعلاً للجدل تتعلق بتراجع النفقات الحکومیة على توفیر المزید من التحصینات للأهداف المدنیة المرشحة للاستهداف، کالمدارس والمستشفیات والتجمعات التجاریة الکبرى، فی حین تمتلک التحصینات العسکریة ومرافق البنى التحتیة شیکًا مفتوحًا، کقواعد الجیش الإسرائیلی ومفاعل دیمونا ومحطات الکهرباء والمیاه، إلى جانب الـ205 ملایین دولار التی قدمتها واشنطن مؤخرًا إلى تل أبیب لهذا الغرض.

وکشفت المناورات الإسرائیلیة ارتفاع "وتیرة الخوف" من فرضیة عدم وصول الأجهزة المعنیة بالجبهة الداخلیة فی تل أبیب إلى حالة من التوافق على طبیعة التصرف إزاء وقوع استهداف معاد موجه بأسلحة متطورة، لاسیما "وزارات الدفاع، الأمن الداخلی، الصحة، الشرطة، هیئة إطفاء الحرائق، نجمة داود الحمراء، السلطات المحلیة والبلدیات"، خاصة أنه بعد تنفیذ عدة مناورات میدانیة، لم یطرأ تحسن ملموس على حالة "الفوضى وعدم التنسیق والإرباک" الذی أصابت عمل تلک الجهات.

وهو ما دفع بقیادة الجبهة الداخلیة إلى تقدیم مشروع قانون یلزم الجهات الرسمیة فی إسرائیل بالتنازل ضمنًا عن بعض استقلالیتها، لتحقیق القدر المطلوب من التنسیق المشترک والتعاون المیدانی، وبما یساعد الدولة فی توفیر إجابات میدانیة على کل التساؤلات المثارة بین الحین والآخر حول مدى جاهزیتها.

 

الحرب القادمة

أکدت المناورات الأخیرة بما لا یدع مجالاً للشک أن استهداف الجبهة الداخلیة الإسرائیلیة سیکون غیر مسبوق فی حجمه, بحیث ستمطر آلاف الصواریخ من عدة جبهات: شمالیة وجنوبیة وشرقیة، دون أن یتمکن الجیش الإسرائیلی من وقف إطلاقها.

ولعل ما فاقم صعوبة المناورات أن تلک الصواریخ باتت "السلاح المفضل" الیوم لتهدید الجبهة الداخلیة، مما یتطلب التعامل والاستعداد بالشکل الملائم، فی ضوء أن نتائج الحروب الأخیرة شجعت أعداء إسرائیل على المضی قدمًا، والاستمرار فی التسلح بالصواریخ، بینما لا توجد قرارات واضحة لدى المؤسسة العسکریة لمواجهة هذه الإستراتیجیة بإستراتیجیة مضادة، وهو ما یفسر لدى الإسرائیلیین على أنه تقصیر فی "الدفاع عن الجبهة الداخلیة".

وفی ضوء هذا التخوف المتزاید، أعلنت هیئة الصناعات العسکریة الإسرائیلیة بالتزامن مع إجراء المناورات الأخیرة وصولها إلى مرحلة من إتمام العمل لعدد من وسائل الحمایة اللازمة، ومنها:

 

1- منظومة "حیتس 2"، المکلفة بالتصدی لصواریخ بعیدة المدى، لاسیما الآتیة من إیران وسوریا.

 

2- منظومة "الصولجان السحری" المناط بها صد الهجمات الصاروخیة المتوسطة المدى، ومصدرها لبنان، ومن المقرر أن یتم نشرها فعلیًّا عام 2014.

 

3- منظومة "القبة الحدیدیة" لمواجهة الصواریخ القصیرة المدى، لاسیما صواریخ القسام التی تطلقها الفصائل الفلسطینیة من قطاع غزة.

 

وترتبط هذه التجهیزات بعبارة بات یکررها العدید من المسؤولین الإسرائیلیین، ساسة وعسکرا، وهی أن السیناریو الأکثر توقعًا هو استهداف الجبهة الداخلیة بمئات القذائف الصاروخیة فی آن واحد، فالمقاومة اللبنانیة تعرف جیدًا کیف تستهدف بئر السبع فی الجنوب، ونظیرتها الفلسطینیة لدیها القدرة العملیاتیة على الوصول بصواریخها إلى تل أبیب، والسوریون لدیهم إمکانیة استهداف معظم الأراضی الإسرائیلیة، والإیرانیون یمتلکون صواریخ بعیدة المدى تطال جمیع أنحائها، وبالتالی فأی إسرائیلی خائف یرید مغادرة مدینته المستهدفة، سیذهب حتمًا إلى مدینة أخرى فی مرمى الصواریخ! ورغم هذا فإن الحرب القادمة ستشهد هجرة بالآلاف للإسرائیلیین من مدینة إلى أخرى، بحثًا عن الأمان المفقود.

ورغم أن السنة الأخیرة اعتبرت فی نظر جمیع المحافل الأمنیة والعسکریة الإسرائیلیة الأکثر هدوءًا، والأقل توترًا، فإن السیناریوهات الأمنیة التی تهدد الجبهة الداخلیة ومرافقها العامة لا تزال تتعاظم، لذا واظبت الجهات المختصة على إجراء التدریبات والمناورات المیدانیة لمحاکاة هذه التهدیدات، بمشارکة من قوات الجیش ووحدات الإطفاء والإنقاذ وأجهزة الأمن.

وفی السیاق نفسه أکدت المناورات الأخیرة أن الحاجة ملحة أکثر من أی وقت مضى، إلى اتخاذ إجراءات فی مواجهة التهدیدات المستقبلیة على الجبهة الداخلیة، من خلال إجراءات عدة أبرزها:

 

1- تقویة الصورة الردعیة لإسرائیل، للحیلولة دون تحقق التهدیدات ضدها.

 

2- إحباط وتدمیر القدرات الصاروخیة المعادیة، من خلال منظومات "حیتس، القبة الحدیدیة"، وغیرها.

 

3- تطویر القدرات الوقائیة، وتوفیر الحد الأقصى للوسائل الدفاعیة کصفارات الإنذار وتحصین الملاجئ.

 

4- منح الجبهة الداخلیة القدرة على التکیف مع ظروف التهدیدات، بما فیها المؤسسات التعلیمیة، والعاملون الاجتماعیون، وتوسیع سلطات السلطات المحلیة.

 

أخیرًا.. یمکن القول إن الصورة المرسومة للجبهة الداخلیة الإسرائیلیة فی ضوء المناورات الأخیرة فی غایة التعقید، فإلى جانب الإصابات الکثیرة المتوقعة فی الأنفس والممتلکات، هناک الکثیر من الأضرار الاقتصادیة، وانعکاسها سلبًا على الاقتصاد الإسرائیلی کله، وتراوح عدد الإسرائیلیین الذین سیترکون منازلهم بین الثلث والنصف على الأقل، وبین الإخلاء شبه الکامل فی جزء من البلدات المستهدفة، وتلک القریبة من خط المواجهة.

هذا إلى جانب شیوع العدید من مظاهر "استنزاف" الجبهة الداخلیة فی ضوء أن التقدیرات العسکریة والاستخباریة المتشائمة فی إسرائیل، ترجح أن تقوم إستراتیجیة القوى المعادیة فی المواجهات القادمة على "إدارة ذکیة لحرب استنزاف" تعتمد فی أساسها على إدارة هجوم متواصل ومکثف على شمال وجنوب ووسط إسرائیل، یهدف للمس بنظام الحیاة فیها، بواسطة أسلحة "بث الرعب، وعرقلة نظام الحیاة العادی"، وهو ما لا تبدو تل أبیب مستعدة له فی المرحلة الحالیة على الأقل حتى بعد انتهاء المناورات الأخیرة.

 ن/25

 

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143234







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)