حذار أن تصبح صهیونیا
ثائر دوری
الصهیونیة فکرة أو بالأحرى مجموعة أفکار عمود ارتکازها الأساسی هو اعتقاد مجموعة بشریة، إما عرقیة أو دینیة أو طائفیة، أن لها خصائص متفوقة على المحیط (شعب الله المختار). وبالتالی یحق لها ما لا یحق لغیرها. وتتجسد الصهیونیة على أرض الواقع عبر قیام أقلیة اقتصادیة أو عرقیة أو طائفیة أو دینیة باستئثار السلطة أو الثروة أو کلاهما، وفی عالم یحکمه الصهاینة من یهود وغیر یهود، تصبح الصهینة حلماً لکثیر من البشر، خاصة فی الأمم المهزومة لأنها تقلد الغالب على ما یذهب ابن خلدون. حلم یراود البعض، فیقول: طالما هناک أقلیة صهیونیة تستأثر بحکم وثروة العالم لم لا نستأثر نحن أیضاً بحکم وثروة هذا القطاع السکانی أو الجغرافی. تبدأ الصهینة کفکرة وبعدها تحضر أدواتها القمعیة والخطابیة، ثم ینشأ منظروها ومفکروها فتتحول إلى حرکة سیاسیة.
ولأن الصهیونیة فکرة فهی لیست محتکرة من قبل الصهاینة الیهود. فالتاریخ یخبرنا أن أول صهیونیة نشأت عند الإنکلیز، وأن أول صهاینة فی التاریخ هم من الأنکلوساکسون. وقد نجم عن الصهیونیة الأنکلوساکسونیة إبادة شعوب أمریکا الأصلیة ومجازر لا تحصى فی کل أصقاع الأرض، کما أن الصهاینة الأنکلوساکسون هم من فرخوا الصهیونیة الیهودیة.
ویمکن ـ نظریاً ـ لأی مجتمع بشری بغض النظر عن الدین والعرق واللون أن ینتج فکرة صهیونیة. لا توجد مجموعة بشریة محصنة من الصهینة. وإن کان احتمال حدوث ذلک فی قلب الأمم العریقة ذات التاریخ الألفی، مثل الصینیین والهنود والعرب، قلیلا، وإذا حدثت الصهینة فی هذه الأمم فإنها تکون انحرافا جزئیا وعابرا ولا یصیب الأمة بأکملها، إنما جزء صغیر منها على شکل أقلیة دینیة أو عرقیة أو ثقافیة من مکونات هذه الأمم. وفی هذه الحالة فإن الأمة المصابة بصهینة أحد مکوناتها هی من یعانی من الصهینة قبل أیة أمة أخرى.
إن وجود الصهیونیة الیهودیة وممارساتها على أرض الواقع یعطینا فرصة لاستخلاص السمات العامة للصهیونیة على صعید الممارسة والخطاب، وهذه الصفات لیست خاصة بالصهیونیة الیهودیة، إنما یمکن رفعها إلى صفة القانون البشری، وبالتالی یمکن لأی فرد أو مجموعة أن تقیس طریقة تفکیرها وخطابها بهذه الصفات فإذا تطابقت معها فإن المجموعة قد تصهینت، وإذا اقتربت منها فإنها قریبة من الصهینة. وهکذا.
یقوم الحلم الصهیونی حسب الراحل جوزیف سماحة على 'الرغبة فی محاکاة النموذج الصهیونی بصفته المثال على نجاح حفنة قلیلة العدد فی امتهان عشرات الملایین، ومصادرة حقوقهم، وإذلالهم، والتنکیل بهم أو اعتراض طریقهم المشروع نحو التحرر والنهضة' (انظر مقال الشعب الکردی والطوائف العربیة). لذلک فان أیة مجموعة بشریة تجد نفسها فی موقع امتهان الملایین ومصادرة حقوقهم والتنکیل بهم إن طالبوا بحریتهم فهی صهیونیة.
تطفو على سطح الخطاب فکرة سمو عرق أو دین أو طائفة على بقیة الأعراق والطوائف والأدیان، فالصهاینة یعتبرون أن ما یجری فی عروقهم دم أزرق وأن حیاتهم أهم من حیاة بقیة البشر، ویمکنک ملاحظة هذا بسهولة فی الخطاب الصهیونی الیهودی واقعیاً، فعندما تعمل آلة لقتل الصهیونیة لیل نهار على فرم الناس ذبحاً فی الشوارع أو فی السجون والمعتقلات، یحدث أن یُقتل فرد من الصهاینة فتقوم الدنیا ولا تقعد ویُعتبر الأمر کارثة إنسانیة ویتوجب على البشریة کلها أن تتعاطف معها. کما یعتبر مقتل هذا الفرد دلیلاً على وحشیة العدو حتى لو کانت یدا القتیل ملوثتین بدماء العشرات إن لم نقل المئات. وکأن الصهاینة یقولون من حقنا أن نقتلکم کما نشاء. وهذا الأمر یسمیه منیر العکش 'حق التضحیة بالآخر' لکن إیاکم أن تمسوا الید التی تقتلکم. ویصبح دفاع الضحیة عن نفسها دلیلاً على وحشیتها لأنهم یعتبرون حیاتهم ومماتهم وآلامهم أهم من حیاة وممات وآلام البشر، ولک فی حکایة الهولوکست خیر مثال، فالصهاینة یرفضون أن یطلق أی شعب على معاناته اسم 'الهولوکست' لأنها حسب زعمهم تجربة فریدة وذروة الألم البشری، التی لا یمکن لشعب أن یصل إلیها. فهل أنت أو من حولک تفکرون بنفس الطریقة؟ إذا کان الجواب نعم فأنت صهیونی. هل بدأت بالندب على قتیل من جماعتک من دون أن تلحظ أنهار الدم التی تسیل فی الشوارع. هل تعتبر موت الآخرین بالمئات والآلاف حدثاً عادیاً لا یستحق الذکر فی حین أن مقتل شخص واحد من جماعتک الدینیة أو العرقیة أو الطائفیة مأساة یجب أن یحزن العالم له حتى لو کان متورطاً فی أعمال القتل وقام الضحایا بقتله دفاعاً عن النفس. إذا کنت کذلک فأنت صهیونی.
یتهم الصهاینة من ینتقد عدوانیتهم وجرائمهم بمعاداة السامیة، فإذا حدث واحتج أحد ما على ممارساتک من قتل وسلب ونهب واستئثار بالسلطة فاتهمته على الفور بالعنصریة أو الطائفیة أو المناطقیة. فاعلم أنک صرت فی وضع الصهینة .
الفکر الصهیونی مولع برسم صورة الضحیة لنفسه، وهی صورة لا علاقة لها بالواقع لا من قریب ولا من بعید، لأنه یمتلک المال ومدجج بالسلاح وهو من یقوم بالقتل صباح مساء. لکنه لا یتوقف عن تخویف أتباعه على مصیرهم، فهو یُعد کل تحرک من الجموع للمطالبة بحقوقها تهدیداً له ودلیلاً على عدوانیة هذه الجموع وعلى طائفیتها أو لاسامیتها. والشعور بالتهدید الدائم سواء کان حقیقیاً أم وهمیاً ـ غالباً یکون وهمیاً ـ هو جزء من بنیة الفکر الصهیونی وضرورة من ضرورات استدامة الصهینة، فمتى انحل هذا الخوف انحلت الجماعة المتصهینة، لذلک فإن الصهاینة یلقون حطباً کلما أحسوا أن نار الخوف شارفت على الانطفاء. ولنا أن نتذکر أن صهینة الیهود الشرقیین العراقیین تمت بعد عملیات استهداف لمعابدهم فی بغداد، تبین فیما بعد أن الحرکة الصهیونیة ضالعة فیها. قد یقوم الصهاینة بعملیات اغتیال وقتل وتشرید للیهود فی سبیل أن یبقى الشعور بالتهدید والخوف، فتنبهوا !
إن الخطاب الصهیونی مقلوب - قدماه مکان رأسه وبالعکس - فهم یقتلون صباح مساء بدون توقف ثم یلومون ضحایاهم على أنهم اضطروا لقتلهم. وهم فی المحصلة أقلیة بشریة ترید أن تستأثر بکل شیء وأن تمنع الحریة والحیاة عن عدد کبیر من الناس للحفاظ على مکتسباتها .
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS