هل کانت أوسلو لسلوان القضیة؟
هل کانت أوسلو لسلوان القضیة؟
عبد العزیز المقالح
لیس فی الخطوة التی اتخذها البیت الأبیض بالتخلی عن رعایة المحادثات المباشرة وغیر المباشرة بین السلطة الفلسطینیة والکیان الصهیونی، ما یعد شیئاً مهماً للفلسطینیین أو للعرب والعالم، فالکل یدرک منذ وقت طویل، منذ أوسلو وقبلها، أن الإدارات الأمریکیة المتعاقبة على البیت الأبیض، کانت قد تخلت عن الموضوع الفلسطینی، ووقفت فی وجه القضیة منذ قبلت بأن یکون الکیان الصهیونی جزءاً من الکیان الأمریکی، وأن یکون الولاء لهذا الکیان العدوانی مقدماً على الولاء للوطن الأمریکی، ورعایة مصالحه أهم بکثیر من رعایة المصالح الوطنیة للشعب الأمریکی.
ومن هنا، فلا جدید فی إعلان البیت الأبیض عن تخلیه التام عن المشارکة فی المحادثات، وانسحابه عن الضغط على الکیان الصهیونی بوقف التمدد الاستیطانی، وهو إعلان تأخر کثیراً، وکان فیه لو تقدم، الخیر کل الخیر للقضیة، ولأبنائها الحائرین بین محادثات السلام والمقاومة.
لقد خسر الفلسطینیون بعد أوسلو کثیراً، وقدموا قوافل من الضحایا، لم تکن لتحدث بالصورة وبالکم الذی حدثت به لولا اتفاقیات أوسلو، وما ترتب علیها من أوهام ومحادثات طال أمدها، وتمکن الکیان الصهیونی من خلالها وبفضلها من ممارسة انتهاکاته الجسیمة، وما رافقها من اغتیال للقیادات الفلسطینیة البارزة، وفی مقدمتها یاسر عرفات وأحمد یاسین.
والغریب أن السلطة واصلت مسیرة أوسلو إلى الیوم، غیر آبهة بالمماطلات والتسویفات، ولا بما یحدث على الأرض من زحف یکاد یقضی على الضفة. علماً بأنه لم یبق من الفلسطینیین المتمسکین بتلک الاتفاقیات الخادعة سوى أقلیة لا تکاد تذکر، بعد أن فتحت تلک الاتفاقیات على الشعب الفلسطینی أبواب جهنم التی لم یتوقف حریقها.
إن شعار "الأرض مقابل السلام" الذی ارتفع بعد مدرید تحول بفعل المحادثات إلى الأرض والسلام للکیان الصهیونی من دون أدنى مقابل. وما الحدیث عن الدولة الفلسطینیة، الذی خدع الملایین فی الداخل والخارج إلا لعبة متقنة الإخراج، وذلک لأن إیجاد دولة فلسطینیة فی حدود 1967 کما یقولون، لم تکن تحتاج إلى کل هذا الزمن ولا إلى کل هذه المماطلات والتسویفات المصحوبة بقضم الأرض وإقامة الجدران الزاحفة، وتهوید القدس وإلغاء عودة اللاجئین وغیرها من الإجراءات الفاجعة، التی لم یعرفها الفلسطینیون تحت الاحتلال وقبل اتفاقیات أوسلو سیئة السمعة.
ومن نافل القول أن أذکر هنا أنه کان لی صدیق مبدع وساخر توفاه الله بعد اتفاقیات أوسلو بعام واحد، کان یضحک بملء فیه، وهو یقف فی مقر العمل خطیباً لیتحدث إلى عدد من الزملاء بوصفهم من أبناء الأرض المحتلة قائلاً: "أیها الفلسطینیون: أسلوا.. أسلوا عن وطنکم، وأسلوا عن قضیتکم، فهذا ما تقوله اتفاقیات "أوسلو" المشبوهة والمکتوبة بالماء وعلى الماء، والتی مهمتها أن تأکلوا بعضکم وأن تنقسم إرادتکم، وأن یتسلل العدو إلى صفوفکم، وهو یمنیکم کذباً بدولة لن تقوم إلا بالمقاومة والانتفاضات الشعبیة المتوالیة". ولو عاش ذلک الصدیق الحکیم حتى الیوم لکان قد وجد ألف دلیل ودلیل على صحة وجهة نظره تلک، فقد مضى على تلک الاتفاقیات خمسة عشر عاماً. وقامت محادثات وسقطت. وقامت أخرى وسقطت أیضاً، لکن من دون جدوى.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS