الاعتراف بدولة یهودیة کآلیة لتجریم النضال الوطنی الفلسطینی
الاعتراف بدولة یهودیة کآلیة لتجریم النضال الوطنی الفلسطینی
حنین زعبی
تفاقمت فی إسرائیل مؤخرا مظاهر العنصریة ضد الفلسطینیین داخل إسرائیل، والاستطلاعات تشیر إلى رفض غالبیة یهودیة السکن بجانبهم. وانتقلت هذه العنصریة ـ الکراهیة من مستوى الشعور الفردی لمستوى التصریح الجماعی، إلى أن وصلت لرجال دین لهم ثقلهم الاجتماعی الدینی، وثقلهم الرسمی کرجال دین معترف بهم من قبل الدولة. الانتقال من مستوى الشعور العنصری لمستوى التعبیر عن هذا الشعور، یحتاج لأجواء وثقافة مواتیة، والانتقال من مستوى التعبیر الفردی لمستوى التعبیر الجماعی یحتاج لشرعیة مضاعفة فی الثقافة العامة.
والمواقف السیاسیة أو الاجتماعیة لا تصبح جزءا من ثقافة عامة، وجزءا من إجماع إلا إذا ساندتها سیاسات رسمیة، بالتالی موقف نتنیاهو 'الغاضب' من تصریحات الحاخامات، لا تعنی شیئا، بالعکس، کما یستعمل لیبرمان کأداة للتعاطی مع العنصریة الإسرائیلیة کمشکلة شخص أو فئة، لیبرمان- الیمین، تم التعاطی فی الکنیست مع نداء الحاخامات کمشکلة أفراد، وتجاهل الکنیست أنه سبق هؤلاء الحاخامات فی ندائه لمنع العرب من السکن، وقانون لجان القبول فی التجمعات السکنیة الصغیرة (حتى 500 وحدة سکنیة) هو الأصل البرلمانی لنداء الحاخامات. المبدأ ـ مبدأ منع العرب من اقتناء مسکن أو قطعة أرض (أرضهم) سبق وطرح، بل وقبل فی الکنیست، بالتالی غضب البرلمان - الذی طرح خلال سنة قوانین ومشاریع قوانین عنصریة تجاه الفلسطینیین ما یفوق نداء الحاخامات- و'رفض' نتنیاهو، مرفوض.
لم تعد السیاسات الرسمیة فی إسرائیل تستطیع أن 'تکتفی' بسیاسات إقصاء ومحاربة الوجود الفلسطینی، بل وجدت نفسها فی العقد الأخیر، 'مرغمة' أیضا على نزع الشرعیة عن کل نضال یتحدى سیاسات الإقصاء هذه، وعلى 'تبریر' عملیة نزع الشرعیة هذه.
أما حول السؤال، لماذا فی العقد الأخیر، ألم تحاول اسرائیل أن تنزع شرعیة نضالنا قبل ذلک، فالجواب هو لا. لقد قامت الدولة بمحاربة نضالنا الوطنی خلال الستین عاما، ونضالنا الوطنی لم یبدأ فی العقد الأخیر، بل هو نما وتطور ـ لیس بشکل تصاعدی- منذ النکبة، لکن إسرائیل هضمت وتعایشت مع نضالنا القدیم 'للسلام والمساواة' ولم تر فیه تحدیا، وبالتالی لم تحاول نزع الشرعیة عنه، ولم یکن ذلک ـ نزع الشرعیة عن نضالنا ومشروع 'نا' الوطنی- جزءا من إستراتیجیة محاربة الوجود الفلسطینی.
مفهوم الولاء للدولة الیهودیة، مستتبع بقوانین الولاء، ومجموعة القرارات والتصریحات التی تربط بین الخدمة العسکریة أو الخدمة وحقوق المواطنة، هو الألیة التی یتم بها نزع الشرعیة عن مشروع 'نا' الوطنی الممثل بـ'دولة المواطنین'.
مطلب الاعتراف بإسرائیل کدولة یهودیة، وما ینتج عن ذلک، لیس مجرد تصعید للعنصریة، ولا یقتصر على الجانب الرمزی ـ العملی، محاربة الحصانة الأخلاقیة لهویتنا وانتمائنا، بل له إلى جانب ذلک وظیفة سیاسیة إستراتیجیة خاصة، وهو الترجمة العملیة لتصریح الشاباک وأولمرت فی لجنة هرتسلیا 'سنحارب کل من لا یعترف بإسرائیل کدولة یهودیة حتى لو استعمل الوسائل الدیمقراطیة'.
لا تستطیع الدولة أن تحارب من 'یستعمل وسائل دیمقراطیة'، بالتالی الحل هو إعادة تعریف 'الدیمقراطیة' لکی تصبح الوسائل التی کانت من قبل دیمقراطیة، وسائل غیر دیمقراطیة، ولکی تتم المطابقة بین 'الخطر الاستراتیجی' - إذ یتعلق بمواطنین، ولیس بخطر خارجی- وبین مخالفة القانون.
إذا، 'تجریم النضال السیاسی' هو وظیفة رزمة قوانین ومفاهیم الولاء للدولة الیهودیة، وهی عملیة إعادة رسم حدود الشرعیة السیاسیة فی إسرائیل. کان دائما غیر شرعی رؤیة التناقض بین الیهودیة والدیمقراطیة والعمل السیاسی على أساس هذا التناقض، لکن لم یکن هنالک من یقوم بذلک، وتضطر إسرائیل لتوضیح 'غیر الشرعی'، فقط عندما یتطور إجماع فلسطینی یجبر هذا التناقض المخفی إلى التحول إلى تناقض صریح ویومی.
وکلما قامت الدولة بطلب الولاء لها کدولة 'یهودیة ودیمقراطیة' زادت مخالفتها هی لهذا الولاء، فکل ترجمة قانونیة أو سیاسیة لهذا الولاء، هی أفضل من یفضح هذا التناقض بین یهودیة الدولة ودیمقراطیتها. إن أول من یخالف 'الولاء' لإسرائیل کدولة یهودیة ودیمقراطیة هو الدولة نفسها.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS