سلِّم تسلم یا مبارک

سلِّم تسلم یا مبارک
محمد قبرطای
لا شک بأن معظم الأقطار العربیة دول فاشستیة سواءً کانت أنظمتها ملکیة أم جمهوریة. والأنظمة الفاشستیة تقوم علی مبدأ الانفراد المؤبد بالسلطة. فالسلطة والأموال والأسلحة تظل دائماً وأبداً بأیدی الرئیس الأوحد والنظام الأوحد. وکل من یعارض هذا الاحتکار للسلطة یعتبر خائناً للوطن ویعاقب بالقتل أو السجن والتعذیب إذا لم یهرب تارکاًَ أهله وبلاده لقمةً سائغةً للنظام الجائر.
وقد حاربت الدول التی تسمی أنفسها "دیمقراطیة" "أی تحکم باسم الشعب ولصالحه" الأنظمة الفاشستیة التی قامت إثر الحرب العالمیة الأولی وظلت تحکم حتی قضت علیها الحرب العالمیة الثانیة.
لکن هذه "الدیمقراطیات" لم تکن هی نفسها دولاً دیمقراطیة إلا شکلیا. فبریطانیا وفرنسا کانتا إمبراطوریتین استعماریتین لا تغیب الشمس عن مستعمراتهما. والولایات المتحدة استفردت بأمریکا الوسطی والجنوبیة بموجب مبدأ الرئیس مونور٬ الذی أعلن أن بلاده ستحارب أیة دولة تحاول ضم أی جزء من أمریکا اللاتینیة إلی إمبراطوریتها. وفضلاً عن ذلک انفرد البِیض فی الولایات المتحدة بالحکم حتی ثار علیهم السود عملا بنصیحة الرئیس الأسبق جون ف. کندی "مجرم حرب فیتنام وحصار کوبا" إذ قال: "الذین یمنعون الثورات السلمیة سیواجهون الثورات التی تراق فیها الدماء".
وهذا هو ما یحدث الآن فی مصر وسیحدث فی کل بلد فاشستی عربی مثلما حدث فی تونس. وقد کان الرئیس التونسی السابق زین العابدین بن علی أکثر حکمة من الرئیس المصری حسنی مبارک "أو بالأحری حسنی منحوس" إذ ولّی الأدبار عندما أیقن أن القدر قد استجاب للشعب التونسی عندما طلب الحیاة الحرة الکریمة. "أما مارشال الجو حسنی مبارک الذی قصقص سلاح الجو الإسرائیلی أجنحة سلاح الجو المصری الذی کان یرأسه فی حزیران 1967 بینما کان جنابه یغط فی النوم" فإنه یرفض الاعتراف بأنه فقد الشرعیة اللازمة للحکم بعد أن عذَّب مواطنیه وخیَّب آمالهم طوال ثلاثین سنة حتی باتوا یصرخون "کفایة یا رجل. ارحل فوراً وریّحنا وریّح نفسکِ". لا. إنه لن یرحل فوراً بل سیبقی فی الحکم حتی سبتمبر القادم٬ کی یصفی حساباته مع معارضیه ونقاده طوال الشهور الثمانیة أو التسعة القادمة.
لکن الجماهیر المحتشدة فی میدان التحریر فی القاهرة وفی أماکن أخری فی القطر المصری یرفضون هذا العناد والتعنت "البغلی" ویقولون "دعنا وشأننا" وإلا فاننا سنزحف علی القصر الجمهوری بعد صلاة الجمعة ونسحلک منه إلی مزبلة التاریخ. فکان جواب مبارک الذی یزعم أنه یحب شعبه ولا ینوی الرحیل إلی إسرائیل٬ هو إطلاق الغوغاء المأجورین وعناصر الشرطة الذین هربوا من وجه الجماهیر لیعودوا علی الخیل والجمال مسلحین بالبنادق والخناجر وقنابل مولوتوف لیحاربوا تلک الجماهیر بعد أن رفض الجیش محاربتهم.
ومن جراء ذلک سقط أکثر من مئة قتیل وأکثر من ألف جریح. ومسؤولیة هذه الجرائم تطوِّق عنق مبارک ونائبه عمر سلیمان اللذین یرفضان الحوار مع المعارضین إلا بعد الاستسلام بلا قید أو شرط.
عندما فتح القائد الإسلامی عمرو بن العاص القطر المصری بدعوة من مقوقس الأقباط الذی ناشد الخلیفة عمر بن الخطاب أن یُخرج الروم من مصر٬ سأله الخلیفة أن یصف له مصر فأجاب: "أرضها ذهب ونساؤها لعب ورجالها تجمعهم طبلة ویفرقهم عصا٬ وهی لمن غلب".
یظن حسنی مبارک أنه هو الذی غلب، وما غالب إلا الله. لکن شعب مصر المعاصر غیر الشعب الذی وصفه عمرو بن العاص. فهو شعب واع وقوی وعنید٬ وهو یعرف أخطاء سیاسة مبارک وطغمته. فقد حارب ضد صدام حسین بلا سبب وأقام جدارا من الفولاذ بین مصر وقطاع غزة تضامنا مع الحصار الإسرائیلی کالذی أقامته إسرائیل حول القدس وبیت لحم ضد أبناء فلسطین.
قدیما قال ونستون تشرتشل: الدیمقراطیة حافلة بالأخطاء والعیوب٬ ولکننی لا أجد نظاما آخر أفضل منها. وهذا هو رأی الشعب المصری الآن.
ویزعم مبارک وطغمته أن مصر ستنهار إذا نزلوا عن ظهور المصریین٬ ولیس هذا صحیحا. فالعشرة الکبار من زعماء الأحزاب والاتجاهات الدیمقراطیة المصریة اتفقوا علی تکلیف رئیس المحکمة العلیا بأشغال منصب الرئیس مؤقتاً ریثما یجری انتخابات حرة تسفر عن اختیار الذین یثق بهم الشعب لیشکلوا حکومة جدیدة نظیفة الیدین وخالیة من العناصر الفاشستیة.
وهکذا سیتم استبدال الطالحین بالصالحین سلمیاً إلا إذا شاء مبارک- ونائبه عمر سلیمان- سفک المزید من الدماء. بالنسبة للعالم الخارجی اتضح أن أمریکا والاتحاد الأوروبی لا تریدان بقاء دکتاتور یریق دماء مواطنیه حتی ولو کان خادما مطیعا لهما ولإسرائیل. أما الدول العربیة فقد حذت حذو إسرائیل فی إلتزام الصمت إلی أن ینجلی الغبار ونری هل تحتها فرس أم حمار؟!.
ن/25