المطلوب ثورات عربیة تطرد امریکا من الباب و لا تعیدها من الشباک

المطلوب ثورات عربیة تطرد أمریکا من الباب ولا تعیدها من الشبّاک

ما یجری فی مصر من ثورة شعبیة تدور على هامشها أحداث أمنیة مؤسفة سریع ومثیر یسبب الدوار أحیانا.

لکن الأکثر إثارة فی ما یحدث یلخصه السؤال التالی: ما هو الموقف الحقیقی للولایات المتحدة من ثورة شعبیة مصریة قد تعصف بنظام تبنی علیه واشنطن مختلف سیاساتها فی المنطقة ما تعلّق منها بملف القضیة الفلسطینیة وما یسمى بالسلام العربی مع إسرائیل..

وأیضا ما تعلق بالعراق الآن وسابقا أثناء المسیرة الطویلة نحو إسقاط نظامه ودولته، وکذلک ما تعلق بلجم النفوذ الإیرانی فی المنطقة، ومن ثم استقرار منطقة الخلیج المصدر الکبیر للنفط والأموال.

فی خضم فورة التحمس للثورة الشعبیة فی مصر نرى إهمالا کبیرا من قبل النخب العربیة لهذا السؤال الجوهری، وانصرافا عنه باتجاه إبراز المواقف اللفظیة الأمریکیة الرنانة والتی حاولت الإیهام بانحیاز إلى مطالب الشعب المصری، والحال أن تلک المطالب خطر على أمریکا ومصالحها وإسرائیل ووجودها.

فثورة الشعب المصری الیوم هی ثورة خبز، ولکنها أیضا-وبالأساس- ثورة کرامة وطنیة على نظام مرّغ تلک الکرامة فی الوحل بتحالفه العضوی مع إسرائیل ألد أعداء الأمة العربیة حتى تحوّل إلى حارس أمین لحدودها.

ومن بإمکانه الیوم أن ینسى کیف عاکس نظام مبارک إرادة شعبه وتحدى أحکاما صادرة عن قضاة نزهاء لیواصل تزوید اسرائیل بالغاز بأسعار مخفضة.

ومن یستطیع أن ینسى أن وزیرة الخارجیة الاسرائیلیة السابقة تسیبی لیفنی أعلنت الحرب على غزة من مصر والوزیر أبو الغیط یقف إلى جانبها؟..

ومن ینسى استماتة نظام مبارک فی محاصرة قطاع غزة بشتى الطرق والوسائل؟..

ثم من ینسى الدور المحوری لمبارک فی ضرب العراق وإسقاط نظامه ودولته بدءا من محاولته أن یفرض على الزعماء العرب المجتمعین فی بلاده سنة 1990، أن یمضوا على صک على بیاض بالموافقة على دعم عدوان أمریکی على العراق، وهو ما فضحه آنذاک أحد الزعماء المشارکین فی القمة وتصدى له.

فهل یاترى من المعقول أن تنحاز واشنطن ضد نظام حقق لها کل هذا وأخرج مصر من معادلة القوة العربیة ما جرّ انهیارا مدویا فی النظام العربی؟..

لیس ذلک مما یصدّقه العقل، کما لیس من المعقول أن ترید أمریکا الدیمقراطیة للشعوب العربیة، اللّهم تلک "الدیمقراطیة" المشؤومة التی أرستها فی العراق والتی جعلت البلد یتدرج بسرعة نحو الخروج من التاریخ بسقوطه فی الطائفیة والإرهاب.

الدیمقراطیة حریة وقوة ووعی ومشارکة جماعیة فی بناء أوطان محصنة بالحقوق والواجبات ضد التدخل الأجنبی وضد تمریر مشاریع الأعداء على حساب الذات وهو بالتأکید ما لا ترضاه واشنطن وربیبتها اسرائیل للشعوب العربیة.

وإن شعبا مصریا ینعم بالدیمقراطیة الحقیقیة معناه سقوط أسطورة اسرائیل باعتبارها "الدیمقراطیة" الوحیدة فی "بحر من الدیکتاتوریات العربیة" وهی الذریعة التی طالما ابتزت بها تل أبیب الدول الغربیة، وجعلت الکثیر من نخب تلک الدول وساستها یذرفون دموع التماسیح خوفا من ضیاع "الدیمقراطیة" الوحیدة فی الشرق الأوسط کلما لاحت بوادر مقاومة للدولة العبریة التی لم تتوان فی توظیف "دیمقراطیتها" المزعومة فی التنکیل بالشعب الفلسطینی والاعتداء على لبنان واغتصاب المزید من الاراضی العربیة.

حتما لا ترید واشنطن دیمقراطیة تعید مصر قلبا نابضا للعروبة. وما مواقفها اللفظیة سوى نفاق فضحته مطالبتها مبارک بـ"إصلاحات" عمیقة ما یعنی أنها تعترف بشرعیته فی مواصلة القیادة لتنفیذ تلک الإصلاحات.

إنّا لا نرید هنا مجرد التحذیر من اختطاف ثورة الشعب المصری، ولکنا نرید التنبیه إلى أن مخطط اختطافها بدأ فعلا.. وإنّا لنجد الملامس الأمریکیة واضحة فی ذلک المخطط.

ما حدث فی مصر من فراغ أمنی مقصود ومن نهب و"بلطجة" منظمة یعتبر سیناریو منسوخا بالکربون عن محاولة إسقاط تونس فی الفوضى بعد نجاح ثورتها الشعبیة، وهو ما تفطن له الشعب التونسی وأفشله.

وإنّا نجزم بأن کاتب السیناریو التونسی والمصری والعراقی قبلهما هو نفسه، وهو سیناریو نلمس فیه بجلاء الدهاء الأمریکی والخبث الإسرائیلی.

إننا من هذا المنبر ندعم ثورة الشعب المصری وزحفه التاریخی نحو الحریة والدیمقراطیة.. دیمقراطیة مصریة عربیة ممهورة بدماء الشهداء الأبرار.. لا "دیمقراطیة" أمریکیة مموهة بدعاوى حقوق الانسان المزعومة تقود إلى الفوضى والانفلات.

فیا شعب مصر العظیم ندعوک ونشد على ایادیک لتواصل ثورتک المجیدة.. ثورة مؤطرة ومنظمة.. لا ثورة مشوبة بالغوغاء والفوضى تطرد الأمریکان من الباب لتعیدهم من الشبّاک.

( عن العرب اللندنیة )

ن/25