الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

«فیتو» أوروبی یسبق الأمریکی..!!

 

نقولا ناصر

 

الاتحاد الأوروبی مستنفر، مجتمعا ومنفردا، وسلطة وبرلمانا، وسیاسیا وإعلامیا ودبلوماسیا. والهدف هو افشال تحرک مزمع من منظمة التحریر الفلسطینیة نحو الامم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطینیة على اساس حدود ما قبل الاحتلال الاسرائیلی عام 1967.وفی محاضرة له فی أبو ظبی اول الشهر الجاری قال مدیر معهد الاتحاد الأوروبی للدراسات الامنیة، ألفارو دو فاسکونسیلوس، ان فلسطین یمکن أن تحصل على اعتراف الجمعیة العامة للأمم المتحدة فی ایلول/ سبتمبر المقبل إذا تکاتفت أوروبا بقوة مع المطالب الفلسطینیة.

لکن أوروبا تقود الآن حملة معادیة محمومة فی الاتجاه الآخر، مما یبدد الرهان العربی- الفلسطینی على الاتحاد الأوروبی کما بدد الرهان المماثل على الولایات المتحدة، باعتباره رهانا على الوهم، لا على الأمل، مما یثیر اسئلة جادة عن دور أوروبی طال انتظار العرب، وبخاصة الفلسطینیین منهم، فی ان یستقل یوما ما عن التبعیة للولایات المتحدة الأمریکیة، وان یکون فاعلا فی وساطة نزیهة غیر منحازة فی الصراع بینهم وبین دولة الاحتلال الاسرائیلی، اساسه العدل والقانون الدولی وقرارات الأمم المتحدة، لا أمن دولة الاحتلال.

وهذا الموقف الأوروبی یرقى عملیا الى مستوى حق نقض "فیتو" أوروبی عملی اقوى کثیرا من "الفیتو" الأمریکی فی مجلس الامن الدولی الذی هدد بوأد التوجه الفلسطینی الى الامم المتحدة فی خطوته الاولى، فالفیتو الأمریکی یمکن التغلب علیه اجرائیا ولن یتمکن من منع منظمة التحریر من الذهاب الى الجمعیة العامة، لکن "فیتو" الاتحاد الأوروبی لا یمکن التغلب علیه لأن نسبة ثلثی اعضاء الجمعیة العامة للامم المتحدة اللازمة للموافقة على الطلب الفلسطینی ینقصها فقط اصوات دول الاتحاد الأوروبی.

ومبادرة آشتون والأخرى الفرنسیة قبلها تعنی أن الاتحاد الأوروبی قد استخدم الفیتو عملیا ومسبقا دون الحاجة الى منافسة الولایات المتحدة على استخدام الفیتو فی مجلس الأمن الدولی عن طریق فرنسا وبریطانیا عضوا الاتحاد اللذان یتمتعا بحق النقض فی المجلس، وبذلک تکون آشتون واتحادها قد أعفیا واشنطن من مهمة لم یکن لدیها ای تردد فی القیام بها على کل حال.

فالاتحاد الأوروبی، "مجتمعا"، بعث رئیس برلمانه، جیرزی بوزیک، الى المنطقة فی الاسبوع الماضی، لیعلن ان التحرک الفلسطینی تحرک "احادی من جانب واحد"، ویصفه بانه "خطر"، ویحث مفاوض منظمة التحریر على الالتزام باستمرار الحرث فی المیاه الآسنة للتفاوض الثنائی مع دولة الاحتلال والرهان على وهم "الاتفاق" معها فی یوم ما على انهاء الاحتلال واقامة دولته المأمولة.

و"مجتمعا" ایضا ورسمیا، بعث الاتحاد الأوروبی مؤخرا منسقته العلیا للسیاسة الخارجیة والامنیة، کاثرین آشتون، الى المنطقة، فی زیارة تستغرق اربعة ایام تشمل دولة الاحتلال ورام الله والاردن ومصر، تقدم بعدها تقریرا عنها الى وزراء خارجیة الاتحاد السبعة والعشرین فی لوکسمبورغ یوم الاثنین المقبل. ومهمة زیارتها تتلخص فی منع التحرک الفلسطینی نحو الأمم المتحدة، لأن "هذا لیس وقت لتحرکات من جانب واحد.. یمکن ان تقود الى التصعید".

وبدیلها هو استئناف المفاوضات المباشرة بین المنظمة وبین دولة الاحتلال. واقتراحها لاستئناف هذه المفاوضات یتلخص فی عقد اجتماع للجنة الرباعیة الدولیة "الاتحادان الأوروبی والروسی والولایات والأمم المتحدة"، "یتبنى بیانا" على اساس "عنصرین هامین" فی دعوة الرئیس الأمریکی باراک اوباما المماثلة الى استئناف المفاوضات وهما تحدیدا کما قالت "حدود على اساس خطوط 1967 مع تبادلات یتفق الطرفان علیها" للاراضی، و"ضمانات حازمة لأمن" دولة الاحتلال. وقد بعثت آشتون فی العاشر من هذا الشهر رسالة بمقترحاتها کتبتها بالتنسیق مع فرنسا وبریطانیا والمانیا وایطالیا واسبانیا الى وزیرة الخارجیة الامریکیة هیلاری کلینتون ونظیرها الروسی سیرجى لافروف والأمین العام للامم المتحدة بان کی مون.

ان مبادرة الاتحاد الأوروبی مبنیة على مبادرة الرئیس الأمریکی اوباما فی خطابیه الشهیرین فی ایار/ مایو الماضی، مثل المبادرة الفرنسیة قبلها، مما یجعل من المبادرتین مجرد نسخة فرنسیة واخرى أوروبیة من مبادرة اوباما، وبالتالی لا جدید فیهما یمکن ان یحقق ما عجز أوباما عن تحقیقه. ویعرف اصحابهما ان الرفض الاسرائیلی لمبادرة اوباما هو السبب الرئیسی فی عدم استئناف المفاوضات التی دعا الرئیس الأمریکی الى استئنافها، ویعرفون ان هذا الرفض ینسحب على مبادرتیهما اللتین لن تقودا الى استئنافها ایضا. ومع ذلک تکرر کاثرین آشتون المبادرتین الأمریکیة والفرنسیة.

ولا یمکن وصف هذا التکرار بـ"السذاجة" کما فعل وزیر خارجیة دولة الاحتلال افیغدور لیبرمان. فالمبادرتان الفرنسیة والأوروبیة لم تستهدفا استئناف المفاوضات اصلا، ولو کان الاتحاد الأوروبی حریصا على استئنافها حقا لمارس نفوذه لدى دولة الاحتلال کی لا تتوقف هذه المفاوضات اصلا بسبب استفحال الاستعمار الاستیطانی فی القدس المحتلة بخاصة.

ومن الواضح تماما ان الحملة الأوروبیة المحمومة الحالیة تستهدف افشال تحرک فلسطینی للتوجه الى الامم المتحدة، وتستهدف ابقاء مفاوض منظمة التحریر مرتهنا لذات "عملیة السلام" التی کانت نتیجتها حتى الآن صفرا للفلسطینیین مقابل انجازات هائلة لدولة الاحتلال.

وفی تزامن مع رسالة آشتون کان د. موشى کانتور، رئیس المؤتمر الیهودی الأوروبی، قد بعث فی العاشر من الشهر ایضا رسالة الى کل قادة الدول الاعضاء فی الاتحاد الأوروبی ووزراء خارجیتها یقول فیها انه "على أوروبا ان تقول للفلسطینیین بحزم انهم سوف یحققون طموحاتهم على طاولة المفاوضات فقط ولیس فی ای مکان آخر".وکانت هذه هی على وجه التحدید رسالة آشتون الى "الرباعیة" والمنطقة ومفاوض منظمة التحریر.

وربما کان کانتور محقا عندما قال فی رسالته ان "الفلسطینیین یعتبرون اجزاء من أوروبا مضمونة" التأیید لهم. فالوهم ما زال یساور المنظمة وحکومتها بأن "الاتحاد الأوروبی سوف یتخذ قرارا لیعترف کمجموعة بدولة فلسطینیة بحدود 1967" کما قال د. ریاض المالکی وزیر خارجیة السلطة یوم الخمیس الماضی فی اسبانیا التی نسقت آشتون رسالتها معها.

لکن کانتور لم یکن دقیقا عندما عمم، فمفاوض المنظمة هو فقط من ما زال یراهن على تایید بعض الأوروبیین باعتباره "مضمونا"، بالرغم من الحقیقة التی تصفع الوجه بقسوة بان النتیجة الوحیدة لهذا التأیید المزعوم کانت حتى الآن "صفرا"، اما اغلبیة الرای العام الفلسطینی بخاصة والعربی بعامة فما زالت ترى أوروبا "الرسمیة" قارة عجوزا سوف تظل الى فترة طویلة مقبلة عاجزة عن ممارسة ای دور مستقل عادل فی الصراع العربی- الاسرائیلی یتفق مع عمق التزام الرأی العام الأوروبی بمبادئ العدل والقانون الدولی، طالما ظلت أوروبا تابعا للولایات المتحدة.

والاتحاد الأوروبی کدول منفردة لیس اقل نشاطا فی حملة الاتحاد المحمومة کجماعة. فقد کان الهدف هو ذاته من المبادرة الفرنسیة لاستئناف المفاوضات. وقد انضم رئیس الوزراء الایطالی سیلفیو بیرلسکونی مؤخرا علنا الى المعارضة الأمریکیة- الاسرائیلیة لتوجه منظمة التحریر الى الامم المتحدة. واعلن وزیر الخارجیة الالمانی غویدو فیستر فیللى صراحة فی الاسبوع الماضی ان ذلک هو "هدفنا وهذا هو ما نعمل من اجله".

وبما ان هذا هو على وجه التحدید الهدف الذی تشن من اجله حکومة دولة الاحتلال برئاسة بنیامین نتنیاهو حملة دبلوماسیة عالمیة، لا یعود من التجنی القول ان الاتحاد الأوروبی تحول الى أداة فی خدمة أهداف حکومته.

والمفارقة ان الاتحاد الأوروبی لا یفتأ یردد مفتخرا بأنه "بانی" مؤسسات الدولة الفلسطینیة، وانه المانح الاکبر للشعب الفلسطینی، ولوکالة غوث وتشغیل اللاجئین الفلسطینیین "أونروا"، ولسطلة الحکم الذاتی الاداری. ومنذ بدایة القرن الحادی والعشرین حصلت "أونروا" من الاوربیین على اکثر من ملیار یورو، وحصلت السلطة على حوالی خمسة ملیارات یورو أوروبی. وحسب کریستیان برغر ممثل الاتحاد فی "الاراضی الفلسطینیة" المحتلة "یساهم الاتحاد الأوروبی بحوالی 500 ملیون یورو، ویاتی المبلغ ذاته تقریبا من الدول الاعضاء منفردة" سنویا، وخلال العام الماضی تجاوزت المساهمة الأوروبیة ال 250 ملیون یورو.

ومع ذلک ما زالت مشکلة اللاجئین الفلسطینیین دون حل عادل، ولم یتحسن وضع المواطن الفلسطینی العادی، وسوف تنهار السلطة الفلسطینیة لو توقف المانحون عن الدفع، ولم ینته الاحتلال، ولا تحقق السلام، والمستفید الوحید کما یبدو من "التمویل" الأوروبی للفلسطینیین هو الاحتلال فقط، فهذا التمویل یعفی دولة الاحتلال من التزاماتها کقوة قائمة بالاحتلال، ویرتهن بقاء السلطة وقرارها لهذا التمویل، مما یدعو الى التساؤل: ألیست عودة اللاجئین ومنح الفلسطینیین تحت الاحتلال حقهم فی تقریر المصیر أوفر کثیرا على دافع الضرائب الأوروبی؟.

ن/25

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143189







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)