تداعیات الحروب العربیة الإسرائیلیة مستمرة
فوزی الأسمر
ازدادت فی الفترة الأخیرة المقالات التی تنشر فی الصحف العبریة عن تداعیات وأبعاد نتائج الحروب التی وقعت بین العرب وبین إسرائیل. فقد اکتشف الکتاب الإسرائیلیون أن هذه الحروب کانت شبه کارثیة على إسرائیل، أکثر منها على الدول العربیة، على جمیع المستویات: أیدیولوجیا واقتصادیا، وطبعا عسکریا. وهذا المقال عبارة عن جولة بین بعض المقالات التی تطرقت إلى هذا الموضوع ونشرت فی الصحافة العبریة فی محاولة لإعطاء صورة عن هذا النوع من التفکیر الجدید/ القدیم والذی بدأ یظهر الیوم.
فهناک شبه إجماع الآن على أن حرب 1967 التی تفتخر إسرائیل بنتائجها حتى یومنا هذا وضعت إسفینا فی خصر هذه الدولة قد یؤدی إلى انهیارها أیدیولوجیا وعسکریا، کما أنها أدت إلى أن تقف حجر عثرة فی وجه الوصول إلى سلام مع الفلسطینیین والدول العربیة على حد سواء، وأدت إلى زیادة غطرستها وتحدیها للمجتمع والرأی العام العالمیین.
ولعل أفضل وصف لتداعیات هذه الحرب ما کتبه المحلل السیاسی لصحیفة "هآرتس" الإسرائیلیة عکیفا إلدار "6/ 6/ 2011": "إن یوم الإنتصار العسکری الساحق والمهم فی حرب الأیام الستة هو فی الواقع یوم الهزیمة للصهیونیة التقلیدیة العقلانیة. لقد أخلت مکانها للصهیونیة الرافضة والمدمرة، والتی أعطت شرعیة "للسیطرة على" دونم إضافی من الأرض، وللتحلیلات العنصریة التی هدفها التحدی. کما فتحت المجال للإقامة المستوطنات والتی برهن توسیعها على أنها ستکون جزءا لا یتجزأ من دولة إسرائیل. وأصبحت "المستوطنات" البدیل لکریات شمونه وقرى حدودیة أخرى.
وبدلا من إبعاد التهدید العسکری عن حدود إسرائیل، الشیء الذی یسمح بتحسین مستوى قرى ومدن المواجهة "أی الواقعة على الحدود مع الدول العربیة"، تبین أن هزیمة الجیوش العربیة أصبحت هزیمة لهذه القرى والمدن. وعندما تدوی المدافع تکثر التعهدات وعندما تسکت المدافع ترتفع فی وجوه السکان الأصابع المثلثة".
ویضیف الکاتب: "إن الرئیس شمعون بیرس هو الذی عمل وساعد على إقامة الوحش الذی اسمه مستوطنات، فقد قدّر قبل خمس سنوات بأن دولة إسرائیل قد صرفت 60 ملیار دولار على إنشائها".
وبدأ الکثیرون من الکتاب والمحللین الإسرائیلیین یعتقدون أن التصلب الإسرائیلی بالنسبة للحل مع الفلسطینیین أساسه الإنتصار فی حرب عام 1967، فقد فتحت هذه الحرب شهیة إسرائیل لضم المزید من الأراضی والتصلب فی مواقفها. وساعد ذلک الموقف العربی الرسمی المتخاذل وتحرکه المستمر فی تقدیم التنازلات لإسرائیل، بدون الحصول على مقابل منها. ولکن فی نفس الوقت أدى ذلک إلى قیام ثورات لا تزال مستمرة ضدّ الأنظمة التی غضت الطرف عن جرائم إسرائیل وبعضها شارک فیها علانیة وبعضها من وراء الستار.
فقد کتبت یاعل باز- میلامد تقول: "خسارة أن ندفع ثمنا باهظا بسبب التصلب والعناد الإسرائیلی. الوقت یمر ومزید من الکراهیة تترعرع کل یوم، والواقع أننا نضعف کل یوم، ونخسر المزید من القیم الأخلاقیة والإنسانیة، وسیمر وقت طویل، ووقت غال وثمین سیضیع، وستسقط الضحایا من الجانبین. السبب فی ذلک یعود إلى أن جانبا واحدا یرید أن یضم کلیومترا هنا وکیلومترا هناک" "معاریف 29/ 5/ 2011".
فالموقف الإسرائیلی الرافض هو الذی أدى إلى التحرکات الفلسطینیة الأخیرة، فقد جاءت بعد أن رفضت إسرائیل کل المبادرات بما فیها المبادرة العربیة، ورفضت تطبیق القرارات الدولیة، والمعاهدات الثنائیة والإتفاقیات، واستمرت فی سرقة الأراضی الفلسطینیة وإقامة المستعمرات.
یقول إیلیؤر لیفی "یدعوت أحرونوت 6/ 6/ 2011" إنه: "بعد یوم النکبة ویوم النکسة فإن وزارة الدفاع "الإسرائیلیة" تستعد لما سیأتی: یوم القدس والأسطول الذی سیبحر إلى غزة والطائرات المحملة بالفلسطینیین التی قد تصل إلى مطار بن غوریون، وطبعا انتظار ما سیحدث فی شهر أیلول/ سبتمبر القادم فی الأمم المتحدة".
فحرب 1967 أدت إلى حرب 1973، الحرب الأخیرة زادت من قوة الیمین الإسرائیلی. وفی عام 1977 وصل الیمین لأول مرة إلى الحکم فی إسرائیل. ومع مرور الزمن تبین أن ما یسمى بالیسار الإسرائیلی لا یختلف کثیرا عن الیمین، فکلاهما ینظر إلى الأمور بمنظار صهیونی إلى القضیة الفلسطینیة وإلى ممارسة دور إسرائیل فی المنطقة. ولهذا زادت قوة الیمین وزاد تطرفه، وقد انعکس ذلک على مجریات الأمور فی ما یسمى بالمسیرات السلمیة ومحاولة الوصول إلى حلول، ولکن کلها باءت بالفشل بسبب التعنت الإسرائیلی بعدم تقدیم أیة تنازلات على الأرض.
ولفهم هذا التصرف کتب زئیف شطرنهل تحلیلا مهما جدا "هآرتس 10/ 6/ 2011" کشف فیه حقیقة التفکیر الیمینی المتطرف وأسباب معارضته المستمیتة فی عدم تقدیم أیة تنازلات أو الوصول إلى حل مع الفلسطینیین. یقول الکاتب: "من بین الأهداف التی وضعها الیمین الإسرائیلی نصب عینیه والتی تعتبر من أهمها شطب المفهوم المتعارف علیه "إسرائیلیا" لحرب التمرد "ویعنی بها الکاتب حرب عام 1948 حیث لا یعتبرها الیمین الصهیونی حرب إستقلال". وإذا کانت هذه الحرب التی ذهب ضحیتها واحد بالمائة من السکان الیهود وبسببها قامت دولة إسرائیل، یعتبرها بمثابة محطة أولى منذ أن احتلت البلاد من بدایة الحرکة الصهیونیة حتى یومنا هذا، فإن ذلک یسقط موضوعین هامین الأول الجنسیة، والثانی الحدود".
ویستمر الکاتب: "ولهذا السبب فإن الیمین الإسرائیلی یرى بأن الإعتراف بالواقع الذی فرض فی عام 1949 العدو الکبیر للفکر الصهیونی، وحسب ما یعتقد، فإن الصهیونیة یجب أن تکون حرکة متحرکة باستمرار والتی تعتمد على المقدرة الیهودیة فی فرض سیطرتها على المنطقة. ولهذا فإن الدینامیکیة القومیة المحتلة لا یمکن أن تعترف بأی وضع ینتج أثناء أیة فترة زمنیة بالمسیرة التاریخیة على أنه وضع نهائی.
ومن هذا المفهوم تنبع فکرة أن حدود الخط الأخضر غیر مقدسة وأن المستوطنات فی الأراضی التی احتُلت عام 1967 هی شرعیة لا تقل شرعیتها عن المستوطنات فی الجلیل أو النقب.. هذه الحقیقة التی تناسى بنیامین نتنیاهو أن یطرحها فی واشنطن، ویبدو أن باراک أوباما یعرف ما لا تعرفه أو لا یرید أن تعرفه أغلبیة أعضاء الکونغرس الأمریکی".
هذه حقیقة وجوهر التفکیر الإسرائیلی الیوم، احتلال عام 1948 کان محطة أولى فقط، فکیف یمکن أن یفکر القادة العرب والقادة الفلسطینیون أنهم یستطیعون تغییر هذا الفکر بالطرق السلمیة أو السیاسیة أو الدبلوماسیة؟ وهذا یفسر الرفض الإسرائیلی الدائم لکل حل، حیث یبدو أن هناک محطات إضافیة ترید إسرائیل الوصول إلیها.
کل التطورات فی المنطقة أدت إلى بروز المقاومة الفلسطینیة والعربیة من حرب الإستنزاف مرورا بحرب 1973 إلى الإنتفاضات الفلسطینیة ووصول إلى حرب لبنان الثانیة عام 2006.
ففی أعقاب تلک الحرب، قصفت، ولأول مرة فی تاریخ الحروب العربیة ضدّ إسرائیل، مدن وقرى إسرائیلیة. ونتیجة لذلک بدأت الثقة تتزعز عند القیادتین العسکریة والسیاسیة، ناهیک عن الإحباط الشعبی، وأصبحت إسرائیل حزبا واحدا ومجموعات معارضة لا وزن لها. وقد کتب الکثیر عن المضاعفات التی ولدتها الهزیمة فی حرب 2006.
ففی مقال کتبه المحلل السیاسی الجریء، جدعون لیفی، "هآرتس 2/ 6/ 2011" تحدث فیه عن ظاهرة حصول نسبة کبیرة من الإسرائیلیین على جوازات سفر أجنبیة. ویقول الکاتب متسائلا "عن السبب أن جواز السفر الإسرائیلی مثله مثل أی جواز سفر أوروبی أو أمریکی لا یحتاج إلى تأشیرة دخول فی معظم دول العالم "بإستثناء الولایات المتحدة" إلا عندما یصل المسافر إلى الدولة التی یقصدها. لقد أصبح الحصول على جواز سفر ثان حلم الکثیر من الإسرائیلیین".
ویضیف الکاتب: "فقد کشفت دراسة قامت بها جامعة بار إیلان، والتی نشر عنها فی فی مجلة: بلاد أخرى، أن هناک 100 ألف إسرائیلی یحملون جوازات سفر ألمانیة، وأن هذه الظاهرة تفاقمت فی السنوات الأخیرة، وأن کل سنة یحصل 7 آلاف إسرائیلی على جوازات أجنبیة. کما أن هناک الآلاف من الإسرائیلیین یحملون جواز سفر ثان من دول مختلفة".
فلماذا یحتاج الإسرائیلی لجواز سفر ثان؟ یقول الکاتب: "الحجج کثیرة ومختلفة، ولکن الأساس الذی یتبناه الجمیع هو الخوف والهلع والعنف. لقد أصبح جواز السفر هذا عبارة عن وثیقة تأمین لیوم عاصف. وتبین أن عدد الإسرائیلیین الذین یعتقدون أن هذا الیوم سیأتی فی تزاید مستمر".
وحول هروب الإسرائیلیین من المناطق الحدودیة خصوصا الشمالیة والجنوبیة، أی التی برزت فیهما المقاومتین اللبنانیة والفلسطینیة، إلى أماکن أکثر أمنا فی وسط البلاد أو فی الضفة الغربیة، کتب عکیفا إلدار فی صحیفة "هآرتس" "6/ 6/ 2011" یقول: "حسب المعلومات المتوفرة فی مرکز الإحصاء السکانی، تبین أنه فی عام 2009 کان میزان الهجرة سلبیا بمعدل 3 بالمائة من المنطقة الشمالیة. وفی المنطقة الجنوبیة کان المیزان سلبیا أیضا حیث وصل إلى 4.2 بالمائة، أما فی یهودا والسامرة "الضفة الغربیة" فقد کان المیزان إیجابیا حیث وصل إلى 14.2 بالمائة".
ما أسلفنا یؤکد عدة حقائق بالنسبة للصراع فی منطقة الشرق، والمحاولات المستمرة الفاشلة فی الوصول إلى حل مقبول. وأهم هذه الحقائق أن إسرائیل الصهیونیة لا تستطیع الوصول إلى أی حل طالما أنها راکبة فی قطار یمر بمحطات مختلفه، إلى أن تصل إلى محطتها الأخیرة. ویبدو أن محطتها الأخیرة هی السیطرة على المنطقة، کما جاء فی مقال زئیف شطرنهل.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS