الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

مظاهر تجدد الهیمنة الصهیونیة على الإدارة الأمیرکیة

فی الذکرى الثالثة والستین لنکبة فلسطین التی اعتاد الوطنیون والأحرار فی هذه الأمة على إحیائها بکثیر من الحزن والأسى فی الخامس عشر من أیار فی کل عام، ارتأیت ضرورة العودة ثلاثة أعوام إلى الوراء والتوقف عند تاریخ الثانی من نیسان 2008. ففی ذلک الیوم المشؤوم صادق مجلس النواب الأمیرکی على قرارٍ وَقَفَ وراءه عدد من عتاة تیار المحافظین الجدد المتصهینین، دعا إلى حل ما سُمی زوراً وبهتاناً "قضیة اللاجئین الیهود فی الأقطار العربیة" فی إطار تسویة السلام التی قد یتم التوصل إلیها بین الفلسطینیین والصهاینة فی المستقبل. وتحدث القرار عن تعویضات مالیة لأکثر من 850 ألف یهودی ادعى واضعوه أنه قد "تمت مصادرة أملاکهم وأراضیهم" من قبل حکومات الأقطار العربیة التی کانوا یعیشون فیها، بعد مغادرتهم لها إلى الکیان الصهیونی عن طیب خاطر ودون إکراه.

لا شک أن قرار مجلس النواب الأمیرکی ذاک جاء یومها فی سیاق "سیاسة ازدواجیة المعاییر والمواقف" الأمیرکیة المتعلقة بمسألة الصراع العربی ـ الصهیونی وبالأخص القضیة الفلسطینیة، والهادفة بالنتیجة إلى إسقاط حق العودة عن اللاجئین الفلسطینیین الذین شردتهم الصهیونیة العالمیة فی شتات الأرض، بتآمرٍ وتواطؤٍ مع کل الغرب وجزءٍ من الشرق. والقرار وإن لم یتکئ إلى سند قانونی دولی یضفی علیه صفة الإلزام الضروریة وإن کان لا یعدو عن کونه قراراً سیاسیاً أمیرکیاً داخلیاً اعتباطیاً، إلا أن المحافظین الجدد قصدوا من وراء صیاغته وإقراره فی تلک المرحلة استباق أی حدیث جدی عن سلام ممکن بین الفلسطینیین والصهاینة، لغرض فرض مقایضة بین حق العودة للاجئین الفلسطینیین وما یُسوق داخل الکیان الصهیونی على أنه "قضیة لاجئین یهود" غادروا الأقطار العربیة إلى فلسطین المحتلة.

تجدر الإشارة إلى أن ذلک القرار لم یکن أول "المکرمات" التی اعتادت العقول الهدامة لأرکان إدارة المحافظین الجدد فی واشنطن آنذاک بزعامة الرئیس الأمیرکی السابق الأرعن جورج بوش الإبن على "إتحافنا" بها بین الحین والآخر، بهدف خدمة الکیان الصهیونی ومخططاته الشیطانیة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص الوطن العربی، وبهدف خدمة التطابق القائم بین سیاسات هذا الکیان وسیاسات الولایات المتحدة، وإن من السذاجة الاعتقاد بأنه سیکون آخرها.

 وهل بمقدور أی مواطن عربی یحتفظ بذرة من الکرامة والعزة والانتماء نسیان "مکرماتٍ" مثلَ قرار غزو واحتلال العراق وتدمیره، و"قانون محاسبة سوریا"، و"وعد بوش المشؤوم" للسفاح أرئیل شارون وقرار إدراج الحرکات والأحزاب العربیة الممانعة والمقاومة على قوائم ما یُسمى زوراً وبهتاناً "الإرهاب" الدولی، وقرار محاصرة قطاع غزة حتى تهجینه أو الفتک بجمیع أبنائه وجمیع القرارات والقوانین والوعود والتصریحات والبیانات والمواقف الأمیرکیة الأخرى المعادیة لفلسطین والفلسطینیین والعرب أجمعین، والتی لا تعد ولا تحصى؟ لا أعتقد، بل أجزم أنه من غیر المستطاع.

 

 لیس من باب المبالغة القول أن نظرة عابرة على ما اتخذه وأقره أرکان الإدارة الأمیرکیة الرعناء من قرارات وقوانین جائرة وما أصدروه من وعود وتصریحات وبیانات ومواقف نافرة بخصوص بمنطقة الشرق الأوسط خلال رئاسة جورج بوش الابن للولایات المتحدة "التی امتدت من کانون الثانی 2001 بموجب نتائج انتخابات تشرین الثانی 2000 وحتى کانون الثانی 2009 موعد تسلم الرئیس الحالی باراک أوباما مهام مسؤولیاته فی البیت الأبیض، تکفی للتدلیل على مدى التطابق بین السیاسة الخارجیة لکل من واشنطن وتل أبیب، وبالأخص فی ما یتعلق بمسألة الصراع العربی ـ الصهیونی. ولربما أن هذه النظرة تکفی أیضاً للتدلیل بشکل أوضح وأدق على أن کل ما أقدمت علیه الإدارة الأمیرکیة السابقة بشأن هذه المسألة وما اقترفته من جرائم وما ارتکبته من حماقات بحق العرب عامة والفلسطینیین خاصة خلال فترتی رئاسة بوش الابن للولایات المتحدة، ما کان بالإمکان حدوثه بالکیفیة العدائیة التی جاءت علیه لو لم تتدخل فیه الإرادة الصهیونیة عبر بنات أفکار المحافظین الجدد الذین کانوا متغلغلین بداخلها وکانوا یحکمون قبضتهم الحدیدیة على کل مفاصلها الحیویة.

 

فقرار غزو واحتلال العراق وتدمیره بالأشکال والطرق الهمجیة والانتقامیة التی حصلت والمُضی فی احتلاله للعام التاسع على التوالی، کان بلا شک ثمرة من ثمرات بنات أفکارالمحافظین الجدد، ووقفت وراءه الإرادة الصهیونیة. وجمیع المسوغات والذرائع الواهیة التی فبرکتها المطابخ السیاسیة والإعلامیة الأمیرکیة وسوقتها المطابخ السیاسیة والإعلامیة البریطانیة والغربیة بشکل عام لارتکاب جریمة الغزو والاحتلال والتدمیر بما فی ذلک کذبة "أسلحة الدمار الشامل العراقیة"، لم تکن سوى بدع وأضالیل واهیة لإخفاء رغبة هؤلاء المحافظین الجدد الموتورین والحاقدین فی تدمیر العراق وتفتیته إلى شیع وقبائل وطوائف ومذاهب وأعراق تتلهى بالاقتتال فی ما بینها، وعزله بشکل نهائی عن محیطه العربی وشطبه من معادلةالصراع العربی ـ الصهیونی، وسرقة ثروته النفطیة الهائلة.

 

وقرار إدراج الحرکات والأحزاب العربیة المقاومة للاحتلال والهیمنة مثل حرکتی "حماس" و "الجهاد" الفلسطینیتین و"حزب الله" اللبنانی على قوائم "الإرهاب الدولی"بالتزامن مع إدراج مَن تبقى مِن الأقطار العربیة الممانعة التی تفاخر بأصالتها العربیة وتجاهر بثوابتها الوطنیة والقومیة وتفصح دون خوف أو وجل عن عدائها وتصدیها لمطامع ومخططات الولایات المتحدة الاستعماریة ومطامع ومخططات الکیان الصهیونی الاستیطانیة ـ التوسعیة على ذات القوائم وإصدار قوانین خاصة لمحاسبتها، کان هو الآخر ثمرة من ثمرات بنات أفکار المحافظین الجدد ووقفت وراءه الإرادة الصهیونیة.

 

والقرارات التعسفیة التی اتخذتها الإدارة الأمیرکیة بشأن فلسطین، من محاربة أبنائها بشکل تعسفی وعلنی وحض الکیان الصهیونی الفاشی على رفع وتیرة اعتداءاته الإجرامیة الیومیة المتواصلة ضدهم وإثارة العداوة وافتعال التقاتل فی ما بینهم ومحاصرتهم عسکریاً وسیاسیاً واقتصادیاً وطبیاً وصولاً إلى محاصرة بُطونهم وأمعائهم التی هی بالأصل خاویة إلا من رحمة الله تعالى، منذ حصول "حماس" على الأکثریة النیابیة فی انتخابات 25 کانون الثانی 2006 وحتى اللحظة الراهنة دون ظهور مؤشر أو بصیص أمل ولو ضئیل جداً ینبئ بقرب حدوث انفراج، کانت أیضاً من ثمرات بنات أفکار المحافظین الجدد ووقفت وراءها الإرادة الصهیونیة.

فالمحافظون الجدد المتصهینون عندما أقروا ما أقروه من قرارات وسنوا ما سنوه من قوانین وأصدروا ما أصدروه من وعود وتصریحات وبیانات واتخذوا ما اتخذوه من مواقف بشأن العرب وعندما أنزلوا ما أنزلوه بهم من جور وظلم وتعسف عبر إدارة جورج بوش الابن أو بدعم غیر مباشر منها، إنما فعلوا ذلک بناءً لإرادة صهیونیة طاغیة همها الوحید إضعاف وتحجیم أی قوة عربیة رسمیة أو حزبیة أو شعبیة قادرة على القیام بفعل مقاوم أو ممانع ضد الکیان الصهیونی، وإخضاعها لمشیئة هذا الکیان وإجبارها على القبول به کسلطة احتلال دائمة والتسلیم بسیاسة الأمر الواقع القائمة فی الأراضیالعربیة المحتلة، وفی مقدمها الأراضی الفلسطینیة المغتصبة منذ ستین عاماً، وإملاء الشروط الأمیرکیة على مناهضی احتلال العراق، وفی مقدمهم القطر السوری طبعاً.

 

یُستدل مما سلف ذکره أن کل ما کان یدور فی خُلد إدارة المحافظین الجدد بشأن منطقة الشرق الأوسط وما سعت إلى تحقیقه فیها وبالذات فی الوطن العربی ترکز على تطبیق سیاسة الکیان الصهیونی وتنفیذ استراتیجیته رغبة فی تحقیق أهدافه واستمرار احتلاله لتراب فلسطین وأجزاء أخرى من الوطن العربی بمنطق القوة وبدبلوماسیة البوارج والقاذفات الصاروخیة، باعتبار أن تلک الأهداف تتقاطع مع الأهداف الأمیرکیة، وباعتبار أن هذا الکیان اللقیط هو ربیب للإمبریالیة الأمیرکیة الجدیدة التی أفرزها النظام العالمی الذی استجد مع نهایة الحرب الباردة وانحسار نفوذ الاتحاد السوفییتی کقوة کونیة عظمى ثانیة بعد تجزئته وتفتیته إلى دول وجمهوریات لا حول ولا قوة لها وخروجه من ساحة المواجهة الدولیة وترکها للولایات المتحدة تصول وتجول وتعربد فیها وحدها کما تشاء وتهوى!!

وبمعنى آخر یمکن القول دون ما جُهد أو عناء تفکیر أن ما فعلته تلک الإدارة الأمیرکیة الحمقاء فی منطقة الشرق الأوسط بما فیها طبعاً الوطن العربی منذ استلامها مقالید السلطة فی واشنطن وحتى رحیلها، حدث بإرادة صهیونیة عبرت عن نفسها من خلال بنات أفکار المحافظین الجدد، وجاء أولاُ وأخیراً من أجل عیون الکیان الصهیونی العنصری وحکامه ومستوطنیه الذین استُوردوا إلى فلسطین بموجب أوامر شحن غیر مرخصة. إنها حقاً سطوة الإرادة الصهیونیة على الإدارة الأمیرکیة بکل ما فی الکلمة من معان تعارفت علیها المعاجم والقوامیس فی کل اللغات.

الآن وبعد مرور حوالی عامین ونصف على تولی الإدارة الدیمقراطیة برئاسة باراک أوباما مقالید السلطة فی البیت الأبیض دون أن یظهر ما یمیزها عن سابقتها أرى أن تلک السطوة قد بدات تعبر عن ذاتها مجدداً من خلال تغلغل الصهاینة والمسیحیین المتصهینین فیها، بحیث تزایدت المخاوف الجدیة من احتمال عودة سطوة الإرادة الصهیونیة على الإدارة الأمیرکیة من جدید.

 

ترى هل یحدث هذا!!؟ سؤال لا أعتقد أن الإجابة علیه تصعب على المواطن العربی الذی ما زال یحتفظ بذرة من الکرامة والذی لم یعد یعول کثیراً أو قلیلاً على احتمال حدوث تبدل أو تغیر إیجابی فی السیاسة الأمیرکیة تجاه العرب وقضایاهم وبالأخص القضیة الفلسطینیة!!

ن/25

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143180







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)