الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

السلام الوهمی والربیع العربی..!!

فوزی الأسمر

 

أجریتُ فی أوائل الثمانینات من القرن الماضی مقابلة مع مستشار النمسا فی حینه، برونو کرایسکی، والذی کان یقوم بزیارة رسمیة للولایات المتحدة؛ ودار الحوار حول الصراع الفلسطینی- الإسرائیلی. ومما قاله کرایسکی إن الدول الأوروبیة احتاجت إلى آلاف اللقاءات فی ما بینها، فی أعقاب الحرب العالمیة الثانیة، قبل أن تنجح فی وضع أسس للسلام والإستقرار فی القارة.

وأضاف أن الصراع الفلسطینی- الإسرائیلی أو العربی- الإسرائیلی سیحتاج إلى ضعف اللقاءت التی تمت فی أوروبا بسبب تعقد الأمور فی هذا الصراع، ولکن، أضاف المستشار، سیأتی الیوم الذی سینتهی فیه صراع الأجیال هذا.

وحاولت منذ ذلک اللقاء أن أطبق مقولة کرایسکی على مجریات الأمور، ولکننی لم أجد بصیص الأمل الذی تحدث عنه رجل الخبرات الذی ارتفع بالنمسا إلى مصاف الدول الکبرى. ولم یکن من الصعب أن أعثر على الحلقة المفقودة فی حوارنا. فقد وجدت أن الفرق بین الصراع الأوروبی والشرق أوسطی، یکمن فی أن الأوروبیین أرادوا أن یصلوا إلى حل، ودخلوا قاعات الحوار وأمام أعینهم هذا الهدف وبالتالی تغلبوا على الصعاب.

ولکن بنظرة فاحصة، نرى الأمور فی منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص الصراع الفلسطینی- الإسرائیلی یسیر فی اتجاه معاکس. فی البدایة ألقی اللوم على الجانب الفلسطینی والعربی، وکانت إسرائیل تتمتع بسیطرة إعلامیة عالمیة شاملة، فانحاز الرأی العام العالمی إلى جانبها، وفشل العرب فی "بیع" قضایاهم إلى الرأی العام هذا.

ولکن مجریات الأمورأسقطت الستار عن الوجه الإسرائیلی الحقیقی، وتبین أن حجر العثرة الأساسی فی الوصول إلى حل عادل ومقبول فی منطقة الشرق الأوسط، هی إسرائیل والسیاسة التی تتبعها الولایات المتحدة فی الدعم شبه المطلق لهذه الدولة.

فلا حاجة هنا لسرد ما قدمه الفلسطینیون والعرب من مبادرات وتنازلات، لکی تقبل إسرائیل الوصول إلى حل، خصوصا منذ مؤتمر السلام الذی عقد فی مدرید فی أوائل التسعینات من القرن الماضی، مارا بالمبادرة العربیة والوصول إلى التنازلات المستمرة التی قدمتها السلطة الفلسطینیة. ولم تکتف إسرائیل برفض کل هذه الخطوات، بل إنها لم تتقدم بمشروع سلام واحد، ورفضت، ولا تزال ترفض، التحدث عن حدودها، ومستمرة فی سرقة الأراضی الفلسطینیة وإقامة المستعمرات الیهودیة علیها.

وتبین ایضا أنه لیس من مصلحة إسرائیل ولا أمریکا الوصول إلى حل عادل ودائم فی منطقة الشرق الأوسط، بل ولیس من مصلحتهما المساعدة على إقامة دیمقراطیة حقیقیة فیها. وکان من الأفضل لسیاسة ومصالح الدولتین أن تکون هناک دیمقراطیة مزیفة، مغلفة بقشور الإنتخابات والتی یحصل فیها المرشح العربی للرئاسة، وفی معظم الحالات یکون المرشح الوحید، على 99 بالمائة من الأصوات ویبقى فی الحکم عشرات السنین ویسرق خیرات البلاد. وهذا ما شهدناه خلال الأربعین سنة الماضیة.

فقد عملت أمریکا وإسرائیل على إخراج مصر من معادلة، لیست الحرب فقط، بل الصراع الشرق أوسطی، وحولتا النظام فیه إلى نظام فاسد یلبی طلبات أمریکا ویخدم إسرائیل.

وفی أعقاب ثورتی تونس ومصر سارعت الولایات المتحدة بالتحدث عن ضرورة إقامة نظام دیمقراطی "حقیقی یتماشى مع روح القرن الواحد والعشرین". ولکن هذه الفکرة سقطت فقد جاءت متأخرة وتبین أنها محاولة أمریکیة لإستیعاب الثورة.

فواشنطن لم تفعل أی شیء یؤدی إلى دعم قیام نظام دیمقراطی حقیقی قبل انتصار الثورتین فی الربیع العربی، کما لطخت اسم الدیمقراطیة الأمریکیة وطرق تنفیذها بدماء عشرالآلاف من أبناء الشعب العراقی، الشیء الذی أرعب المواطن العربی.

کما أن فشل الإدارات الأمریکیة، بما فیها الإدارة الحالیة، فی تحقیق أی تقدم فی ما یسمى بمسیرة السلام الفلسطینیة- الإسرائیلیة، ساعد کثیرا فی بزوغ ربیع العرب، ووجدت إدارة أوباما نفسها تتخذ نفس المواقف التی سبق واتخذتها الإدارات الأمریکیة السابقة، خصوصا التصویت فی مجلس الأمن الدولی، رغم خطاب الرئیس باراک أوباما الرنان فی جامعة القاهرة.

ووصلت قیادة السلطة الفلسطینیة إلى نتیجة أنه یجب التوجه بشکل مختلف فی معالجة الأمور، طالما أن إسرائیل غیر معنیة بالسلام. فقد رأت الوصول إلى سلام مع حرکة "حماس" أفضل من المضی فی وهم الوصول إلى سلام مع إسرائیل، خصوصا وأن النظام الجدید فی مصر وقف شامخا فی تحدی تصرفات إسرائیل، وأطلق المشیرمحمد حسین الطنطاوی تصریحه فی أعقاب التهدیدات التی وجهتها إسرائیل قبل وبعد التوقیع على اتفاقیة المصالحة حین قال: "إن تهدید الحکومة الفلسطینیة أثار غضب الشعوب العربیة وینذر بتطور خطیر".

وبلا شک أن نتنیاهو وأجهزة الدعایة الإسرائیلیة والصهیونیة ستستغل المصالحة الفلسطینیة لتبرر هروبها المعتاد من الخضوع للرأی العام العالمی والعودة إلى طاولة المفاوضات.

والحقیقة التی أصبحت واضحة الآن هی أن إسرائیل لیست ضدّ السلام فقط، بل إنها تخاف من حلوله. وهناک جملة استعملها أکثر من مسؤول إسرائیلی وأکثر من صحفی ومحلل سیاسی تقول: "ماذا سنفعل إذا هاجمنا السلام؟".

ویبدو أن بعض الکتاب الإسرائیلیین بدأوا یناقشون أسس الفکر الإسرائیلی وتقلباته. بعد مضی 63 سنة على قیام الدولة. فقد بدأت الشعارات الرنانة التی رفعتها إسرائیل تنقلب رأسا على عقب. وهاکم مثلا واحدا فقط: فقد نشرت صحیفة "هآرتس" "6/5/2011" مقالا لأحد محللیها یقول فیه: ".... فبعد 63 سنة حصلت عندنا تغییرات کثیرة، فقد تحولنا من دولة علمانیة ذات حکومة قویة وسیطرة دینیة ضعیفة، إلى سیطرة دینیة قویة ودولة تتحکم فیها حکومة ضعیفة".

ویضیف الکاتب أن هذا لیس التغییر الوحید: "لقد تحولنا من شعب یرکض وراء السلام إلى شعب یخاف منه، ومن شعب یمد یده لجیرانه لشعب یرى السلام تهدیدا یجب التخلص منه. وقبل تسع سنوات قدمت 24 دولة عربیة مبادرة السلام العربیة، ولکن إسرائیل خافت لدرجة أنها اختارت غض الطرف عنها حتى یومنا هذا.. وعندما یتراجع العرب تظهر مقولة إسحاق شامیر ابتعد تهدید السلام". هذا الإقتباس نقطة من محیط من الإتهامات التی یوجهها بعض المفکرین الإسرائیلیین الیهود للسیاسة الإسرائیلیة.

الواقع أن التغیرات الجاریة فی الوطن العربی غیرت نهج التعامل الذی کان سائدا فی کثیر من دوله، خصوصا فی ما یتعلق بالمسار الفلسطینی. فقد اعتقدت إسرائیل أنها قد عزلت مصر کلیا عن الصراع فی المنطقة وأخرجتها بلا عودة من معادلة الحرب إذا لزم الأمر.

کما اعتقدت أن الإنقسام الفلسطینی شیء أزلی، وأنها إستطاعت أن تقسم المنطقة إلى مجموعات تتماشى مع سیاستها حیث تضم مجموعة: "سوریا وإیران وحماس وحزب الله من جانب، ومصر والمملکة العربیة السعودیة والأردن والسلطة الفلسطینیة على الجانب الآخر" "هآرتس 8/5/2011".

ولکن تبین أن هذه المعادلة فشلت، ومع ذلک ستستمر إسرائیل فی خداع الرأی العام. فحسب ما تقول صحیفة "معاریف" "8/5/2011" فإن نتنیاهو سیعلن خلال خطابه المقرر أمام الکونغرس الأمریکی أنه: "لا یوجد إمکانیة للتوصل إلى سلام بین إسرائیل والسلطة الفلسطینیة". لماذا؟ بسبب المصالحة بین حرکتی "فتح" و"حماس". ولکن السؤال الذی یطرح نفسه: لماذا لم یتوصل نتنیاهو إلى سلام قبل المصالحة؟ وهذا یبرهن مجددا أن إسرائیل تفتش دائما عن أسباب کی لا تصل إلى سلام.

ولعل ما کتبه إفرایم سنیه فی صحیفة "هآرتس" "9/5/2011" یعبر عن واقع ما یحدث: "من الممکن أن نغضب على أبی مازن ولکن لا یمکن أن لا نفهمه: إن حکومة إسرائیل والإدارة الأمریکیة مررا له رسالة واضحة فی الأشهر الأخیرة والتی تقول إنه لا یوجد أمل بمفاوضات تنتهی باتفاق یحمل مرکبا واحدا مهما له "لأبی مازن"".

ن/25

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143177







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)