المصالحة الفلسطینیة.. من یصدق کل هذا التفاؤل؟

 فراس أبو هلال

وأخیرا وقع اتفاق المصالحة الفلسطینیة فی القاهرة، بعد أربع سنوات من الانقسام، والکثیر من المعارک الداخلیة على أرض الواقع، والکثیر من الحدیث عن الوحدة وحرمة الدم الفلسطینی فی وسائل الإعلام.

الساحة الفلسطینیة والعربیة قابلت الاتفاق بالکثیر من التفاؤل والفرح، والقلیل من التحفظات، وکأن هناک تواطؤا غیر مکتوب بین کافة الأطراف السیاسیة والإعلامیة على إشاعة کل هذا التفاؤل، وإشاحة العیون عن مبررات التشاؤم أو الحذر على الأقل، فی مشهد یشبه إلى حد کبیر تواطؤ تلک القریة اللاتینیة عن منع جریمة حتمیة فی روایة 'قصة موت معلن' لغابریل غارسیا مارکیز.

لسنا هنا فی وارد توجیه اللوم، لمن تفاءلوا بمصالحة وطنیة تعید للشعب الفلسطینی وحدته فی مواجهة العدو المشترک، لأننا ندرک أن الکثیر من التحلیلات والآراء المتفائلة بنیت على قراءة رغائبیة للمشهد، تحلم بواقع فلسطینی أفضل، ولکنها تهمل عوامل التفجیر التی یمکن ان تحول حلم الوحدة الوطنیة إلى کابوس مخیف.

حتى ینجح الاتفاق الجدید، ویکون مصــــیره أفضل حالا من مصیر اتفاق مکة، فلا بد أولا من وجود الثقة بین طرفی الصراع الرئیسیین: حماس وفتح، لأن تطبیق الاتفاق بحاجــــة إلى تنازلات من کل طرف للآخر فی تفسیر التفاصیل، التی ترک الاتــــفاق الکثیر منها مبهما، أو على الأقل یقبــــل أکثر من تفسیر، وهـــو ما سیشکل عامل فشــل کبیر لا قدر الله، إذا ظلت الثقة مفــــقودة، بعد أکثر من أربـــعة أعوام من الصراع والحملات الإعلامیة الشرسة بین حماس وفتح.

ولعل الخلافات التی أخّرت حفل توقیع الاتفاق، حسب بعض المصادر لأکثر من ثلاث ساعات، والتی أخذ النقاش حولها حسب مصادر أخرى ست عشرة ساعة، یدل على عمق الأزمة المتعلقة بغیاب الثقة، إذ أن القضایا الشکلیة والبروتوکولیة، تحولت 'بفضل' غیاب الثقة إلى قضایا جوهریة کادت أن تنسف الاتفاق قبل توقیعه.

أما المشکلة الاهم فهی تکمن ببنود الاتفاق وتفاصیله، التی لم تستطع الإجابة على التساؤلات الجوهریة حول البرنامج السیاسی للمشروع الوطنی الفلسطینی، وتحدید السقف الزمنی والآلیات لإصلاح منظمة التحریر، وإدارة الأجهزة الأمنیة وعقیدتها العسکریة، وهی التساؤلات التی کانت سببا فی تفجیر الصراع الفلسطینی الداخلی خلال السنوات الماضیة.

لقد تعامل اتفاق المصالحة مع القضایا العامة والتفصیلیة التی تعنى بشؤون السلطة الفلسطینیة، وتجاوز الدخول فی تحدید طبیعة البرنامج السیاسی للحرکة الوطنیة الفلسطینیة فی المرحلة القادمة، وکیفیة إدارة الصراع مع الاحتلال، وهو بذلک أهمل أهم عامل تفجیر للأزمة بین حماس وفتح، وأطال أمد أزمة المشروع الوطنی الفلسطینی، الذی یعانی ابتداء من غیاب السیاسة فی برامج کافة فصائله.

وتکمن خطورة غیاب البرنامج السیاسی من بنود اتفاق المصالحة، فی أن هذا الاتفاق جاء فی ظروف إقلیمیة وسیاسیة، وصلت معها برامج حماس وفتح إلى مأزق شدید، وهو ما یعنی أن أی انفراج فی المأزق السیاسی لطرف من الأطراف، قد یشجعه على التفلت من قیود الاتفاق، بهدف التوجه نحو تطبیق برنامجه الخاص.

وهنا تبرز خطورة البنود العامة حول إصلاح منظمة التحریر الفلسطینیة، التی من المفترض أن تکون مسؤولة عن البرنامج السیاسی للحرکة الوطنیة الفلسطینیة، حیث ترک الاتفاق عملیة إصلاح المنظمة من دون سقف زمنی، ورهن انتخاب مجلسها الوطنی بعوامل خارجیة، کموافقة الدول التی یوجد بها لاجئون على مشارکتهم بالانتخابات، ولم تحاول وضع بدائل عملیة لتحدید نسب التمثیل للفصائل المختلفة، فی حال رفضت هذه الدول إجراء انتخابات فلسطینیة على أراضیها، وهو أمر متوقع بنسبة کبیرة.

قضیة أخرى تدعونا 'للتشاؤل' والحذر، وهی مرجعیة الأجهزة'الأمنیة، التی تتوزع الآن بین أجهــــزة غزة الموالیة لحماس وحکومتها، وأجهزة الضفة الموالیة للرئیس عباس ولعقیدة 'دایتون' العسکریة، وقد جاء الاتفاق لیترک مسألة الإصلاحات فی کل من أجهزة الضفة وغزة إلى لجنة أمنیة علیا مشترکة، ولم تستطع بنوده أن تحدد الآلیات التی تجعل رجل الأمن الفلسطینی، سواء کان فی الضفة الغربیة أو قطاع غزة، منتمیا إلى مرجعیة واحدة وإلى عقیدة عسکریة واحدة، ومتجها إلى بوصلة واحدة، هی بوصلة القضیة والشعب والوطن.

اتفاق المصالحة الفلسطینیة یستحق من الجمیع الدعم والتأیید، هذا أمر لا شک فیه، ولکن مما لا شک فیه أیضا هو أن الدعم لا یکون فقط بإعلان التفاؤل المفرط، وإشاحة الوجه عن المحاذیر، واتهام من یرفض أن یصدق کل هذا التفاؤل، ولکنه یکون أیضا بالتحذیر من مواطن الخلل، فالشعب الفلسطینی لم یعد قادرا على تحمل صدمة جدیدة، بعد أعوام من الخیبات والصدمات.

ن/25