الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل وإفشال المصالحة الفلسطینیة

 صالح النعامی

 

کان الرد الإسرائیلی على اتفاق المصالحة المبدئی بین حرکتی فتح وحماس هستیریا، حیث تخلى کبار المسؤولین الإسرائیلیین عن أبسط متطلبات اللیاقة فی کیل التهدیدات الفجة لرئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس، فرئیس الوزراء الإسرائیلی خیّر عباس بین التصالح مع حماس أو تواصل العلاقات مع إسرائیل، فی حین لم یتردد وزیر خارجیته أفیغدور لیبرمان فی التهدید بحبس عباس فی الضفة الغربیة وعدم السماح له بمغادرة الضفة.

ویطرح السلوک الإسرائیلی المرتبک عدة تساؤلات: لماذا تبدی تل أبیب کل هذه الحساسیة إزاء إنهاء حالة الانقسام الفلسطینی الداخلی؟ وما آلیات التحرک الإسرائیلی المتوقعة لإحباط الاتفاق؟ وما یتوجب على الفلسطینیین عمله من أجل إبطال مفعول التحرکات الإسرائیلیة المتوقعة؟

فاتورة الخسائر الإسرائیلیة

لقد وقع إعلان الاتفاق بین حماس وفتح على إسرائیل وقع الصدمة والذهول، حیث أدرک صناع القرار فی تل أبیب أن تطبیق الاتفاق بنجاح بشکل یؤدی إلى إنهاء حالة الانقسام یؤذن بخسارة إسرائیل کل المکتسبات الإستراتیجیة التی حققتها خلال الأعوام الخمسة التی تلت الانتخابات التشریعیة الفلسطینیة التی جاءت بحرکة حماس إلى الحکم، وما تلا ذلک من صدامات أدت إلى الانقسام الفلسطینی. فقد مکن الانقسام إسرائیل من تحقیق المکاسب التالیة:

1- سمحت حالة الانقسام لإسرائیل بسلب الفلسطینیین الإنجاز الوحید الذی ضمنته اتفاقیات أوسلو، وهو الحفاظ على الوحدة السیاسیة للضفة الغربیة وقطاع غزة، حیث کرس الانقسام الفصل بین هاتین البقعتین، ومکن هذا الواقع إسرائیل من الانفراد بالضفة الغربیة عبر الاستیطان والتهوید المتواصل والمنهجی.

وقد أسهم انشغال القیادات الفلسطینیة فی کل من الضفة الغربیة والقطاع بمواجهة التحدیات الناجمة عن الانقسام فی مواصلة مشاریع التهوید والاستیطان فی ظل أقل مستوى من الممانعة الفلسطینیة الحقیقیة والرقابة الدولیة.

2- استخدمت إسرائیل الانقسام کذریعة لتنکرها للوفاء بمتطلبات عملیة التسویة والمفاوضات مع السلطة عبر القول إنه لا یمکنها التوقیع على اتفاق تسویة مع أبو مازن یتضمن الانسحاب من الأراضی المحتلة على اعتبار أنه لا یمثل الشعب الفلسطینی.

3- وظفت إسرائیل حالة العداء الشدید لدى حرکة فتح وقادتها فی أعقاب الحسم العسکری فی غزة أواسط عام 2007 لدفع التعاون الأمنی بین أجهزة السلطة الأمنیة وإسرائیل إلى مستویات غیر مسبوقة، بشکل أسهم إلى حد کبیر فی تحسین البیئة الأمنیة داخل إسرائیل وفی المستوطنات، مما أدى بدوره إلى تعاظم نسبة الیهود الذین یتجهون للإقامة فی المستوطنات بفضل الشعور المتعاظم بالأمن. وحتى قادة المستوطنین فقد أقروا بدور أجهزة الأمن التابعة للسلطة فی تعاظم المشروع الاستیطانی فی الضفة الغربیة.

4- مثل انفراد حرکة حماس بحکم قطاع غزة مصلحة إسرائیلیة من الطراز الأول، حیث إن هذا الواقع أوجد فی القطاع عنوانا مکّن الجیش الإسرائیلی من ممارسة الضغوط العسکریة علیه لوقف عملیات المقاومة سواء التی تقوم بها الحرکة أو الحرکات الأخرى، فی ظل تفهم دول العالم، التی یرى الکثیر منها حماس منظمة "إرهابیة"، وهذا ما عبر عنه صراحة المسؤولون الإسرائیلیون، کما نقلته عنهم وثائق ویکیلیکس.

5- مکن الانقسام إسرائیل من فرض الحصار على قطاع غزة مستفیدة من تواطؤ الکثیر من الأطراف، وضمنها السلطة الفلسطینیة.

6- تخشى إسرائیل أن یسهم تطبیق الاتفاق فی إضفاء شرعیة دولیة على حرکة حماس، لا سیما أنه جاء فی ظل الثورات العربیة، حیث بات یطرح فی الغرب الکثیر من التساؤلات عن الحکمة من مقاطعة الحرکات الإسلامیة ومعاداتها.

7- تدرک إسرائیل أن المصالحة ستزید من رقعة التأیید الدولی للتحرک الفلسطینی الهادف إلى حشد أکبر دعم دولی لإعلان الدولة الفلسطینیة فی سبتمبر/ أیلول القادم، على اعتبار أن المصالحة ستظهر الفلسطینیین موحدین.

8- ستعزز المصالحة إلى حد کبیر من فرص الاستجابة الجماهیریة للدعوات التی یطلقها الشباب الفلسطینی فی الضفة الغربیة وقطاع غزة للشروع فی انتفاضة ثالثة لکنس الاحتلال ومظاهره، وهی تعی أن هذا هو أسوأ توقیت یمکن أن تندلع فیه الانتفاضة، لأنها تدرک أنها ستحظى بدعم جماهیری عربی هائل تحرکه الثورات العربیة المجیدة، وسیدفع النظام العربی الرسمی إلى ردود قویة ضد الکیان الصهیونی.

آلیات التحرک الإسرائیلیة

إزاء خسارة إسرائیل المتوقعة لمکاسبها التی جنتها من الانقسام، فإنها لن تقف مکتوفة الأیدی، وستعمل على إحباط تطبیق اتفاق المصالحة بکل ما أوتیت من قوة. وستلجأ إسرائیل لاستخدام کل الأدوات الممکنة لإفشال الاتفاق عبر الخطوات التالیة:

* الضغوط السیاسیة: یتضح من الحملة الدعائیة الإسرائیلیة المرکزة والمکثفة التی أعقبت الإعلان عن اتفاق المصالحة، أن تل أبیب ستحرص فی المرحلة القادمة على محاولة نزع الشرعیة عن الحکومة الانتقالیة التی سیشکلها الفلسطینیون، کما ینص اتفاق المصالحة، حیث ستثیر إسرائیل شروط اللجنة الرباعیة، المتمثلة فی ضرورة اعتراف الحکومة بإسرائیل والاتفاقیات الموقعة بین إسرائیل والسلطة، ونبذ المقاومة بوصفها "إرهابا".

وستدعو إسرائیل الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی للحکم على الحکومة الجدیدة بقدر التزامها بمواصلة التعاون الأمنی وتعقب المقاومة. فعلى سبیل المثال اعتبر لیبرمان أن قیام السلطة الفلسطینیة بإطلاق سراح عناصر حرکة حماس من سجونها مجرد "تآمر" على المس بأمن إسرائیل، مع العلم أن معظم قادة وعناصر حماس فی سجون السلطة تم اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنیة بعید إفراج الجیش الإسرائیلی عنهم، أی أن إسرائیل أفرجت عنهم إما بعد انتهاء فترة محکومیاتهم، وإما بعد أن تبین لها أنه لا یوجد ما تدینه بهم.

وتتوقع إسرائیل أن یتفهم العالم موقفها هذا. ومن نافلة القول إن إسرائیل ستحاول وضع أعضاء الحکومة الانتقالیة تحت المجهر، وستحاول استغلال کل ما یربط وزراء الحکومة بحرکة حماس من أجل العمل على شیطنة الحکومة بأسرها. وسیطالب الإسرائیلیون العالم بفرض مقاطعة سیاسیة على قیادة السلطة ممثلة فی رئیسها عباس، وستزعم أنه "عضو جدید فی محور الشر".

* الضغوط الاقتصادیة: ستسعى إسرائیل إلى أن تثبت للفلسطینیین لا سیما فی الضفة الغربیة أن أوضاعهم لن تزداد إلا سوءًا فی ظل المصالحة، حیث ستحاول إقناع الدول المانحة بالتوقف عن تقدیم الدعم المالی للسلطة، بحیث تصبح السلطة عاجزة عن دفع رواتب الموظفین، مما یؤدی إلى تردی الأوضاع المعیشیة فی الضفة.

وقد أعلنت إسرائیل أنها تدرس التوقف عن المشارکة فی اجتماعات الدول المانحة لتعطیل تحویل الأموال لخزانة السلطة. وفی المقابل تهدد إسرائیل بالتوقف عن تحویل عوائد الضرائب "منعت بالفعل" التی تجنیها عن البضائع المستوردة للمناطق الفلسطینیة لخزانة السلطة، مع العلم أن الحدیث یدور عن عشرات الملایین من الدولارات فی الشهر الواحد.

وستعمل إسرائیل على التأثیر بشکل غیر مباشر على الأوضاع الاقتصادیة عبر فرض قیود على حریة الحرکة فی الضفة الغربیة لضرب عمل المرافق الاقتصادیة وتراجع معدلات النمو، إلى جانب المس بالعمل فی الکثیر من المشاریع الإنشائیة ومشاریع البنى التحتیة التی شرع فیها فی کثیر من مناطق الضفة الغربیة، وذلک للوصول إلى نفس الهدف.

* الضغوط الشخصیة: لن تتردد إسرائیل فی ممارسة الضغوط الشخصیة على قیادات السلطة الفلسطینیة ومنظمة التحریر، عبر حرمانهم من المزایا الشخصیة التی منحت لهم بفعل مشارکتهم فی الحرب على المقاومة الفلسطینیة.

وقد هدد لیبرمان عباس بأن "یحبسه" فی الضفة الغربیة وأن لا یسمح له بمغادرتها مطلقا، علاوة على التهدید بسحب بطاقات اﻠ"VIP"، التی منحتها إسرائیل لکبار مسؤولی السلطة وقادة أجهزتها الأمنیة، والتی تضمن لهم حریة الحرکة داخل الضفة وعبر الحدود.

وتطمح إسرائیل إلى أن تثمر التهدیدات قبل وضعها موضع التهدید لأنها تدرس حجم إسهام الأجهزة الأمنیة فی الحفاظ على الأمن الإسرائیلی فی الضفة الغربیة وداخل إسرائیل نفسها، من هنا فإنها ستکون أکثر حذراً فی تطبیقها.

* الضغوط الأمنیة: لن تتردد إسرائیل فی استخدام الحلول العسکریة لإحباط المصالحة، لا سیما عبر توظیف أی عملیات إطلاق صواریخ تتم من قطاع غزة تجاه إسرائیل، حیث إنها ستطالب العالم بالتعاطی مع هذه الحوادث کاختبارات للحکومة الفلسطینیة الانتقالیة وذلک لاستدعاء الضغوط الدولیة ولنسف شرعیتها مبکراً.

ومن الواضح أن هناک فیضا من الوسائل التی ستحاول إسرائیل عبرها جرّ الفلسطینیین لهذا المربع. فإسرائیل ستراهن على سلوک بعض المجموعات غیر المنضبطة فی قطاع غزة والتی تحرص على إطلاق الصواریخ فی أکثر الأوقات حرجاً للساحة الفلسطینیة. وإذا لم یکن هناک من یوفر الذرائع لإسرائیل، فإنها ستلجأ إلى استفزاز الفصائل الفلسطینیة عبر القیام بعملیات اغتیال بزعم توفر معلومات استخباریة مفبرکة عن نیة الفصائل القیام بهذا العمل أو ذاک لکی تستدرج الفصائل لردود، وبالتالی یتسنى لها حشد دعم دولی لمواقفها ضد الحکومة الجدیدة.

مکتسبات فتح وحماس

یتوجب على الفلسطینیین أن یدرکوا حجم الخسارة التی ستصیب إسرائیل إذا نجح تطبیق الاتفاق، وعلیهم أن یتسلحوا لیس فقط بحسن النوایا تجاه بعضهم بعضا، بل بالتصمیم على المضی بالمصالحة الوطنیة حتى النهایة.

فخسائر إسرائیل من المصالحة التی تمت الإشارة إلیها آنفاً هی فی الواقع أرباح صافیة للشعب الفلسطینی وقضیته. وفی نفس الوقت فهی مکسب لکل من حرکتی فتح وحماس. فمن الواضح أن اتفاق المصالحة یسمح لحرکة فتح بالتخلی عن البرنامج السیاسی الذی تعلق به أبو مازن، والذی تبین بالدلیل القاطع أنه قد أفلس.

فی نفس الوقت، فإن هذا الاتفاق یسمح لقیادة السلطة وحرکة فتح بالانخراط بشکل طبیعی فی السیاقات التی أرسلتها الثورات العربیة المجیدة بعد أن خسرت الکثیر من أوراقها، لا سیما بعد سقوط النظام المصری.

وفی المقابل فإن المصالحة ستتیح لحرکة حماس الفکاک من ورطتها المتمثلة فی الجمع المستحیل بین الحکم والمقاومة، کما أنه سیحرر حماس من التبعات الأمنیة والاقتصادیة والسیاسیة لانفرادها فی حکم قطاع غزة.

ویکفی أن حماس لن تکون بعد تشکیل الحکومة الجدیدة مسؤولة أمام إسرائیل والعالم عن أی عمل عسکری تقوم به الفصائل الأخرى. ومن الواضح أن تخلص حماس من الالتزامات المالیة تجاه عشرات الآلاف من الموظفین سیحررها من الحاجة لدعم الأطراف الخارجیة، وهو الدعم الذی عقّد وضع حماس السیاسی، حیث إنه أسهم فی تصنیفها ضمن معسکر محدد، مما جعلها مهددة بدفع ثمن کبیر بوصفها الطرف الأضعف فی هذا المعسکر.

آلیات التحرک الفلسطینی المضاد

إزاء کل ما تقدم، فإن الفلسطینیین مطالبون بالعمل بکل قوة على إنجاح اتفاق المصالحة بوصفه فرصة تاریخیة لطی هذه الصفحة السوداء من تاریخ الشعب الفلسطینی.

وعلیه فإنه یتوجب عدم ترک المجال للإسرائیلیین لإفشال المصالحة، وذلک عبر ضبط عملیات المقاومة لکی لا توظف کسَهم مرتد ضد الفلسطینیین، ویتوجب أیضاً عدم السماح للأطراف الداخلیة التی ستتضرر مصالحها من المصالحة بأن تتواطأ مع الاحتلال لإفشاله.

فی نفس الوقت یتوجب التحلی بالحکمة فی التعاطی مع تذرع إسرائیل بشروط الرباعیة، بحیث یجب التسلیم بإدارة منظمة التحریر للمفاوضات فی ظل التمسک بالحد الأدنى من القواسم المشترکة فلسطینیاً، وهی القواسم التی لا تقبل بها إسرائیل أصلاً، وفی المقابل مطالبة إسرائیل بما یجمع علیه العالم فی الشأن الفلسطینی، حتى یتم تعمیق عزلتها الدولیة وإحباط قدرتها على التشویش على مشروع المصالحة.

فی نفس الوقت یتوجب على کل الفرقاء فی الساحة الفلسطینیة حشد أکبر الطاقات للشروع فی انتفاضة فلسطینیة ثالثة بهدف طرد الاحتلال من الأراضی المحتلة وتفکیک المستوطنات، وأن تحظى هذه الانتفاضة بدعم کل القیادات الفلسطینیة بدون استثناء. فهذا ما سیشل إسرائیل ویقلص من قدرتها على إفشال مشروع المصالحة.

ن/25 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143173







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)