نهایة الشرق الوسط القدیم
نبیل عودة
خطاب بلا معنى. هذا هو التلخیص لخطاب نتنیاهو الأخیر فی الکنیست، بل وبعض المحللین الإسرائیلیین وصفوه بالاجترار من أفکار قدیمة مبتلیة لا تقدم شیئا جدیدا. للمراقب یبدو واضحا أن نتنیاهو یهرب حتى من خطابه المشهور باسم "خطاب بار ایلان". والذی قدم فیه رؤیته لإقامة دولتین، ولکن الدولة الثانیة، فلسطین، یجب أن تتنازل عن کتل الاستیطان الیهودیة، وعن حقها بالتصرف بحدود بلادها، خاصة مع الأردن، بل وباراک وزیر الدفاع یرید ضم غور الأردن والشواطئ الشمالیة للبحر المیت، وهی منطقة تطویر زراعی توفر دخلا کبیرا لإسرائیل من صادراتها الزراعیة حیث تسیطر على مصادر المیاه وتحرم الفلسطینیین من میاههم.
وضم غور الأردن، یعنی حرمان الدولة الفلسطینیة من احتیاط الأراضی الأکبر والأهم للدولة الفلسطینیة، وبالطبع ضم کل القدس الشرقیة، التی تجری فیها سرا أو علنا حرکة بناء واسعة، وتطویر بنى تحتیة وأهمها شبکات مواصلات حدیثة، بقطارات داخلیة تربط بین مستوطنات القدس والقدس العربیة وسائر أطراف القدس الغربیة، إلى جانب هدم أحیاء کاملة، وتغییرات دیموغرافیة زاحفة، وهناک متمولین یهود یوظفون ما لا یقل عن نصف ملیار دولار سنویا، لتغییر الوجه العربی للقدس أو لجعله هامشیا تماما، " قمة سرت العربیة تعهدت بتقدیم نصف ملیار دولار لدعم الوجود الفلسطینی فی القدس ومواجهة تهوید القدس، لم یقدم منها إلا مصروفات جیب هزیلة".
وأخطر من ذلک، بعض السکان حدثونی، أن المواطن العربی الذی یغادر القدس للتعلیم أو العمل فی الخارج یفقد حقه بعد سنة أو أقل من سنة "ولیس بعد 7 سنوات کما نشرت فی مقال سابق لی" بأشکال مختلفة، تعطیها إسرائیل تغطیة "قانونیة".
وأکثر من ذلک، کما أوضح نتنیاهو بخطابه الاجتراری البالی، بقیة الضفة الغربیة لیست مضمونة للدولة الفلسطینیة، بل یجب التفاوض على ما تبقى من مناطق غیر مستوطن فیها فی الضفة الغربیة. هذا عدا شروطه، برفض المصالحة بین فتح وحماس، وضرورة فضها قبل أی مفاوضات..
الاستنتاج الرئیسی من خطاب نتنیاهو أن حکومته تحضر نفسها لمواجهات صراع جدید مع الفلسطینیین، ربما تشارک فیه الجماهیر العربیة أیضا، التی کسرت حاجز الخوف للأنظمة المتساقطة، وهذا الصراع قد یکون له شکلان: الأول انتفاضة داخلیة، والثانی انتفاضة مسیرات لاختراق الحواجز فی الطریق إلى فلسطین.
هذا إلى جانب اقتراب موعد إعلان الدولة الفلسطینیة، الذی سیشکل قمة الصراع والتصادم السیاسی والإعلامی والدبلوماسی والقانونی مع حکومة إسرائیل.
فی مواجهة هذا الاجترار من المواقف البالیة والمتهربة من الإقرار الواضح لنهج سیاسی یقود إلى حل الصراع، الذی میز خطاب رئیس حکومة إسرائیل نتنیاهو، طرح الرئیس الفلسطینی محمود عباس، مواقف عقلانیة واضحة الأهداف، فی مقال له نشرته صحیفة "نیویورک تایمز"، حیث أکد أن المبادرة الفلسطینیة للحصول على اعتراف دولی بدولة فلسطینیة مستقلة فی حدود 1967، لیست مناورة، مؤکدا أن التوجه للأمم المتحدة یهدف إلى تأمین الحقوق الأساسیة للفلسطینیین، بحیاة حرة، فی دولة مستقلة فی اطار حدود 4 یونیو 1967، أی أن الموقف الفلسطینی هو القبول بدولة على مساحة 22% من الأرض الفلسطینیة فی حدودها الانتدابیة.
وحول المشکلة الأکثر حدة فی النزاع، مشکلة اللاجئین أعاد الرئیس الفلسطینی فی مقاله، التأکید على بنود مشروع السلام العربی "المشروع السعودی" الذی یقترح حلا متفقا علیه وعادلا لمشکلة اللاجئین، على أساس قرارا الأمم المتحدة رقم 194. والمصادر المختلفة تؤکد أن جوهر الموضوع یتعلق بإعادة عدد رمزی جدا من اللاجئین، والحل الأساسی سیکون بإطار الدولة الفلسطینیة.
عباس أوضح أیضا أن القرار الفلسطینی للتوجه للمجموعة الدولیة، من أجل الاعتراف بدولة فلسطینیة مستقلة ضمن حدود 1967، جاءت بعد سنوات من المفاوضات العاقرة مع إسرائیل حول التسویة الدائمة، واستمرار سیطرة إسرائیل على مساحات من أراضی الضفة الغربیة والقدس الشرقیة.
من الواضح لأی مراقب أن خطاب نتنیاهو ، فی مواجهة الموقف الفلسطینی الواضح، یؤکد أن إسرائیل لا ترید التقدم إلى حل. نتنیاهو لم یذکر فی خطابة حدود 1967 مثلا، التی من المفترض أنها القاعدة الأساسیة لأی حل دائم.
من السابق لأوانه تقییم ما سیکون علیه الموقف الأمریکی، رغم الإشارة الواضحة من البیت الأبیض، کرد فعل أول، التی تقول إن المفاوضات أضحت ذات أهمیة أکبر الآن، دون توضیح القاعدة التی ستجری علیها هذا المفاوضات. هل هو تمهید لمواجهة أمریکیة تدعم اسرائیل فی رفض اعلان الدولة الفلسطینیة بحجة ان المفاوضات هی الحل؟
نتنیاهو سیلقی خطابا أمام مجلسی الکونغرس، ومن المتوقع أن یعمل مع اللوبی الیهودی القوی على کسب التأیید لمواقف حکومته، وهو یناور کذلک على مسألة التحضیر لدورة انتخابات الرئاسة الأمریکیة والدور الکبیر للوبی الیهودی فی التأثیر على نتائج هذه الانتخابات.
من الناحیة الأخرى ستواجه سیاسة إسرائیل کما عبر عنها نتنیاهو فی الکنیست، إلى "تسانومی سیاسی"، حسب تحذیر اطلقه وزیر الدفاع باراک، وهذا یعنی عزل سیاسی دولی لإسرائیل، مقاطعة واسعة اقتصادیة وثقافیة، وربما عقوبات اقتصادیة، وسیجری تحمیل إسرائیل مسؤولیة الوضع المتوقع أن ینفجر فی الشرق الأوسط بمدى غیر منتظر، خاصة فی المرحلة الجدیدة التی تعصف فی العالم العربی.
وکلما کان سقوط الأنظمة العربیة الفاسدة أسرع، کلما ازدادت احتمالات أن تواجه إسرائیل عاصفة "تسانومی" سیاسیة اشد قوة.
من هنا، کما أرى یتبن الارتباط بین قضیة العرب الأولى، فلسطین، وبین تنظیف العالم العربی من أنظمة ظنت أن الشعارات القومیة ستزود شعوبها بالاکتفاء والرضاء.
ساعة الحقیقة تقترب. ولا أرى أن الحل سیکون فلسطینیا فقط فی مواجهة التعنت الإسرائیلی والضمانات الأمریکیة لهذا التعنت، بل بتغییر النهج السیاسی العربی بما یتلاءم مع المرحلة الثوریة الجدیدة. والأیام القادمة تخبئ لنا الکثیر من المفاجآت، قد یکون بعضها مؤلما، ومهما تعددت أشکال التطورات، هذه ستکون نهایة الشرق الأوسط القدیم!!.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS