ذکرى النکبة.. وحقائق فلسطینیة وعربیة
د. فایز رشید
کتبنا فی مقالة سابقة ، عن ذکرى النکبة وحقائق إسرائیلیة. فی هذه المقالة نرى الحقائق فی الوجه الآخر للصراع، وهو الصراع العربی - الصهیونی، ولیس النزاع الفلسطینی - الإسرائیلی کما یردد البعض، خاصة عندما جاءت الإثباتات الشعبیة الجماهیریة العربیة من الکثیر من العواصم والمدن العربیة، وهی تحیی ذکرى النکبة الثالثة والستین، فالأعلام الفلسطینیة ترتفع وتتألق فی المسیرات والمظاهرات العربیة تأییدا لحقوق الشعب الفلسطینی فی العودة وتقریر المصیر وإقامة الدولة الفلسطینیة کاملة السیادة، والمسیرات الشعبیة الفلسطینیة والعربیة باتجاه نقاط التماس مع اسرائیل فی کل من سوریة ولبنان وغزة تعد بالدماء: عشرات الشهداء ومئات الجرحى على أیدی العدو الصهیونی. کنا نتمنى لو أن مسیرتی الأردن ومصر تمکنتا من الوصول الى الحدود مع العدو الصهیونی، مسیرات فی الضفة الغربیة ومنطقة 48، الأمر الذی جعل من إحیاء الأمة العربیة لهذه الذکرى فی هذا العام، أمراً ممیزاً إن فی المسیرات الجماهیریة فی العواصم أو تلک الذاهبة فی اتجاه الحدود، وهو ما یعنی أن الصراع بوجهیه الوطنی والقومی عاد إلى مربعه الأول، فالجماهیر العربیة لم تُسقط القضیة الفلسطینیة عن أولویات أجندتها یوماً. الجدید أن هذه الجماهیر، بالتغییرات الثوریة التی تصنعها بأیدیها، امتلکت زمام الأمور أکثر من ذی قبل، فی حریة التعبیر عن آرائها، ولذلک کان إحیاء ذکرى النکبة، ممیزاً هذا العام.
من جانب ثانٍ: رغم قوانین العدو الصهیونی العنصریة التی سنها الکنیست الإسرائیلی لهذا العام من أجل منع فلسطینیی منطقة 48 من إحیاء ذکرى النکبة، تحدى أهلنا داخل الخط الأخضر، اسرائیل، وأحیوا الذکرى، لا لیوم واحد، وإنما لأیام عدیدة، وهو ما یشی بأن إسرائیل کما عجزت عن(أسرلة) هؤلاء طیلة 63 عاماً، رغم کل محاولاتها محو هویتهم الوطنیة والقومیة، ثقافةً وانتماء ووجوداً، فستعجز عن کسر إرادتهم، وهو ما یؤکد أن الفلسطینیین فی الوطن والشتات، یوحدهم الحلم والأهداف، کما الانتماء، وهم ماضون فی نضالاتهم من أجل تحقیق طموحاتهم الواحدة وأهدافهم الوطنیة.
لعل ما قلناه هو من أبرز الحقائق فی الخاص الوطنی الفلسطینی والعام القومی، ومهما حاول البعض الفصل بین المسألتین، فإن أکبر الأدلة على استــحالة إیجاد الشرخ بینهما هو الوضع الشعبی العـــربی الحالی، فی ما یتـــعلق بالخصـــوصیة الفلسطینیة. ولعل من أبرز الحقائق الفلسطینیة الأخرى:
أولاً: أن حق العودة فی الذهنیة الفلسطینیة یترسخ یوماً بعد یوم، إذ أن 63 سنة من النکبة لم تُنس الفلسطینیین فی الوطن والشتات، حقهم فی العودة إلى بلدهم وأرضهم إلى وطنهم ومدنهم وقراهم، فالأجیال الجدیدة أکثر تشبثاً بهذا الحق من الأخرى السابقة، فإن سألت طفلاً فلسطینیاً فی الوطن والشتات من أی بلدة أنت یجیبک باسمها الفلسطینی قائلاً: أنا من سَلمة، وهذا على صعید المثال ولیس الحصر.
ثانیاً: أن القرى الـــ537 التی هدمتها إسرائیل فی منطقة 48 فی محاولة واضحة لمحوها من الذاکرة الفلسطینیة، تماماً کما تهوید الأسماء الذی مارسته إسرائیل منذ إنشائها وحتى اللحظة، على المدن والقرى العربیة والشوارع والأزقة فی هذه المدن والقرى والأماکن، کما الأسماء الحقیقیة، بقیت خالدة فی الذاکرة الفلسطینیة، لیس کنوستالجیا فقط، وإنما هی إصرار على إعادة بناء هذه القرى إلى أرض الواقع، وعودة أهلها إلیها.
ثالثاً: أن الشعب الفلسطینی فی کل أماکن وجوده، هو وحدة واحدة، تختلف معاناته الخاصة، باختلاف مشاکل الجغرافیا التی یوجد علیها، لکن معاناته العامة المتمثلة فی الهموم والأهداف الوطنیة والنضال من أجلها (کلُّ وفق قدرته ووفقما تسمح له الظروف الموضوعیة به) هی هموم وأهداف ونضال واحد.
رابعاً: أن الشعب الفلسطینی فی کل أماکن وجوده سیبقى الضمانة الأساسیة الأکیدة على التمسک بالأهداف والحقوق الوطنیة الفلسطینیة فی العودة وتقریر المصیر وإقامة دولته المستقلة على کامل ترابه الوطنی، خاصة فی ظل انسداد الآفاق أمام التسویة (إلاّ الحکم الذاتی)، وانعدام الفرص أمام کافة الحلول: حل الدولتین، الدولة الدیمقراطیة العلمانیة الواحدة، الدولة لکل مواطنیها، خاصة أن إسرائیل تسعى إلى اعتراف دولی وعربی بیهودیة دولتها، وهذا یقطع الطریق على هذه الحلول، قد تجد اعترافاً دولیاً (من الولایات المتحدة وبعض الدول الغربیة الأخرى) لکن لن تستطیع فی کل الحالات کسب اعتراف فلسطینی وعربی شعبی بیهودیتها.
خامساً: أن النکبة والنکسة والمذابح والاعتقال والاغتیال وهدم القرى وسرقة الأرض، وکافة أشکال الملاحقات والمضایقات والتجویع والمنع من العمل وغیرها من مظاهر المعاناة الفلسطینیة الطویلة منذ ما قبل النکبة وحتى اللحظة، والمؤهلة للاستمرار طالما بقی الأعداء، لم ولن تستطیع إرهاب الفلسطینیین، مثلما یقصد الأعداء، بدلاً من ذلک ازداد الفلسطینیون تمسکاً بهویتهم وبحقوقهم وأهدافهم وإصرارهم على تحریر وطنهم، ورفضهم لکل ما هو بدیل عن الأرض الفلسطینیة. هم کانوا، وهم الآن، وسیظلون الأوفیاء لوطنهم مهما غلت التضحیات، ورغم کل أشکال المعاناة، ورغم کل المؤامرات التی تستهدفهم وطناً وشعباً.
أما أبرز الحقائق العربیة فی ذکرى النکبة الثالثة والستین فإضافة لما ورد فهی:
أولاً: فشل کل محاولات إبعاد الجماهیر العربیة بدعاوى شتى، عن القضیة الفلسطینیة، وعن دورها أیضاً فی الصراع مع إسرائیل، إضافة إلى ارتفاع وتائر إحساسها بأن الخطر الإسرائیلی لا یستهدف الفلسطینیین فحسب، وإنما یستهدف الأمة العربیة من المحیط إلى الخلیج، ولذلک رغم کل محاولات حصر الصراع أو النزاع مع إسرائیل بالفلسطینیین، فشلت هذه المحاولات بفعل الوعی المترسخ فی أذهان الجماهیر العربیة عن الخطر الصهیونی.
ثانیاً: الاستعداد العالی لدى أبناء الأمة العربیة لدفع استحقاقات الصراع مع إسرائیل، فلم تُفلح کل المحاولات الهادفة إلى حصر أثمان الاستحقاقات بالجانب الفلسطینی فقط، فمعظم العرب لدیهم کل کامل الاستعداد لدفع هذه الأثمان.
ثالثا: دعوة الجماهیر العربیة لأنظمتها لوضع استراتیجیة جدیدة فی الصراع مع إسرائیل، بعدما ثبت بالملموس فشل الاستراتیجیة السابقة/الحالیة فی التعامل مع العدو الصهیونی.
استراتیجیة جدیدة قادرة على مجابهة الخطوط الاستراتیجیة للعدو، تجاه الصراع مع الفلسطینیین والعرب.
لتکن الذکرى 63 للنکبة محطة جدیدة لتمسکنا بالحقوق الوطنیة الفلسطینیة والأخرى العربیة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS