على ماذا اختلفوا على ماذا یتصالحون؟!
رشاد أبو شاور
الیوم الأربعاء سیلتقی الطرفان المختصمان المتصارعان اللذان شقّا صّف الشعب الفلسطینی، ودفعاه تکلفة فادحة، وغیباه عن الفعل، ونابا عنه اغتصابا و( بلطجة) سیاسیة، فخسراه کثیرا مّما أنجز، وشوها سمعته، ونکسا رأسه أمام 'من یسوى ومن لا یسوى'، سواء أکان صدیقا، أوکان عدوا.
بغتة، ودون توقع، فوجئنا بخبر توصل (الطرفین) للمصالحة، بل والتوقیع بالأحرف الأولى على بنودها، وفرقعت التصریحات المشیدة بالأخوة بین الطرفین..أمّا السنوات الأربع العجاف التی دفع شعبنا وقضیتنا تکلفتها فلا أحد من الطرفین یتحمل أوزارها، فهما بریئان طاهران نظیفان مضحیان، فلا مساءلة، ولا (نقد ذاتی)، ولا إعادة حساب لتفحص الخسائر..مع التذکیر بأن إیجابیة مهما ضؤلت لم تنتج عن الاقتتال والصراع بکافة أشکاله بین الطرفین، بما فیها ما کان یعتبر حراما بین الأخوة، ففی صراع الطرفین تم تجاوز المحرمات، واستبیحت الأعراف والتقالید والعبر.
کل المصالحات السابقة فشلت، ولذا ما عاد شعبنا الفلسطینی یصدّق الطرفین، وتبریراتهما، ووعودهما، وتواقیعهما سواء بالأحرف الأولى أو بکامل الأسماء التنظیمیة و(الأبویة).
هل نصدق إذا المصالحة التی ستتم الیوم فی القاهرة برعایة مصریة، وبحضور الجامعة العربیّة، وآخرین؟!
لا داعی للتذکیر بأن مصر لیست هی مصر قبل ثلاثة أشهر، فمصر مبارک وأبی الغیط وعمر سلیمان ولّى زمنها، واندثر أثرها، والیوم توجد مصر أُخرى طلعت من رحم میدان التحریر، ومیادین المدن المصریة، وهی تستعید دورها وهیبتها وفاعلیتها بعد القضاء على رؤوس زمن التبعیة والفساد.
المصالحة الیوم فی القاهرة ما کانت لتتحقق لولا مصر، وربیع الثورات العربیّة التی بدأت تستعید فلسطین کقضیة عربیة بعد أن أقلمتها القیادات الفلسطینیّة التی راهنت على أن الأوضاع ثابتة، وأن الجماهیر العربیّة ماتت، وأن زمن التبعیة لأمریکا بات نهائیا، وقدرا لا یرّد، والشاطر من یؤقلم نفسه معه، وینحنی له، ویهرول وراءه حتى لا یفوته القطار، أو یسحقه القطار بعجلاته!
مصر جلبت الطرفین وفرضت علیهما بالتی هی أحسن، وعلى السکیت، أن یتفقا على المصالحة، وهو ما یعنی أن (القرار المستقل) لم یعد قرارا فی ید هذا الطرف الفلسطینی أو ذاک، فالقضیة الفلسطینیة لیست ورقة محلیة خاصة داخلیة یتصالح على اقتسامها، أو الاستحواذ علیها، طرفان فی الساحة الفلسطینیّة!
فلسطین قضیة مصریة داخلیة، جغرافیا وتاریخیا، ومن یجهل هذه الحقیقة علیه أن یتأمل خارطة فلسطین، وأهمیة فلسطین لمصر منذ بدء التاریخ وحتى یومنا، وهذا ما نسیته الأطراف الفلسطینیّة بقصر نظر، وحول سیاسی نجم عن خلل فی البصیرة التی راهنت على الرضى الأمریکی، ونوایا قیادات الکیان الصهیونی رغم أنها اختبرت منذ أوسلو حتى الیوم.
الطرفان أحدهما احتقر الجماهیر الفلسطینیة والعربیّة، ورأى فیها قطعانا تساق بلا رأی، ولا قدرة على الرفض، فما بالک بالثورة والمعاندة و..الانفجار؟ وطرف حلّق فی عالم الغیب، وراهن على ما یأتی به المجهول، وقفز بالقضیة من فضائها العربی إلى فضاء (إسلامی) موهوم، وفی الواقع بحث عن محاصصة، وطمع فی الاستحواذ على القرار لوحده محاولاً اهتبال فرصة توفرها سلطة عاجزة تابعة.
الحسابات الخاطئة الجاهلة بفلسطین القضیة، وأبعادها، دفعت للصراع على القرار، وهو ما أدى لاستخدام السلاح فی الحسم، وانتزاع غزّة و..ما تبع غزّة التی خرج منها شارون وأوقعها فی الحصار، مراهنا على الانفجار الفلسطینی الداخلی ..وهو ما حدث فعلاً!
المصالحة الیوم فی القاهرة!..هل هناک ما یضمن أن لا تکون مجرّد مشهد عابر، یعود بعده الطرفان إلى ألاعیبهما..وصراعهما، وماکائدهما..بأسالیب ربما تختلف عن السابق، ولکنها فی الجوهر تکرّس الانقسام، فالضفة عاصمتها رام الله، وغزّة عاصمتها غزّة..ولا وحدة حقیقیة لشعب مقاوم یعرف بالخبرة الطویلة المریرة أنه لن یحرر شبرا من أرضه إلاّ بالمقاومة، وأنه لن ینتصر فی المعرکة إلاّ بالظهر والظهیر العربی الشعبی، و.. بالدول التی تعبّر عن تطلعات الشعوب العربیّة، بعد أن بدأنا نرى دولاً تنتمی لشعوبها وأمتها فی تونس ومصر؟!
مصر التی ترتب أمورها لن تنشغل داخلیا وتعزل نفسها، فثورة شعبها کان أحد أسبابها الخروج من العزلة، واستعادة الدور، لأنها بهذا ستضمن ماءها وغذاءها، وثقل حضورها عربیا وأفریقیا وعالمیا.
لو کان الطرفان اللذان شقّا الساحة الفلسطینیّة ومزقا وحدة الشعب الفلسطینی صادقین لاتفقا على بنود تضمن الوحدة الوطنیة الفلسطینیّة، بحضور ومشارکة کافة القوى الفلسطینیة والکفاءات والشخصیات، وممثلین عن التجمعات الفلسطینیّة من التشیلی فی أمریکا اللاتینیّة حیث اکبر جالیة فلسطینیّة بعد اللاجئین فی الأقطار العربیّة، وحتى أصغر تجمع فلسطینی فی العالم.
الطرفان استجابا للدعوة لأنه لا خیار أمامهما، فمصر الجدیدة لیست مصر الضعیفة التی یمکن مراوغتها!
رفح بوابة مصر، ومصر بدأت تستعید قوة حضورها وتأثیرها، ولا لعب معها، فهی فی کل یوم تزداد قوّة حضور، ومصر لم تعد تفرض على طرف فلسطینی أن یخضع للأوامر والرغبات الأمریکیة ولبلطجة قادة الکیان الصهیونی. مصر الیوم تعود قائدة..فزمن السمسرة المبارکیة انتهى و..مبارک فی (بیت خالته)..فی طرّة، هو ورموز حکمه، ووریثه والبطانة الفاسدة.
یراهن الطرفان على الوقت، فطرف یراهن على الاعتراف بالدولة الفلسطینیة فی أیلول(سبتمبر)، وطرف یراهن على فشل مراهنات الطرف الأخر، أو ربما على مصر منحازة فی حال تمکن تیار سیاسی من الهیمنة على القرار المصری!
فی طریق المصالحة ألغام، منها ما هو قائم: هیمنة حماس بالمطلق على قطاع غزّة، و هیمنة السلطة وأجهزتها على ما تبقّى من الضفة!
هناک بند یتکرر فی کل اتفاق مصالحة، وهو وجود بند ینّص على المهمة الرئیسیة للوزارة المتفق علیها: الانتخابات الرئاسیة والتشریعیة.
لا یخفى أن هذا البند یفضح روح التنافس على انتزاع وحدانیة التمثیل..لماذا؟ للتفاوض باسم الشعب الفلسطینی الذی لن یشارک فی هذه الانتخابات التی ستکون وقفا على بعض الفلسطینیین فی القطاع والضفة!
العامل العربی المصری جرّ الطرفین للتصالح الاضطراری، رغم أن العامل التنظیمی الفئوی سیتحکم بسلوک وتفکیر الطرفین المتربصین ببعضهما إلى أن تنتهی هیمنتهما على القرار الفلسطینی.
مجرّد حضور وفود من الفصائل لا یعنی أبدا أن الحدث یحظى بالمبارکة الفلسطینیّة، فالفصائل تحضر حتى لا تغیب، وهی تحضر وهی مغیّبة لأنها لم تستشر، ولم تشارک فی الخطوات السریعة، وهی ترى فی الظهور فی (الصورة) الجماعیة اعترافا بها..وذلک أضعف الإیمان، وهذا لن یمنع ناطقیها الرسمیین من الإدلاء بتصریحات(تبارک) و..تحذّر، وتعتب، وتلوم، و..یعود کل (فریق) إلى مواقفه، ولا مقاومة حقیقیة، ففی غزّة ورام الله اتفاق ضمنی من موقعین مختلفین على وقف المقاومة التی تورّط، وتخسّر الدور والمکتسبات الخاصة!
مصر ترید للطرفین الفلسطینیین أن یتصالحا حتى تنتزع ورقة الانقسام من ید نتنیاهو وحکومته والکیان الصهیونی المدعی باستمرار أنه لا یوجد طرف فلسطینی واحد( نتفاوض معه)!
مصر تحضر، وحضورها سیزداد ثقلاً، ولذا بإمکان الفلسطینیین المؤمنین بعروبة فلسطین، وبأن الفلسطینیین لیسوا وحدهم، وبأن فلسطین قضیة عربیة بامتیاز ..أن یضاعفوا من نشاطهم، ویبرزوا خطابهم الذی لن یتهم بعد ثورات العرب بالخشبی، ففلسطین تعود قضیة عربیة، ویبقى أن نعود نحن بها إلى أمتها بمنظور یعلو على ضیق أفق وخطاب الطرفین، وعدم تخفیف الضغط علیهما شعبیا فلسطینیا وعربیا حتى تتحقق الوحدة الوطنیة التی ستنهی أسباب الانقسام نهائیا!
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS