الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

المصالحة الفلسطینیة: العبرة فی التنفیذ

نقولا ناصر

 

لا یمکن الحط من أهمیة التوصل إلى اتفاق آخر على إنهاء الانقسام الفلسطینی، لکن الامتحان الأکبر للمصالحة الوطنیة یظل یکمن فی تنفیذ اتفاق القاهرة الأخیر، ففی تنفیذه یکمن الإنجاز الحقیقی لا فی إبرامه، نظرا لتکرار فشل أو إفشال تنفیذ الاتفاقیات السابقة.

لذلک فإن الثقة التی أعرب عنها القائد فی حرکة "حماس" د. محمود الزهار فی أن الاتفاق الجدید "سیصمد" لا تبدد القلق الکامن وراء الارتیاح العارم الذی ساد الشارع الفلسطینی فی أعقاب الإعلان عن الاتفاق یوم الأربعاء الماضی.

فالعوامل الایجابیة التی ترجح التفاؤل بنجاح تنفیذ الاتفاق هذه المرة، مثل المتغیرات الاقلیمیة العربیة ومضاعفاتها على طرفی الانقسام، وانسداد طریق المفاوضات المباشرة، والخذلان الأمریکی لمفاوض منظمة التحریر، ووجود مصلحة وطنیة ومطالبة شعبیة ضاغطة على کلا طرفی الانقسام لانهائه، وتضییق خناق الحصار العسکری المفروض على أحدهما والسیاسی والدبلوماسی المفروض على الآخر، هی عوامل تکاد توازن العوامل السلبیة التی أفشلت الاتفاقات السابقة.

ومما لا شک فیه أن متغیرات "الربیع العربی" کانت عاملا حاسما فی تغییر موقف حرکة "فتح" التی "فاجأت الجمیع بالموافقة على التعدیلات التی تطلبها حماس" على الورقة المصریة کما قال رئیس کتلة الحرکة فی المجلس التشریعی عزام الأحمد للأخبار المصریة یوم الخمیس الماضی.

وفی رأس هذه العوامل الایجابیة طبعا التغییر الذی یحدث بطیئا فی الموقف المصری بعد ثورة 25 کانون الثانی/ ینایر الذی جعل القاهرة تقف على مسافة واحدة من طرفی الانقسام وتتخلى عن انحیاز نظام الرئیس السابق حسنی مبارک إلى أحد الطرفین وضغوطه على الطرف الآخر مما أهل الوساطة المصریة للنجاح فی تحقیق اتفاق المصالحة، ویؤهلها کراعیة للاتفاق لمواصلة جهودها لضمان تنفیذه وتذلیل العقبات المتوقعة أمام تنفیذه.

وإذا کان رفع الحصارالمصری الذی فرضه نظام مبارک على قطاع غزة یمثل مسؤولیة تاریخیة حاسمة حتى لا یظل الاتفاق الجدید على إنهاء الانقسام مجرد حبر على ورق، ویمثل المساهمة الأهم لمصر فی الوصل بین القطاع وبین الضفة الغربیة لنهر الأردن کبدیل للوصل بینهما عبر دولة الاحتلال الإسرائیلی التی من المؤکد أن تحکم الفصل بینهما ضمن إجراءاتها المتوقعة لإجهاض اتفاق المصالحة، فإن مسؤولیة الدول العربیة عن الوفاء فی الأقل بتعهداتها المالیة لمنظمة التحریر والسلطة الفلسطینیة قد لا یقل أهمیة فی دعم الوحدة الوطنیة الفلسطینیة فی ضوء مسارعة دولة الاحتلال إلى التلویح بتجمید تحویل الضرائب المستحقة للسلطة بموجب الاتفاقیات الموقعة ومسارعة راعیها الأمریکی إلى التلویح بقطع معونات الولایات المتحدة عنها، وسیکون الوفاء بهذه التعهدات مساهمة عملیة لهذه الدول فی إنهاء الانقسام الفلسطینی الذی طالما حثت القیادات الفلسطینیة على إنهائه.

وفی السیاق ذاته، یتحمل الاتحاد الأوروبی بصفته المانح الأکبر للسلطة الفلسطینیة مسؤولیة مماثلة کی لا ینجر مجددا للتبعیة لموقف الولایات المتحدة فیکرر انضمامه إلیها فی فرض حصار اقتصادی على حکومة وحدة وطنیة للسلطة الفلسطینیة تم الاتفاق على تألیفها فی القاهرة الأربعاء الماضی کما فعل مع الحکومة الفلسطینیة المماثلة التی تألفت بعد الانتخابات التشریعیة الفلسطینیة عام 2006 تمهیدا للانقلاب على نتائجها.

ومن العوامل الایجابیة فلسطینیا أن العقبة السیاسیة المتمثلة فی الاختلاف على استراتیجة التفاوض والمفاوضات ذاتها ومرجعیاتها وثوابتها الوطنیة الذی تحطمت على صخرته کل اتفاقیات المصالحة السابقة تبدو هذه المرة قد وجدت سقفا زمنیا یمنع تعویم ما تم الاتفاق علیه سابقا من تفعیل لمنظمة التحریر بربط انتخابات مجلسها الوطنی بالتزامن مع الانتخابات الرئاسیة والتشریعیة لسلطة الحکم الذاتی، وبتفعیل اللجنة القیادیة للفصائل الفلسطینیة کمرجعیة للمنظمة خارج الوطن المحتل دون تجاوز اللجنة التنفیذیة للمنظمة فی الداخل.

کما کان الاتفاق على إجراء الانتخابات جمیعها بعد مضی عام على توقیع الاتفاق الجدید تعبیرا عن مرونة ذکیة تمنح الرئیس محمود عباس مهلته الأخیرة لاختبار حسن نوایا المجتمع الدولی فی إنجاز "حل الدولتین" الموعود.

غیر أن الامتحان الأکبر للمصالحة ما زال ینتظر الرئیس عباس فی مقبل الأیام، إذ علیه أن یثبت قدرته على مقاومة ضغوط دولة الاحتلال وراعیها الأمریکی إضافة إلى ضغوط المتضررین فلسطینیا من المصالحة الوطنیة والمستفیدین من استمرار الانقسام الذین یجدون أنفسهم الآن فی عزلة شعبیة خانقة ترجح ألا یجرأوا على معارضة الاتفاق الجدید علنا، وأن یثبت قدرته کذلک على مقاومة إغراءات أی مبادرات أمریکیة جدیدة لاستئناف المفاوضات المباشرة على غرار الفخ الذی وقع فیه فی مؤتمر أنابولیس عام 2007 ثم الفخ الذی وقع فیه فی بدایة عهد الرئیس الأمریکی باراک أوباما، وکلا الفخین اشترط لاستئناف المفاوضات استمرار الانقسام الفلسطینی التزاما بشروط اللجنة الرباعیة الدولیة المعروفة.

فمنظمة التحریر لم تکافأ لا أمریکیا ولا إسرائیلیا بعد أربع سنوات مجانیة دون مقابل من الانقسام والتنسیق الأمنی مع دولة الاحتلال. ویثبت اتفاق القاهرة الجدید وجود إجماع وطنی فلسطینی على إنهاء الاحتلال الذی وقع عام 1967 بأی شکل من الأشکال، وقد منح الاتفاق عباس مهلة أخیرة کافیة لاختبار الطریق التی یراها موصلة إلى هذه الغایة، ومنحه قوة إضافیة، بینما یعد وجود "حماس" فی مرکز الشریک فی صنع القرار الوطنی بموجب الاتفاق ضمانة لتحقیق هذا الهدف دون الاجحاف بأی من الثوابت الوطنیة التی حولت المفاوضات السابقة بعضها إلى موضوع للتفاوض.

إن ردود الفعل الإسرائیلیة والأمریکیة على اتفاق المصالحة الوطنیة الجدید، الذی جاء ک"مفاجأة" للحلیفین حسب وسائل إعلامهما، ینبغی أن تعفی طرفی الانقسام من أی اختلاف مجانی على مسائل شائکة مثل "التنسیق الأمنی"، فلم یکن هناک على سبیل المثال أی داع للتصریح المستفز وطنیا لعضو مرکزیة "فتح" ووزیر الشؤون المدنیة حسین الشیخ بأن هذا التنسیق سوف یستمر فی ظل الحکومة الانتقالیة خلال عام بعد توقیع الاتفاق، فی وقت یخیر فیه رئیس دولة الاحتلال بنیامین نتنیاهو منظمة التحریر بین السلام معها وبین السلام مع "حماس"، إذ یبدو من شبه المؤکد أن یتذرع نتنیاهو "بالسلام" الذی اختارته المنظمة مع "حماس" التی یصنفها وراعیه الأمریکی کمنظمة "إرهابیة" کی یوقف من جانبه کل تنسیق مع المنظمة، فلماذا التطوع بالتنسیق الأمنی معه من جانب واحد؟

لقد کشفت الوثائق التی سربها موقع ویکیلیکس عن وجود "فیتو" أمریکی على المصالحة الفلسطینیة، وقد أفشل اتفاق المصالحة هذا "الفیتو" الأمریکی، لکن واشنطن لم تسقط هذا الفیتو بعد، ومن المؤکد أنها ستبذل قصارى جهدها لمنع تنفیذ الاتفاق کما یستدل من تصریحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومی الأمریکی تومی فیتور الذی اعتبر حماس "منظمة إرهابیة" واشترط بأنه "یجب على أی حکومة فلسطینیة أن تقبل" بشروط الرباعیة المعروفة کی تتعاطى بلاده معها. وکانت وزیرة الخارجیة هیلاری کلینتون بعد وقت وجیز من تولی مهام منصبها قد أعلنت صراحة رفض إدارتها للتعاون أو لتمویل أی سلطة فلسطینیة تضم "حماس" کشریک فیها.

أما نتنیاهو فاعتبر بأن الاتفاق "یظهر ضعف السلطة الفلسطینیة" ویهدد بـ"سیطرة حماس على یهودا والسامرة بالطریقة ذاتها التی سیطرت فیها على قطاع غزة"، بینما اعتبر وزیر خارجیته أفیغدور لیبرمان الاتفاق "تجاوزا للخطوط الحمراء"، لتنضم إلیه زعیمة المعارضة تسیبی لیفنی مشترطة التزام أی حکومة فلسطینیة بشروط الرباعیة.

ومن الواضح أن خلاصة الموقفین الأمریکی والإسرائیلی هی رفض للاتفاق، وإنذار بالتخلی عنه، وإعلان حرب علیه، واستعداد لمنع تنفیذه بکل الطرق، مما ینذر بمواجهة مقبلة ویستدعی التمسک باتفاق المصالحة والعمل المخلص على تنفیذه والالتفاف الوطنی حوله کأفضل وسیلة لتوحید الصف الوطنی وترتیب البیت الداخلی استعدادا لها.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143152







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)